في وضع يعكس حالة من الاحتقان وعدم الرضا، قرر محامو المغرب التوقف الشامل عن ممارسة مهام الدفاع في جميع محاكم المملكة المغربية، منذ فاتح شهر نونبر 2024 وإلى غاية إشعار آخر، احتجاجا على أوضاعهم المهنية ووضع العدالة بشكل عام، ليدخل القطاع في سابقة هي الأولى من نوعها، مما يدعو للتساؤل لماذا لا يتدخل عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، قبل تفاقم الأوضاع إلى حد لا يستطيع السيطرة عليه.
وبناء على التعديلات الي اقترحتها الوزارة، يتضح أن الوزير المذكور لم يدرك بعد مدى تأثير التصعيد على منظومة العدالة، وفي وقت استوجب عليه اعتماد منهجية تشاركية واسعة، لتوحيد وجهات نظر جميع المتدخلين في الحقل القضائي، لسن قوانين واقعية، يتضح أن الوزارة لا تكترث لوضعية المتقاضين ولا لمبادئ المحاكمة العادلة، مما سيمس بثقة المواطنين في القضاء المغربي ككل.
هشام الصادقي، محام بهيئة مراكش، أكد في تصريح ل "الأيام24″، أن واقع التشريع ببلادنا، اليوم، أصبح يتخبط في مشاريع قوانين تخالف الدستور المغربي، خصوصا تلك المقتضيات الواردة في قانون المسطرة المدنية.
وقال الصادقي، "تابعت تصريحات كل من وزير العدل، ورئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، والنقباء بمختلف هيئات المحامين بدقة، وبكل تجرد، وتبين لي كمواطن قبل أن أكون محاميا أن مشاريع القوانين التي تقدمت بها وزارة العدل إنتكاسة حقوقية بإمتياز، لكونها لم تحترم حتى الحد الأدنى من الدستور، فما بالك بالمواثيق الدولية"، معتبرا أن هذه الانتكاسة تظهر في التراجعات عن المكتسبات، خصوصا في قانون المسطرة المدنية.
وفي معرض تعليقه عن الحق في الطعن غير المقيد للنيابة العامة، يجد الصادقي، أن هذا المشروع منح النيابة العامة حق الطعن بإبطال الحكم في أي وقت، دون تقيدها بأجل معين، وبالتالي فإن هذا التعديل يعد خرقا جوهريا للدستور، الذي ينص على الأحكام والقرارات المكتسبة لقوة الشيء المقضي به، وفيه مساس خطير باستقرار المعاملات، خصوصا أن الاستثمارات الأجنبية تميل للدول التي تنعم بالاستقرار.
وتابع أنه في الآن ذاته، قيّد مشروع قانون المسطرة المدنية الحق في الاستئناف، في القضايا التي لا تتجاوز 30.000 درهم، لكون هذا المبلغ زهيد في نظر وزارة العدل، التي لا تعلم أن هناك من يشتغل ليل نهار، ولسنوات لادخار هذا المبلغ، متجاهلة بذلك حجم الفقر والهشاشة، كأنها تُشرع القوانين للمواطنين بالمدن الكبرى، ومن صنف معين، في حين أن أعدادا كثيرة منهم لا يتجاوز دخلهم السنوي هذا المبلغ، على حد تعبير الصادقي.
وأضاف المتحدث نفسه أنه لا يمكن حرمان أي شخص من ممارسة حقه في الطعن بالإستئناف، على اعتبار أن عمل القضاء إنساني بطبعه، وبالتالي فإن احتمال الخطإ وارد، مردفا أن توجه وزارة العدل يهدف إلى إقصاء هذه الطبقة الضعيفة في المجتمع.
وغير بعيد عن ذلك، فقد قيدت الوزارة، حسب المحامي ذاته، كذلك الطعن بالنقض، في القضايا التي لا تتجاوز قيمتها 80.000 درهم، الأمر الذي يعتبره الصادقي، نهجا إقصائيا من وزارة العدل والحكومة بصفة عامة، التي يفترض فيها أن تكون حكومة مواطنة تقوم بتعديلات قانونية، بناء على دراسات وإحصائيات، وتشخيص حقيقي للوضعية التي يعيش فيها المخاطب بالقاعدة القانونية.
وفي جانب أخر، قال الصادقي، إن المشروع يغرم المواطنين على دفوعاتهم، حيت إن الأصل في ممارسة الدفوع، أن يتم تسبيق الدفوع الشكلية على الموضوعية، إلا أن المشروع الجديد حدد غرامة قدرها 10.000 درهم في حالة إثارة الدفع بعدم قبول الطلب، مضيفا أن "الخطير في الأمر هو إذا كان هذا الحكم غير قابل للإستئناف، لكون قيمته لا تتجاوز 30.000 درهم".
واعتبر المتحدث نفسه، ضمن تصريحه، أن هذا الأمر يشكل خرقا لمبدإ مجانية التقاضي، و"كأن الحكومة لا يظهر لها من المواطنين إلا جيوبهم"، ملفتا إلى أنه "إذ تقدم المواطن بتجريح في القاضي أو الخبير وتم رفضه، يتم الحكم عليه بغرامة أيضا، أما إذا قدم المتقاضي دعوى المخاصمة ضد أي قاض وتم رفضه، يتم الحكم عليه بغرامة تصل إلى 50.000 درهم".
وخلص المحامي بهيئة مراكش، إلى أن النقاط المشار إليها أعلاه، تظل جزءا قليلا من الانتكاسة الحقوقية التي ترغب وزارة العدل والحكومة، بصفة عامة، في زرعها في مجتمعنا، آملا أن تلتزم الوزارة الوصية على القطاع بالمبادئ الدستورية، وتفتح باب حوار جاد ومسؤول مع جمعية هيئات المحامين بالمغرب، من أجل إنتاج ترسانة قانونية تخدم المصلحة العليا للدولة.