1. الرئيسية 2. تقارير سابقة في المغرب.. رئيس مجلس النواب يُفعل صلاحياته الدستورية ويُحيل قانون المسطرة المدنية إلى المحكمة الدستورية الصحيفة – خولة اجعيفري الخميس 8 غشت 2024 - 15:00 قرّر رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، إحالة مشروع قانون المسطرة المدنية إلى المحكمة الدستورية لإبداء رأيها فيه، وذلك بعد استيفاء مسطرة التشريع في مجلس المستشارين، وما أعقبها من جدل أخرجَ محاميي المملكة إلى شارع الاحتجاج ردا على ما وصفوه "المقتضيات الانتكاسية والرجعية"، متوعّدين الحكومة ببرنامج احتجاجي "غير مسبوق" إلى حين إسقاط مشروع القانون والعدول عن أي قرارات "تجر المحامين إلى صراع سياسي مع الدولة" وفق تعبيرهم. وأمام الجدل الذي أثاره تمرير مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية في الغرفة الأولى للبرلمان، بسبب تضمّنه "تراجعات ومساسا خطيرتا وغير مسبوق بعدد من المقتضيات الدستورية، وضربه بعمق في حق المواطن باللجوء إلى القضاء ودرجاته"، وهي الاتهامات المعبر عنها من لدن المعارضة والمحامين والمفوضين القضائيين، قررَّ الطالبي العلمي تفعيل الرقابة الاختيارية على دستورية القوانين انسجاما مع صلاحيات المؤسسة التشريعية التي يكفلها دستور 2011، من خلال إحالة مسودة مشروع القانون إلى المحكمة الدستورية لتنظر في مدى دستوريتها، وهو الإجراء الذي يُعد سابقة من نوعها في تاريخ البلاد. وعاتب العلمي، في حديثه خلال برنامج إذاعي، المحامين والمفوضين القضائيين للجوئهم إلى الاحتجاج والإضرابات دون اللجوء إلى المؤسسة التشريعية، موردا "أنا رئيس المؤسسة التشريعية ولم أتوصل بأي مراسلة مكتوبة من أي هيئة تقول إن هناك إشكالا في مادة من مواد مشروع القانون، لسنا أناسا لا يسمعون ولكننا نحتاج لمراسلات مكتوبة، والاحتجاج لا يعطي أكله نحتاج المسطرة الخاصة بتقديم التعديلات والملاحظات". وفي هذا الإطار، أكد العلمي أن مشروع قانون المسطرة المدنية، ستتم إحالته إلى المحكمة الدستورية من أجل التصويت النهائي، وذلك بناء على أحكام الفصل 132 من الدستور، التي تقول إنه "يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خُمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور". وبناء عليه، فإن المحكمة الدستورية "تبتُ في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 132، داخل أجل شهر من تاريخ الإحالة، غير أن هذا الأجل يُخفض في حالة الاستعجال إلى ثمانية أيام، بطلب من الحكومة". وهذا الإجراء، هو سابقة دستورية وبرلمانية في تاريخ المملكة، ذلك أنه وطيلة العقود الماضية لم يبادر رئيس مجلس النواب في أي حالة إلى طلب تصريح بمطابقة قانون ما لدستور البلاد، فيما يتم التصويت بشكل عام على مشاريع القوانين من قبل الأغلبية البرلمانية، ويتم تمرير المشروع من عدمه. وفي هذا الإطار، يرى عمر الشرقاوي، أستاذ القانون الدستوري أن النقاشات التي تُصاحب عملية المصادقة البرلمانية على مشروع قانون المسطرة المدنية، عملية صِحية من شأنها تجويد مشروع القانون الذي له مكانة خاصة في ضمان الحقوق وتجويد منظومة العدالة. وأورد الشرقاوي "أن قوانين مثل المسطرة المدنية أو الجنائية أو مدونة الأسرة أو القانون الجنائي من القوانين التي تعمر طويلا، ولربما يفوق سنها سن الدساتير التي تعتبر أسمى وثيقة قانونية في الدولة، لذلك فما يثور من نقاش بين الحكومة من جهة والمعارضة من جهة ثانية وهيئات المحامين من جهة ثالثة، حول دستورية أو عدم دستورية المشروع الذي لا زال يخضع للمسطرة التشريعية بالغرفة الثانية لا يمكن إلا أن يصب في اتجاه اعتماد مسطرة مدنية تتميز بحماية حقوق المتقاضين". واعتبر الشرقاوي، أن لجوء رئيس مجلس النواب إلى الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور واتخاذ قرار مسبق بإحالة المشروع على المحكمة الدستورية بعد المصادقة النهائية، "يعد مبادرة ذكية سياسيا ودستوريا لأربع اعتبارات عدّدها ضمن تدوينة نشرها عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك تتمثل في أنه، أولا، "سينقذ سمعة البرلمان من مزاعم التواطؤ مع الحكومة لتمرير نص قد يحمل شكوكا بعدم الدستورية" وثانيا "سينقد الحكومة من الاتهامات التي طال مشروعها بكونه غير دستوري، وهذا الأمر يبقى من اختصاص القاضي الدستوري الذي سيحدد توجهه من المشروع بناء على ما توفرت له من قناعة دستورية". والاعتبار الثالث، بحسب الشرقاوي، هو "التفاعل الإيجابي والمؤسساتي مع موقف هيئات المحامين، التي أطلقت منذ إحالة المشروع على البرلمان وابلا من التشكيك في دستورية بعض مقتضيات مشروع المسطرة المدنية، ومادام أن قرارات المحكمة الدستورية نهائية وغير قابلة للطعن فسيكون لقراراتها بالمطابقة أو عدم المطابقة للدستور مفعول الاطمئنان تجاه باقي المؤسسات الدستورية" أما الاعتبار الرابع، فيتمثل في طمأنة المواطن (المتقاضي) حول مصداقية القانون الذي ينظم كل صغيرة وكبيرة في عملية تقاضيه داخل المحاكم، فما ستعلن عنه المحكمة الدستورية من قرار بالدستورية أو عدم الدستورية، سيكون له أثر إيجابي على الأمن القانوني الذي يجعل من مقاصده الأولى حماية المراكز القانونية للمتقاضين، لذلك لا أحد ينبغي أن يخاف أو يتوجس من إحالة المشروع على المحكمة الدستورية، فهي وحدها دون غيرها لها حصرية إضفاء ستار الدستورية على القوانين التي تحال عليها اختياريا أو إجباريا". وتأتي هذه الخطوة التي بادر إليها رئيس مجلس النواب، تزامنا أيضا مع استقبال آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمس الثلاثاء للنقيب الحسين الزياني، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، لمناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية المعروضة على أنظار البرلمان، والذي سبق أن قدّم المجلس بخصوصه، في فبراير 2022 رأيا بِناء على طلب إبداء الرأي الذي وجهه وزير العدل بتاريخ 26 يناير من السنة ذاتها. وفي تصريح ل "الصحيفة"، قال النقيب الزياني، إن مجريات اللقاء كانت في مجملها "جد إيجابية" حول المجالات ذات الاهتمام المشترك، حيث تم عرض إشكالات المحامين بخصوص بعض المواد التي تضمّنها مشروع قانون المسطرة المدنية والتي تركزت على الإشكاليات المتعلقة بالحق في الدفاع، والمساواة أمام القانون، وما يرتبط بسؤال النجاعة القضائية والولوج المستنير الى العدالة. وكان مجلس النواب، قد صادق بالإجماع، في يوليوز الماضي، على مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية، الذي ظفر بموافقة 104 نواب، ومعارضة 35 نائبا، دون تسجيل أي امتناع، بعدما قبلت الحكومة حوالي 321 تعديلا على مشروع القانون بنسبة تُمثل 27 في المائة من مجموع التعديلات التي تقدمت بها فرق الأغلبية والمعارضة بالغرفة الأولى، وفق ما أكده وزير العدل، عبد اللطيف وهبي في معرض تقديمه لمشروع القانون. وشدد وهبي على أن هذا القانون هدف إلى "إرساء قواعد الاختصاص النوعي على مبدأي وحدة القضاء والتخصص، من خلال ملاءمة قواعد الاختصاص النوعي مع القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي، ودمج جميع الأحكام والنصوص القانونية الخاصة بكل من القضاء الإداري والقضاء التجاري وقضاء القرب، فضلا عن نسخ المقتضيات المتعلقة بالغرف الاستئنافية بالمحاكم الابتدائية، تبعا لكونها حذفت بمقتضى قانون التنظيم القضائي، وتعزيز دور القضاء في ضمان حسن سير العدالة، والارتقاء بمستوى أدائها، من خلال تبسيط المساطر والإجراءات القضائية". أهداف الحكومةمن هذا النص القانوني، عبّر عنها وزير العدل تحت قبة المؤسسة التشريعية، وهو يَعِدُ بأن يُمَكِّنَ مشروع القانون من ضمان الحماية القانونية الكاملة لحقوق المتقاضين وتحقيق النجاعة، والارتقاء بمستوى الخدمات القضائية من خلال إعطاء القاضي دورا إيجابيا في تدبير سير الدعوى وتعزيز صلاحياته تسهيلا لمهمة الفصل، فضلا عن تقوية حق الدفاع من خلال التأكيد على دور المحامي على مستوى تمثيل الأطراف أمام القضاء حتى في حالة الدعاوى التي تطبق فيها المسطرة الشفوية، وفي المقابل خرج المحامون إلى شارع الاحتجاج، للتعبير عن غضبهم من تمرير هذا القانون "النشاز والرجعي" وفق تقديرهم، متوعدين الحكومة بمزيد من التصعيد. وندد نادي المحامين بالمغرب بما وصفوه "المقاربة الأحادية الجانب" لوزارة العدل في التعامل مع مشروع القانون، متهمين وزير العدل "بتعمد افتعال صدام مجاني وغير مبرر بين الدولة والمحامين ومحاولة جرهم إلى صراع سياسي مع الدولة، والحال أن الأمر لا يتجاوز مطالب بتعديلات تشريعية"، مشدّدا على أن هدف أصحاب البدلة السوداء "لم يكن يوما إخضاع الدولة أو الصراع معها كما يتم الترويج له، بل إنهم أول من يتشبث بثوابت الدولة المغربية ويساهم في كل الأوراش الكبرى التي أرسى دعائمها الملك محمد السادس منذ ما يربو عن ربع قرن". نادي المحامين، اعتبر أيضا أن مشروع قانون المسطرة المدنية "يؤشر على ولوج السماسرة للمحاكم"، الأمر الذي عدّه "تهديدًا حقيقيًا للأمن القضائي" لاسيما وأن "هذا المشروع يفتح الباب أمام أشخاص ليست لهم أي علاقة بالمجال القانوني للحضور في الجلسات بالمحاكم مما يمثل تهديدا لمجهودات الدولة في محاربة الفساد". ومشروع قانون المسطرة المدنية، وفق محامي المغرب، خلق غطاء قانونيا لممارسة السمسرة بالمحاكم عبر ما يسمى بالوكالة، ما يتناقض وورش تخليق القضاء والمحاماة ومنظومة العدالة، ذلك أنه سيتم فتح الباب أمام السماسرة والمتطفلين من أجل ولوج ردهات المحاكم، إذ أن المادة 76 من مشروع القانون نصت على أن تقديم الدعوى أمام محاكم الدرجة الأولى يتم بمقال مكتوب يودع بكتابة ضبط المحكمة، ويكون مؤرخا وموقعا من قِبل المدعي أو وكيله أو محاميه، حيث جاء مفهوم الوكيل مُبهما مما يفتح الباب على مصراعيه لتدخل الأغيار في المساطر القضائية وتسهيل ممارسات الابتزاز التي يجب محاربتها، يقول المُحامون. ويتضمن مشروع قانون المسطرة المدنية بنودًا "تمنع المواطنين من حقهم الأساسي في التقاضي، من خلال فرض غرامات على من يتقدم بدعاوى يعتبرها القانون مبنية على سوء النية"، وهي الإجراءات التي يعتبر محامو المغرب أنها "تكرس الفوارق الاجتماعية، حيث إنها تخدم مصالح فئة معينة على حساب محدودي الدخل الذين سيجدون أنفسهم ممنوعين من التقاضي". ويعاقب مشروع المسطرة المدنية المتقاضي بغرامة لا تقل عن 10.000 درهم إذا ما اعتبر القاضي أن ذلك المواطن يتقاضى بسوء نية، وإذا تم رفض التعرُّض أو التجريح الذي تقدم به فالمواطن الذي يلجأ إلى المحكمة للحصول على حقوقه سيجد نفسه محكوما عليه بالغرامة مع أن الدستور يضمن له حق الدفاع عن نفسه والولوج للعدالة والمحاكمة العادلة. ومن المقتضيات التي جاء بها مشروع قانون المسطرة المدنية، وأثارت غضب المحامين هي "ضرب الحق في الاستئناف والطعن بالنقض، حيث لا يحق للمواطن استئناف حكم في قضية ما إلا إذا تجاوزت قيمتها 30 ألف درهم، ولا يحق له الطعن بالنقض إلا إذا تجاوزت القيمة 80 ألف درهم"، معتبرا أن في ذلك "استهانة بالمواطن الضعيف الذي قد تحدد هذه المبالغ مصير حياته بأكملها". وفي هذا الإطار، حذّر نادي المحامين بالمغرب من "المساس بالحق في المحاكمة العادلة وفي حُكمٍ يصدر في أجل معقول يستدعي إجراءات مواكبة من أجل توفير الخدمات القضائية وتجهيز البنية التحتية والموارد البشرية، وليس معالجة هاته المشاكل عن طريق تقويض حق التقاضي وتغريم المتقاضين".