في ذروة العطلة الصيفية، وبالضبط في 24 /08/2023، وهو الوقت الذي يكون فيه كل الناس يستريحون من تعب سنة من العمل، ونسبة كبيرة منهم ينسون متابعة كل الأخبار والجرائد الورقية والإلكترونية، صدر بيان عن اجتماع مجلس الحكومة، تم الإعلان فيه عن مصادقة الحكومة على مشروع قانون المسطرة المدنية الذي تقدمت به وزارة العدل، وهو مشروع قانون مهم وخطير ومفصلي، مهتم بتنظيم المساطر المتبعة في أغلب القضايا المدنية التي تنظر فيها المحاكم المغربية. وفي وقت مازلت أبحث عن النسخة التي صادقت عليها الحكومة المغربية من هذا المشروع، بهدف الكتابة في بعض المقتضيات التي قد يظهر لنا أنها تحتاج وقفة تأمل متأنية من قبل المشرعين من أجل تعديل النسخة المصادق عليها، قبل أن يصوت عليها المجلسان التشريعيان، وتصبح قانونا معتمدا بعد مروره بالمراحل اللاحقة، وبما أنني لا أتوفر سوى على صيغة 16/01/2022 من قانون المسطرة المدنية، سأحاول الرجوع إليها، لمحاولة مناقشة بعض المقتضيات الجديدة التي ذكرتها بعض المواقع الإلكترونية، موردة في متابعتها لهذا المستجد أنها تتعلق بأهم التغييرات التي جاء بها القانون الذي صادقت عليه الحكومة المغربية. ومن هذه المقتضيات الجديدة نجد ما ذكرته جريدة هسبريس في الخبر الذي نشرته يوم 27/08/2023، تحت عنوان "مشروع القانون المتعلق بالمسطرة المدنية يغفل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية"، جاء فيه أن النسخة التي صادقت عليها الحكومة فرضت غرامة على من يثبت تقاضيه بسوء نية. وإن كان مبدأ فرض الغرامة على المتقاضي بسوء نية من المبادئ التي لا يمكن إلا الدفاع عنها، لكن في حدود مبالغ منطقية ومعقولة، لأن الذي يجب أن يعوض أكثر في مساطر التقاضي بسوء نية هو المتقاضي الذي تم جره الى المحكمة، واضطر إلى تنصيب محام أو الدفاع عن نفسه أمام المحاكم لعدة جلسات. وقد كان توجهنا أوضح وأعمق في طرح محاربة التقاضي بسوء نية في مقال سابق نشرناه، دعونا فيه المشرع المغربي إلى خلق الحق في طلب الحكم على خاسر الدعوى بأداء جزء من أتعاب محامي خصمه حسن النية الذي تمت "جرجرته" أمام المحاكم بسوء نية، واضطر إلى تنصيب محام للدفاع عن نفسه في دعوى كيدية وتعسفية وربح الدعوى المقدمة ضده بعد عناء وحرب قانونية تسببت له في خسارة مادية وتعب معنوي. وهذا المقتضى تعمل به أغلب الدول العربية والغربية، فحتى دولة فلسطين العزيزة تعمل به، ولكن مع الأسف مازال لم يتم إنصاف المتقاضي الذي قدمت ضده دعوى بسوء نية في تشريعاتنا. وقد يرى البعض أن هذا التعديل فيه إنصاف للمتقاضي الذي وُجهت ضده دعوى بسوء نية، ولكن في نظري وبدون لغة خشب هو مقتضى ليس الهدف منه إنصاف هذا المتقاضي الذي قدمت ضده دعوى بسوء نية، لأن الأمر لو كان كذلك لكان المشرع حدد في النص نفسه على الأقل أقل تعويض يمكن أن تحكم به المحكمة على من قدمت ضده دعوى بسوء نية، ويكون مثلا: (يحكم القاضي على من قدمت دعوى ضده بسوء نية بتعويض لا يقل عن خمسة آلاف درهم، بطلب منه .... )، ويترك تحديد التعويض الأعلى للمحكمة بناء على قيمة الدعوى، أما أن يتم تحديد الغرامة وجعل مبلغها الأقل محددا في عشرة آلاف درهم، وأعلاه في عشرين ألف درهم، لعمري هو مقتضى ستكون له سلبيات خطيرة على مستقبل التقاضي المغربي، وخصوصا القضايا التي تهم الطبقة الفقيرة والهشة والمتوسطة. ورغم أننا مازلنا في عطلة، لكن هول الأمر وخطورة ما تمت المصادقة عليه وتبنيه من طرف حكومة بلدنا جعلنا نفتح جهاز الكمبيوتر لنقدم ونسلط الضوء على خطورة ما يجري في القوانين المتعلقة بالتقاضي في المملكة المغربية ونجمل هذه الأخطار في ما يلي: في اعتقادي وبحسب ما أرى أن أكثر من تسعين في المائة من القضايا التي تعرض على المحاكم المغربية تقل قيمتها عن عشرة آلاف درهم، وبهذا المستجد ستجعل الحكومة المغربية غرامة التقاضي بسوء نية أكبر من قيمة الدعوى كلها أو أقل منها. أغلب المترددين على المحاكم المغربية هم من الطبقة الفقيرة، وتتبعهم الطبقة المتوسطة. أما قضايا الطبقة الغنية والثرية فغالبا تنظر فيها المحاكم التجارية، وتقل بشكل كبير أمام المحكم العادية. والمتقاضون البسطاء يجدون متنفسا في ما يعتقدون أنه ظلم وقع عليهم برفع مظلمتهم إلى المحكمة، لكن بعدما سيسمعون بأمر هذه الغرامة سيستنكفون عن التوجه للمحكمة مخافة الحكم عليهم بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف درهم، وقد تجرهم لأداء مبلغ عشرين ألف درهم، في حالة اعتبار المحكمة أنهم يتقاضون بسوء نية. استنكاف المتقاضين الفقراء عن التوجه إلى المحكمة لعرض مظلمتهم بسبب الخوف من الحكم عليهم بالغرامة غير المنطقية سيجعل غريزة الانتقام تكبر في دواخلهم، وقد تؤدي بهم إلى ارتكاب جرائم اعتداء بدنية أو قتل، بعد أن وجدوا أن باب التقاضي تم صده في وجوههم، بسبب هذه الغرامة الكبيرة التي يمكن أن يحكم بها عليهم. تعارض هذه الغرامة الكبيرة الجديدة مع نصوص دستورية مبدئية، تضمن حق التقاضي، ولا تجعل له قيودا يمكن أن تحد منه، ومنها الفصل 118 من دستور 2011. كذلك لا يجب أن ننسى أنه بعد أن كان حق التقاضي مجانيا في بعض القضايا المنصوص عليها قانونا، كما أشار إلى ذلك الفصل 121 من دستور 2011، ستصبح القضايا التي تهم بعض الطبقات الهشة في المجتمع، من نساء وأمهات وعمال ومتقاضين في قضايا بسيطة تنظر أمام المحاكم العادية أو أمام قضاء القرب، التي كانت مشمول بالمجانية، عرضة لعدم التفعيل، والتهرب من تقديمها للمحاكم، خوفا من أن تصبح القضية التي تقدموا بها مجانا بدعم وسند من القانون، جريرة تجر عليهم غرامة مالية لا تقل عن عشرة آلاف درهم، إذا اعتبرت المحكمة أن هؤلاء المتقاضين البؤساء تقاضوا بسوء نية. قانون المسطرة المدنية في الفصل 5 يتكلم عن ضرورة التقاضي بحسن النية، دون أن يقرن ثبوت التقاضي بسوء نية في حق أي طرف بأي غرامة يمكن أن يحكم بها عليه. وجاءت مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية بتاريخ 16/01/2022، المقدمة من وزارة العدل، ونصت في مادتها العاشرة على الحكم على من يثبت عليه التقاضي بسوء نية بغرامة من خمسة آلاف درهم إلى عشرة آلاف درهم، وهي كذلك غرامة كبيرة، ستخوف المتقاضين البسطاء من التوجه للمحاكم لعرض قضاياهم أو رفع مظلمتهم، حين نص فيها على ما سميت الغرامة عن التقاضي بسوء النية، التي يمكن أن يحكم بها على من ثبتت ضده سوء النية، لنفاجأ بالمسودة التي صادقت عليها الحكومة في 24/08/2023، ترفع بشكل غريب وغير مبرر هذه الغرامة من عشرة آلاف درهم إلى عشرين ألف درهم؛ فهل يمكن أن نسمي هذا تدرجا محمودا في فرض الغرامة التي يُستحب أن يسير على نهجها كل نص جديد، أم قفزة كبيرة تجاوزت كل السلالم المحددة للغرامة في قانون المسطرة المدنية، لتجعلها في أعلى سلمها بين عشية وضحاها، وفي غفلة من الجميع. غرامة التقاضي، الذي يمكن أن يعتبره القاضي تقاضيا بسوء نية، لم يحدد لها المشرع المقومات أو الحدود التي يمكن التفريق فيها بين سوء النية وحسنها، فقاض يمكن أن يعتبر دعوى معينة قدمت بحسن نية، ويعفي مقدمها من الغرامة، في حين أن الدعوى نفسها قد يعتبرها آخر قدمت بسوء نية، ويحكم على مقدمها بغرامة عشرة آلاف درهم، هذا إذا ما متعه هذا القاضي بظروف التخفيف، والتوصيف هو فقط مجازي في فرض هذه الغرامة، لأن المحكمة مقيدة بأقل مبلغ يمكن أن تحكم به، وهو عشرة آلاف درهم، ولكن إذا لم يمتعه بها فيمكن أن يحكم عليه بغرامة تصل إلى عشرين ألف درهم. من المضحكات المبكيات أن غرامة التقاضي بسوء نية في مشروع قانون المسطرة المدنية، التي صادقت الحكومة على مسودته، والمتراوحة بين عشرة آلاف درهم وعشرين ألف درهم، لم تصدر فقط بين عشية وضحاها وتقفز من عدم التحديد إلى أعلى سلم الغرامات المحددة في قانون المسطرة المدنية، بل تفوقت بشكل كبير وواضح حتى على أغلب الغرامات المحددة في المخالفات والجنح والجنايات المعاقب عليها في القانون الجنائي، وهي غرامات يحكم فيها في دعاوى الحق العام التي تكون فيها النيابة العامة ممثلة للحق العام، ويحكم فيها على المتهمين أو أفعال مجرمة ومنهي عن إتيانها، ممن عبثوا بأمن الدولة وسلامة مواطنيها. وقد يحكم في القانون الجنائي الذي يسمى قانون الأشرار بغرامات في جنايات (وهي جرائم خطيرة) بغرامة لا تتجاوز مائتي درهم، في وقت نجد أن المادة 10 من مشروع قانون المسطرة المدنية يمكن أن تحكم على من قدم دعوى للمحكمة وقصد بابها ورفع ما اعتبرها مظلمة حين تعتبره تقاضى بسوء نية بغرامة تتراوح بين عشرة آلاف درهم وعشرين ألف درهم. يمكن للقاضي الجنائي الذي قد يعتبر أن شكاية قدمت بسوء نية، وبناء على طلب ضحية سوء النية، أن يحكم على المتقاضي سيئ النية بغرامة المادة 10 من قانون المسطرة المدنية، ويطلب له الحكم بتعويض عن التقاضي بسوء نية، وإن كان مقتضى طلب التعويض بشكل مقارب موجود في قانون المسطرة الجنائية بعد الحكم ببراءة المتهم، لأن قانون المسطرة المدنية حسب ما تعلمنا هو القانون الأم لقانون المسطرة الجنائية الذي يمكن أن يرجع له القاضي إذا غاب التنصيص على حالة معينة تنظرها المحكمة الزجرية غير منظمة في قانون المسطرة الجنائية، وتم النص عليها في قانون المسطرة المدنية؛ فالأصل أن القاضي الجنائي لا يحكم بالغرامة التي يمكن أن تكون عقوبة أصلية إلا على المتهم المتابع، فكيف سنسمح بهذا النص بالحكم بغرامة على شخص لم يكن متهما وكان مشتكيا؟ ألا يمكن بهذا النص أن نمس بأسس المحاكمة الجنائية؟ وكيف ستحكم المحكمة بعقوبة أصلية على شخص لم يوجه إليه أي اتهام، ولم يدافع عن نفسه أمام المحكمة التي ستحكم عليه بغرامة ثقيلة؟ ألا يمكن أن نعترف ونقول إن نص المادة 10 من مسودة قانون المسطرة المدنية الذي صادقت عليه الحكومة يمكن أن يخلق لنا وضعا شاذا سيمس بأسس المحاكمات الجنائية؟. حتى في فرنسا، الدولة الرائدة في صناعة القوانين، التي نأخذ منها ما نأخذ من قوانين ومبادئ، لم تسقط السقطة التي سقط فيها مشروع قانون المسطرة المدنية المصادق عليه، فهي لم تحدد الحد الأدنى للغرامة، بل حددت فقط أقصى الغرامة التي يمكن أن يؤديها من ثبت في حقه التقاضي بسوء نية، حين نصت في المادة 628 من قانون المسطرة المدنية الفرنسية على أن أقصى غرامة يمكن أن يحكم بها في حالة ثبوت تقاضي المدعي بسوء نية هي 10000 يورو، أي أكثر من عشرة ملايين مغربية بقليل، وهو ما يعني أن قضية تنظر أمام المحكمة بملايير الدراهم، حتى ولو ثبت سوء نية المدعي في سلوكها، أقصى ما يمكن أن يحكم به كغرامة على مقدمها هو 10000 يورو. وهذا النص لم يحدد الحد الأقل للغرامة كما فعل النص المغربي في مشروع قانون المسطرة المدنية، وهذا يعني أن القاضي إذا كان ينظر في دعوى قيمتها المالية مثلا ألف يورو يمكن أن يحكم بغرامة في حالة ثبوت سوء نية المدعي تبلغ 50 يورو أو 100 يورو، عكس القاضي أو المحكمة المغربية التي حتى ولو كانت تنظر في قضية قيمتها المالية 5000 درهم، وثبت لها أن المدعي يتقاضى بسوء نية فيجب أن لا تقل الغرامة التي ستحكم بها عليه عن عشرة آلاف درهم، وهي ضعف القيمة المالية للدعوى كلها. ومن غرائب المقارنات أن ثبوت التقاضي بسوء نية دائما حسب النص المقترح في مشروع قانون المسطرة المدنية في حق المدعي في نزاع تجاري مثلا قيمته المالية عشرة مليارات سنتيم أو حتى درهم، لن يقدر القاضي أن يحكم على من ثبتت في حقه سوء النية سوى بعشرين ألف درهم. ألا تشعرون معي أن هناك لا عدالة وظلما قانونيا كبيرا حتى في توزيع الغرامات الجديدة الناتجة عن التقاضي بسوء نية، حتى بين الأغنياء والفقراء من المتقاضين المغاربة. ما يجري حسب ما وقفنا عليه فقط بخصوص غرامة التقاضي بسوء نية مؤشر خطير ولا يبشر بالخير على غياب رؤيا استشرافية مستقبلية لما يتم اقتراحه، ولما يمكن أن يتسبب فيه أي مقتضى قانوني جديد يتم تعديله من تأثير كبير غير محمود العواقب على الساحة القضائية والمسطرية مستقبلا، مع اعتماده بدون دراسة شاملة من جميع الجوانب وفي غياب طرح كل الاحتمالات والتصورات المستقبلية لإيجابيات وسلبيات النص الذين يسعون إلى تعديله. 11 –السؤال الذي يمكن أن نطرحه هو ما الهدف الذي تسعى معه الحكومة إلى النص على تغريم التقاضي بسوء نية، والحكم بهذه الغرامة الكبيرة على من ثبت في حقه التقاضي بسوء نية؟ هل هو فعلا محاربة من يتقاضون بسوء نية أم هو سد الباب على المتقاضين المغاربة البؤساء، والطبقة المتوسطة، وتخويفهم من فتح ملفاتهم أمام القضاء بعد أن يسمعوا بأمر الغرامة التي يمكن أن يحكم بها عليهم، إذا ما توجهوا للمحكمة؟ مع الإشارة إلى أن مثل هذه الغرامات لن تخيف المتقاضين الأغنياء من التوجه للمحاكم لأن لديهم الأموال لتأديتها حتى ولو تقاضوا بسوء نية. 12 – التعديلات التي جاءت في مشروع قانون المسطرة المدنية، التي صادقت عليها الحكومة، يغلب عليها احتمال أن الأمر يتعلق بنية مبيتة لسد الباب أمام الملفات البسيطة والعادية والمتوسطة التي يرفعها المغاربة من الطبقة الفقيرة والمتوسطة، ومحاولة الحد منها عبر هذا التدخل والتعديل التشريعي، الذي يحد من طرق الطعن بشأن بعض الملفات ذات القيمة المالية المنخفضة، وفتح كل أبواب الطعن في الملفات التي تكون قيمتها المالية سمينة، وفرض غرامات مالية للتقاضي بسوء نية. 13 – معالجة ظاهرة كثرة الملفات التي تُعرض في كل جلسة، التي أصبحت تؤرق بال السادة القضاة والمسؤولين القضائيين، وبسببها أصبح السادة القضاة في كل أسبوع مطلوبا منهم أن يحكموا في عشرات الملفات ويحرروا أحكامها، عوض أن يحكموا في ثلاثة ملفات أو أربعة، لا يجب أن تكون على حساب حق الولج للعدالة من طرف الجميع، فقراء وأغنياء. 14- لا توصدوا أبواب التقاضي في حق المتقاضين البسطاء والمتوسطين، عبر فرض غرامات عن التقاضي بهذا الشكل الذي لا يصدقه حكيم، لكي تخففوا عبء تحرير الملفات والنظر فيها على السادة القضاة، وسد أبواب الطعن في ملفاتهم ذات القيمة المالية التي تعتبرونها بسيطة، في نظركم، ولا تحتاج الى أن ينظر فيها قضاة محكمة أعلى، بل افتحوا أبواب تشغيل العاطلين المتفوقين من خرجي كليات القانون الخاص لكي يلتحقوا بالقضاء، وينظروا في ملفات المغاربة البسطاء والمتوسطين؛ أما الملفات ذات القيمة المالية السمينة فأصحابها لا خوف عليهم ولن يحزنوا، فطرق الطعن مازال مشروع قانون المسطرة المدنية المصادق عليه يسمح لهم بسلكها، والطعن بالاستئناف أو النقض، ولن يخيفهم أمر الغرامة ويمنعهم من أن يتقاضوا بحسن نية أو سوئها. 15 – افتحوا أبواب التوظيف في القضاء، لكي تسمحوا لخرجي كليات الحقوق النجباء الناجحين بولوج القضاء، ولا تصدوا أبواب التقاضي بخلق سيف الغرامة للتخويف، ومنع أصحاب الملفات ذات القيمة المالية البسيطة عبر حرمانهم من سلوك طرق الطعن. 16 – في وقت فتحت وزارة العدل أبواب المحاماة لمجموعة من المرشحين الناجحين في امتحان الأهلية خلال السنين الأخيرة، وهو أمر سيقوي جسم مهنة المحاماة بشباب جُدد بدماء جديدة ستغني المهنة وتقويها، يجب أن تفتحوا الأبواب لعمل هؤلاء الملتحقين الجُدد بالمهنة، وتزيدوا في احتكار بعض الميادين التي مازال يتنافس فيها الكثيرون مع السادة المحامين، لا أن توصدوا أبواب الطعن بالاستئناف والنقض وفرض غرامات على التقاضي بسوء نية حسب ما وضعتم وتصورتم في المادة 10، تقلل من ولوج بعض المتقاضين للمحاكم، ما سيترتب عنه بشكل طبيعي انحصار في ملفات كان يطعن فيها في الاستئناف أو النقض؛ وتُقدم هذا الطعون من طرف محامين شباب.. فمع تعديلاتهم بشأن حصر طرق الطعن في ملفات ذات قيمة مالية كبيرة سيقل عمل المحامين الشباب، ويحرمون من سلوك طرق الطعن في ملفات بعينها كان يسمح فيها الطعن من قبل. وبخلق بُعبُع الغرامة الكبيرة عن التقاضي بسوء نية سيستنكف الكثير من المتقاضين عن رفع قضاياهم أمام المحاكم مخافة الحكم عليهم، وهذا بطبيعة الحال سيؤثر على عمل الكثير من المحامين الشباب الجدد الملتحقين بمهنة المحاماة؛ فعوض أن تواكب الحكومة فتح الباب أمام الكثير من الملتحقين بمهنة المحاماة بفتح أبواب جديدة لهم للعمل، بدل سدها بتقييد حق التقاضي الذي سيتضرر معه المحامي والمتقاضي، ولن يعني سوى شيء واحد وهو سد أبواب العمل في حق هؤلاء الشباب عوض فتحه وخلق نصوص جديدة تمكنهم من العمل واحتكار قطاعات أخرى من طرف المحامين الجدد الملتحقين، الذين سيفتحون مكاتب ويكون لهم مساعدون من كتاب وكاتبات، سيتكفلون بأداء أجورهم، ويعفون الدولة من تشغليهم، ويساهمون في ماليتها بالضرائب التي يؤدونها عن نشاطهم المهني؛ فدور المحامين في المجتمع محوري يجب تعزيزه وفتح كل الأبواب أمامه، لأنهم يساهمون بنيابتهم أو مؤازرتهم للمغاربة أمام المحاكم في حفظ حقوقهم وحسن تطبيق القانون عليهم، وتبعد هاجس الشطط والتسلط الذي يمكن أن تصيبهم سهامه إذا ما كانوا عُزلا بدون محام. 17 – كتبنا هذا المقال قبل أن تقع الفأس في رأس المتقاضي المغربي البسيط والمتوسط، بعد أن رفعت الحكومة الفأس لتنزل عليه، عسى أن يتدخل نبهاء مجلس النواب والمستشارين، ويُخففوا على الأقل من تطرف المادة العاشرة وجبروتها في الغرامة التي ستفرض على من ستعتبره المحكمة سيئ النية، وذلك بجعلها كمثيلاتها من الغرامات المحددة في قانون المسطرة المدنية، وأن تكون غرامة التقاضي بسوء نية تتراوح بين خمس مائة درهم وألف درهم. 18 – إن المادة 10 من المشروع الذي صادقت عليه الحكومة يجب أن يتم تعزيزها كذلك إن كنا فعلا نسعى إلى محاربة التقاضي الكيدي وبسوء نية بتحديد التعويض الذي سيطلب، ويمكن أن تحكم به المحكمة، ممن اعتبر نفسه ضحية تقاض بسوء نية، بتحديد سقفه الأدنى الذي يجب ألا يقل عن ثلاثة آلاف درهم، دون تحديد الحد الأقصى الذي يمكن أن تحكم به المحكمة حسب قيمة الملف المالية وزمن الملف القضائي والمجهودات التي بذلت فيه. كما أدعو من خلال مقالي هذا كما دعوت في مقال مفصل سابق لي إلى التنصيص على حق خاسر الدعوى في أن يطلب من المحكمة الحكم على خصمه الذي خسر الدعوى بجزء من الأتعاب التي تكبدها بسبب جره للمحكمة وتنصيبه محاميا للدفاع عنه في القضية التي ربحها، كما هو معمول به في أغلب الدول العربية والغربية. (*) محام بهيئة الجديدة