سفير مصر بالمغرب يلتقي ممثلي الجالية لبحث قضاياهم وتعزيز التواصل    "جبهة" تسجل "النجاح الكبير" للإضراب العام وتدعو إلى توحيد الصف النقابي لمواجهة التراجعات    رئيس رواندا يستقبل بوريطة والمنصوري وحديث عن وساطة مغربية لتلطيف الأجواء بين كيغالي وكينشاسا    مجلس النواب يختتم الدورة الأولى من السنة التشريعية 2024-2025 الثلاثاء المقبل    قطاع الصناعة التقليدية يساهم ب7 في المائة في الناتج الداخلي الخام    مناخ الأعمال في المغرب: 78% من المقاولات الصناعية تعتبر الوضع "عادياً"    طنجة.. اختتام منتدى "النكسوس" بالدعوة إلى تدبير مستدام للموارد    أنفوغرافيك | حسب الجهات ووسط الإقامة.. معدل البطالة لسنة 2024    الذهب يتجه نحو سادس مكسب أسبوعي على التوالي    شركة بريطانية تطلق خطين جويين نحو المغرب    ترامب يفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية    الصين تدعو إلى استبدال البلاستيك بالخيزران..    مجلس النواب ينهي دورته الخريفية الخميس المقبل بحضور رئيسة مجلس الحسابات    وزارة الصحة: تعليق العمل بإلزامية لقاح الحمى الشوكية بالنسبة للمعتمرين    قرار جديد من السعودية يسهل أداء مناسك العمرة    فيدرالية اليسار بأزيلال ترفع شكاية بشأن خروقات في تدبير الجماعة    طنجة تحتضن ندوة علمية حول مشروع قانون المسطرة المدنية: دعوات لتعزيز فعالية العدالة واستقلالية المهن القضائية    طقس بارد في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    تعليق العمل بإلزامية لقاح الحمى الشوكية بالنسبة للمعتمرين (وزارة)    الشرطة توقف 14 شخصا بعد أحداث عنف بالدار البيضاء    رغم التوتر.. كندا تبدي استعدادها للانضمام إلى مشروع ترامب    "الفيفا" يوقف عضوية الاتحاد الكونغولي لكرة القدم    عمدة ميونخ يرفض استضافة دوري الأمم الأوروبية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    تهجير الفلسطينيين: حملة تضليل مكشوفة.. كيف تُصنع الإشاعات لاستهداف المغرب؟    الولايات المتحدة تأمر بوقف عشرات المنح المقدمة لبرنامج الأغذية العالمي    كأس انجلترا: ليفربول يتأهل للمباراة النهائية بفوز عريض على توتنهام (4-0)    ‪ إلغاء لقاح الحمى الشوكية للمعتمرين    فيدرالية الاحياء السكنية بالجديدة تستعرض قضايا المدينة وحصيلة انشطتها الاخيرة    إنتخاب المستشارة الاستقلالية مينة مشبال نائبة سابعة لرئيس جماعة الجديدة    الزهراوي: خبر إمكانية استقبال المغرب للفلسطينيين المهجرين "شائعات مضللة"    لقجع: افتتاح مركب محمد الخامس بالدار البيضاء نهاية شهر مارس المقبل    مسيرة عظيمة.. رونالدو يودّع مارسيلو برسالة مليئة بالمشاعر    غوغل تطور تقنيات ذكاء اصطناعي مبتكرة لتحدي "DeepSeek"    "جامعيو الأحرار" يناقشون فرص وإكراهات جلب الاستثمارات إلى جهة الشرق    الشاب خالد، نجم الراي العالمي، يختار الاستقرار الدائم مع أسرته في طنجة    "ما نرجع".. أحدث إبداعات حمدي المهيري الموسيقية    لقجع: مركب محمد الخامس جاهز لاستقبال الجماهير في مارس المقبل    توقيف صيدلي وثلاثة أشخاص وحجز 6934 قرصا مخدرا في عملية أمنية محكمة    إسرائيل تدعو لتسهيل مغادرة سكان غزة وحماس تطالب بقمة عربية عاجلة    التهراوي يكشف الخطة المعتمدة للحد من انتشار "بوحمرون"    بايتاس يكشف الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة بشأن لقاح التهاب السحايا    الأرصاد الجوية تكشف استقرار الأجواء وتترقب تساقطات محدودة بالشمال    خبراء إسرائيليون يزورون المغرب للإشراف على وحدة تصنيع طائرات بدون طيار    عرض الفيلم المغربي "طاكسي بيض 2" في لييج    ريال مدريد يحجز بطاقته لنصف نهاية كأس ملك إسبانيا على حساب ليغانيس (ملخص)    نورا فتحي بخطى ثابتة نحو العالمية    أخبار الساحة    إنتاجات جديدة تهتم بالموروث الثقافي المغربي.. القناة الأولى تقدم برمجة استثنائية في رمضان (صور)    6 أفلام مغربية تستفيد من دعم قطري    بعد عام من القضايا المتبادلة.. شيرين عبد الوهاب تنتصر على روتانا    المغرب يعزز قدراته الدفاعية بتسلم طائرات "بيرقدار أكينجي" التركية المتطورة    الرباط.. العرض ما قبل الأول لفيلم "الوصايا" لسناء عكرود    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بُعبُع الغرامة في مشروع المسطرة المدنية
نشر في الجديدة 24 يوم 26 - 09 - 2023

ذروة العطلة الصيفية، وبالضبط في 24 /08/2023، وهو الوقت الذي يكون فيه كل الناس يستريحون من تعب سنة من العمل، ونسبة كبيرة منهم ينسون فيه متابعة كل الأخبار والجرائد الورقية والإلكترونية، صدر بيان عن اجتماع مجلس الحكومة، تم الإعلان فيه عن مصادقة الحكومة على مشروع قانون المسطرة المدنية الذي تقدمت به وزارة العدل، وهو مشروع قانون مهم وخطير ومفصلي، مهتم بتنظيم المساطر المتبعة في أغلب القضايا المدنية التي تنظر فيها المحاكم المغربية، وفي الوقت الذي مازلت أبحث فيه عن النسخة التي صادقت عليها الحكومة المغربية من هذا المشروع ، بهدف الكتابة في بعض المقتضيات التي قد يظهر لنا أنها تحتاج وقفة تأمل متأنية من قبل المشرعين من أجل تعديل النسخة المصادق عليها من طرف الحكومة، قبل أن يصوت عليها المجلسين التشريعيين، ويصبح قانونا معتمدا بعد مروره بالمراحل اللاحقة، وبما أنني لا أتوفر سوى على صيغة 16/01/2022 من قانون المسطرة المدنية، سأحاول الرجوع إليها، لمحاولة مناقشة بعض المقتضيات الجديدة التي ذكرتها بعض المواقع الالكترونية، موردة في متابعتها لهذا المستجد، أنها تتعلق بأهم التغييرات التي جاء بها القانون الذي صادقت عليه الحكومة المغربية، ومن هذه المقتضيات الجديدة، نجد ما ذكرته جريدة هسبرس في الخبر الذي نشرته يوم 27/08/2023، تحت عنوان( مشروع القانون المتعلق بالمسطرة المدنية يغفل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية )، جاء فيه أن النسخة التي صادقت عليها الحكومة، فرضت غرامة على من يثبت تقاضيه بسوء نية، وإن كان مبدأ فرض الغرامة على المتقاضي بسوء نية، من المبادئ التي لا يمكن إلا الدفاع عنها، ولكن في حدود مبالغ منطقية ومعقولة، لأن الذي يجب أن يعوض أكثر في مساطر التقاضي بسوء نية، هو المتقاضي الذي تم جره الى المحكمة، واضطر إلى تنصيب محامي أو الدفاع عن نفسه أمام المحاكم لعدة جلسات، وقد كان توجهنا أوضح وأعمق في طرح محاربة التقاضي بسوء نية، في مقال سابق نشرناه دعونا فيه المشرع المغربي الى خلق الحق في طلب الحكم على خاسر الدعوى بأداء جزء من أتعاب محامي خصمه حسن النية الذي تم جرجرته أمام المحاكم بسوء نية، واضطر الى تنصب محامي للدفاع عن نفسه في دعوى كيدية وتعسفية وربح الدعوى المقدمة ضده بعد عناء وحرب قانونية تسببت له في خسارة مادية و تعب معنوي، وهذا المقتضى تعمل به أغلب الدول العربية والغربية، فحتى دولة فلسطين العزيزة تعمل به، ولكن مع الأسف ما زال لم يتم إنصاف المتقاضي الذي قدمت ضده دعوى بسوء نية في تشريعاتنا، وقد يرى البعض أن هذا التعديل فيه إنصاف للمتقاضي الذي وُجهت ضده دعوى بسوء نية، ولكن في نظري وبدون لغة خشب، هو مقتضى ليس الهدف منه إنصاف هذا المتقاضي الذي قدمت ضده دعوى بسوء نية، لأن الأمر لو كان كذلك، لكان المشرع حدد في نفس النص على الأقل، أقل تعويض يمكن أن تحكم به المحكمة على من قدمت ضده دعوى بسوء نية، ويكون مثلا ( يحكم القاضي على من قدمت دعوى ضده بسوء نية، بتعويض لا يقل عن خمسة آلاف درهم ، بطلب منه .... ) ويترك تحديد التعويض الأعلى للمحكمة بناء على قيمة الدعوى، أما أن يتم تحديد الغرامة وجعل أقل مبلغها محدد في عشرة ألف درهم وأعلاه في عشرين ألف درهم، لعمري هو مقتضى ستكون له سلبيات خطيرة على مستقبل التقاضي المغربي، وخصوصا القضايا التي تهم الطبقة الفقيرة والهشة والمتوسطة، ورغم أننا مازلنا في عطلة، لكن هول الأمر وخطورة ما تمت المصادقة عليه، وتبنيه من طرف حكومة بلدنا، جعلنا نفتح جهاز الكمبيوتر لنقدم ونسلط الضوء على خطورة ما يجري في القوانين المتعلقة بالتقاضي في المملكة المغربية ونجمل هذه الاخطار فيما يلي:
1- في اعتقادي وبحسب ما أرى أن أكثر من تسعين في المائة من القضايا التي تعرض، على المحاكم المغربية، تقل قيمتها عن عشرة آلاف درهم، وبهذا المستجد ستجعل الحكومة المغربية غرامة التقاضي بسوء نية، أكبر من قيمة الدعوى كلها أو أقل منها.
2- أغلب المترددين على المحاكم المغربية هم من الطبقة الفقيرة وتتبعهم الطبقة المتوسطة، أما قضايا الطبقة الغنية والثرية، غالبا تنظر فيها المحاكم التجارية، وتقل قضاياهم بشكل كبير أمام المحكم العادية، والمتقاضون البسطاء يجدون متنفس فيما يعتقدون أنه ظلم وقع عليهم، برفع مظلمتهم الى المحكمة، لكن بعدما سيسمعون بأمر هذه الغرامة، سيستنكفون عن التوجه للمحكمة مخافة الحكم عليهم بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف درهم، وقد تجرهم لأداء مبلغ عشرين ألف درهم، في حالة اعتبار المحكمة أنهم يتقاضون بسوء نية.
3- استنكاف المتقاضين الفقراء عن التوجه الى المحكمة لعرض مظلمتهم بسبب الخوف من الحكم عليهم بالغرامة الغير منطقية، سيجعل غريزة الإنتقام تكبر في دواخلهم، وقد تؤدي بهم الى ارتكاب جرائم اعتداء بدنية أو قتل، بعد أن وجدوا أن باب التقاضي تم صده في وجوههم، بسب هذه الغرامة الكبيرة التي يمكن أن يحكم بها عليهم.
4- تعارض هذه الغرامة الكبيرة الجديدة، مع نصوص دستورية مبدأيه، تضمن حق التقاضي، ولا تجعل له قيود يمكن أن تحد منه، ومنها الفصل 118 من دستور 2011.
5- كذلك لا يجب أن ننسى أنه بعد أن كان حق التقاضي مجانيا في بعض القضايا المنصوص عليها قانونا، كما أشار الى ذلك الفصل 121 من دستور 2011، ستصبح القضايا التي تهم بعض الطبقات الهشة في المجتمع من نساء وأمهات وعمال ومتقاضين في قضايا بسيطة تنظر أما المحاكم العادية أو أمام قضاء القرب، والتي كانت مشمول بالمجانية، عرضة لعدم التفعيل، والتهرب من تقديمها للمحاكم، خوفا من أن تصبح القضية التي تقدموا بها مجانا بدعم وسند من القانون، جريرة تجر عليهم غرامة مالية لا تقل عن عشرة آلاف درهم، إذا اعتبرت المحكمة أن هؤلاء المتقاضين البؤساء، تقاضوا بسوء نية.
6- قانون المسطرة المدنية في الفصل 5 يتكلم عن ضرورة التقاضي بحسن النية، دون أن يقرن ثبوت التقاضي بسوء نية في حق أي طرف بأية غرامة يمكن أن يحكم بها عليه، وجاءت مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية بتاريخ 16/01/2022، المقدمة من وزارة العدل، ونصت في مادتها العاشرة، على الحكم على من يثبت عليه التقاضي بسوء نية بغرامة من خمسة آلاف درهم إلى عشرة آلاف درهم، وهي كذلك غرامة كبيرة، ستخوف المتقاضين البسطاء من التوجه للمحاكم لعرض قضاياهم أو رفع مظلمتهم، حين نص فيها على ما سمي بالغرامة عن التقاضي بسوء النية التي يمكن أن يحكم بها على من ثبتت ضده سوء النية ، لنفاجئ بالمسودة التي صادقت عليها الحكومة في 24/08/2023، ترفع بشكل غريب وغير مبرر هذه الغرامة من عشرة آلف درهم الى عشرين ألف درهم، فهل يمكن أن نسمي هذا تدرجا محمودا في فرض الغرامة التي يُستحب أن يسير على نهجها كل نص جديد، أم قفزة كبيرة تجاوزت كل السلاليم المحددة للغرامة في قانون المسطرة المدنية لتجعلها في أعلى سلمها بين عشية وضحاها، وفي غفلة من الجميع.
7- غرامة التقاضي، الذي يمكن أن يعتبره القاضي تقاضي بسوء نية، لم يحدد له المشرع المقومات أو الحدود التي يمكن التفريق فيها بين سوء النية وحسنها، فقاضي يمكن أن يعتبر دعوى معينة قدمت بحسن نية، ويعفي مقدمها من الغرامة، في حين أن نفس الدعوى قد يعتبرها آخر قدمت بسوء نية، ويحكم على مقدمها بغرامة عشرة آلاف درهم، هذا إذا ما متعه هذا القاضي بظروف التخفيف، والتوصيف هو فقط مجازي، في فرض هذه الغرامة ، لأن المحكمة مقيدة بأقل مبلغ يمكن أن تحكم به وهو عشرة آلاف درهم ، ولكن إذا لم يمتعه بها، فيمكن أن يحكم عليه بغرامة تصل إلى عشرين ألف درهم.
8- من المضحكات المبكيات أن غرامة التقاضي بسوء نية في مشروع قانون المسطرة المدنية، التي صادقت الحكومة على مسودته، والمتراوحة بين عشرة آلاف درهم وعشرين ألف درهم، لم تتصدر فقط بين عشية وضحاها وتقفز من عدم التحديد الى أعلى سلم الغرامات المحددة في قانون المسطرة المدنية، بل هي تفوقت بشكل كبير وواضح حتى على أغلب الغرامات المحدد في المخالفات والجنح والجنايات المعاقب عليها في القانون الجنائي، وهي غرامات يحكم فيها في دعاوى الحق العام التي تكون فيها النيابة العامة ممثلة للحق العام ، ويحكم فيها على المتهمين أوا أفعال مجرمة ومنهى عن إتيانها، ممن عبثوا بأمن الدولة وسلامة مواطنيها، وقد يحكم في القانون الجنائي الذي يسمى قانون الأشرار، بغرامات في جنايات ( وهي جرائم خطيرة ) بغرامة لا تتجاوز مائتي درهم ، في وقت نجد أن المادة 10 من مشروع قانون المسطرة المدنية، يمكن أن تحكم على من قدم دعوى للمحكمة وقصد بابها ورفع ما اعتبره مظلمة حين تعتبره تقاضى بسوء نية بغرامة تتراوح بين عشرة آلاف درهم وعشرين ألف درهم.
9- غرامة التقاضي بسوء نية ، المحددة في المادة 10 من قانون المسطرة المدنية ، يمكن للقاضي الجنائي الذي قد يعتبر أن شكاية قدمت بسوء نية، وبناء على طلب ضحية سوء النية أن يحكم على المتقاضي سيئ النية بغرامة المادة 10 من قانون المسطرة المدنية، ويطلب له الحكم بتعويض عن التقاضي بسوء نية، وان كان مقتضى طلب التعويض بشكل مقارب موجود في قانون المسطرة الجنائية بعد الحكم ببراءة المتهم، لأن قانون المسطرة المدنية حسب ما تعلمنا هو القانون الأم لقانون المسطرة الجنائية الذي يمكن أن يرجع له القاضي إذا غاب التنصيص على حالة معينة تنظرها المحكمة الزجرية غير منظمة في قانون المسطرة الجنائية، وتم النص عليها في قانون المسطرة المدنية، فالأصل أن القاضي الجنائي لا يحكم بالغرامة التي يمكن أن تكون عقوبة أصلية إلا على المتهم المتابع ، فكيف سنسمح بهذا النص بالحكم بغرامة على شخص لم يكن متهما وكان مشتكي؟ ألا يمكن بهذا النص أن نمس بأسس المحاكمة الجنائية وكيف ستحكم المحكمة بعقوبة أصلية على شخص لم يوجه إليه أي اتهام، ولم يدافع عن نفسه أمام المحكمة التي ستحكم عليه بغرامة ثقيلة، ألا يمكن أن نعترف ونقول بأن نص المادة 10 من مسودة قانون المسطرة المدنية الذي صادقت عليه الحكومة يمكن أن يخلق لنا وضعا شاذا سيمس بأسس المحاكمات الجنائية.
10- حتى في فرنسا الدولة الرائدة في صناعة القوانين، والتي نأخذ منها ما نأخذ من قوانين ومبادئ، لم تسقط السقطة التي سقط فيها مشروع قانون المسطرة المدنية المصادق عليه، فهي لم تحدد الحد الأدنى للغرامة، بل حددت فقط أقصى الغرامة التي يمكن أن يؤديها من ثبت في حقه ثبوت التقاضي بسوء نية، حين نصت في المادة 628 من قانون المسطرة المدنية الفرنسية، على أن أقصى غرامة يمكن أن يحكم بها في حالة ثبوت تقاضي المدعي بسوء نية هي 10000 يورو أي أكثر من عشرة ملايين مغربية بقليل، وهو ما يعني أن قضية تنظر أمام المحكمة بملايير الدراهم، حتى ولو ثبت سوء نية المدعي في سلوكها، أقصى ما يمكن أن يحكم به كغرامة على مقدمها هو 10000 يورو، و هذا النص لم يحدد الحد الأقل للغرامة كما فعل النص المغربي في مشروع قانون المسطرة المدنية، وهذا يعني أن القاضي إذا كان ينظر في دعوى قيمتها المالية مثلا ألف يورو، يمكن أن يحكم بغرامة في حالة ثبوت سوء نية المدعي 50 يورو أو 100 يورو، عكس القاضي أو المحكمة المغربية التي حتى ولو كانت تنظر في قضية قيمتها المالية 5000 درهم، وثبت لها أن المدعي يتقاضى بسوء نية ، فيجب على المحكمة أن لا تقل الغرامة التي ستحكم بها عليه عن عشرة آلاف درهم، وهي ضعف القيمة المالية للدعوى كلها، ومن غرائب المقارنات، أن ثبوت التقاضي بسوء نية دائما حسب النص المقترح في مشروع قانون المسطرة المدنية، في حق المدعي في نزاع تجاري مثلا قيمته المالية عشرة مليار سنتيم أو حتى درهم، لن يقدر القاضي أو المحكمة أن تحكم على من ثبتت في حقه سوء النية سوى بعشرين ألف درهم، ألا تشعرون معي أن هناك لا عدالة وظلم قانوني كبير حتى في توزيع الغرامات الجديدة الناتجة عن التقاضي بسوء نية، حتى بين الأغنياء والفقراء من المتقاضين المغاربة.
11- ما يجري حسب ما وقفنا عليه فقط بخصوص غرامة التقاضي بسوء نية، مؤشر خطير ولا يبشر بالخير، على غياب رؤيا استشرافية مستقبلية لما يتم اقتراحه، ولما يمكن أن يتسبب فيه أي مقتضى قانوني جديد يتم تعديله من تأثير كبير غير محمود العواقب على الساحة القضائية والمسطرية مستقبلا، مع اعتماده بدون دراسة شاملة من جميع الجوانب وفي غياب طرح كل الاحتمالات والتصورات المستقبلية لإيجابيات وسلبيات النص الذين يسعون لتعديله.
11 –السؤال الذي يمكن أن نطرحه هو ما الهدف التي تسعى معه الحكومة للنص على تغريم التقاضي بسوء نية، والحكم بهذه الغرامة الكبيرة على من ثبت في حقه التقاضي بسوء نية، هل هو فعلا محاربة من يتقاضون بسوء نية؟ أم الهدف من ورائه هو سد الباب على المتقاضين المغاربة البؤساء، والطبقة المتوسطة، وتخويفهم من فتح ملفاتهم أمام القضاء بعد أن يسمعوا بأمر الغرامة التي يمكن أن يحكم بها عليهم، إذا ما توجهوا للمحكمة، مع الإشارة إلى أن مثل هذه الغرامات لن تخيف المتقاضين الأغنياء من التوجه للمحاكم لأن لديهم الأموال لتأديتها حتى ولو تقاضوا بسوء نية.
12 – التعديلات التي جاءت في مشروع قانون المسطرة المدنية التي صادقت عليه الحكومة، يُغلب الاحتمال المتعلق بأن الأمر يتعلق بنية مبيته لسد الباب أمام الملفات البسيطة والعادية والمتوسطة التي يرفعها المغاربة من الطبقة الفقيرة والمتوسطة، ومحاولة الحد منها عبر هذا التدخل والتعديل التشريعي، الذي يحد من طرق الطعن، بشأن بعض الملفات ذات القيمة المالية المنخفضة، وفتح كل أبواب الطعن في الملفات التي تكون قيمتها المالية سمينة، وفرض غرامات مالية للتقاضي بسوء نية.
13 - معالجة ظاهرة كثرة الملفات التي تُعرض في كل جلسة، والتي أصبحت تؤرق بال السادة القضاة والمسؤولين القضائيين، وبسببها أصبح السادة القضاة في كل أسبوع مطلوب منهم أن يحكموا في عشرات الملفات ويحرروا أحكامها، عوض أن يحكموا في ثلاثة ملفات أو أربعة، لا يجب أن تكون على حساب حق الولج للعدالة من طرف الجميع فقراء وأغنياء.
14- لا توصدوا أبواب التقاضي في حق المتقاضين البسطاء والمتوسطين، عبر فرض غرامات عن التقاضي بهذا الشكل الذي لا يصدقه حكيم، لكي تخففوا عبئ تحرير الملفات والنظر فيها على السادة القضاة، وسد أبواب الطعن في ملفاتهم ذات القيمة المالية التي تعتبرونها بسيطة، في نظركم، ولا تحتاج الى أن ينظر فيها قضاة محكمة أعلى، بل افتحوا أبواب تشغيل العاطلين المتفوقين من خرجي كليات القانون الخاص لكي يلتحقوا بالقضاء، وينظروا في ملفات المغاربة البسطاء والمتوسطون، أما الملفات ذات القيمة المالية السمينة ، فأصحابها لا خوف عليهم ولن يحزنوا، فطرق الطعن ما زال مشروع قانون المسطرة المدنية المصادق عليه يسمح لهم بسلوكها، والطعن بالاستئناف أو النقض، ولن يخيفهم أمر الغرامة ويمنعهم من أن يتقاضوا بحسن نية أو سوء نية.
15 – افتحوا أبواب التوظيف في القضاء، لكي تسمحوا لخرجي كليات الحقوق النجباء الناجحين بولوج القضاء، ولا تصدوا أبواب التقاضي بخلق سيف الغرامة لتخويفهم، ومنع أصحاب الملفات ذات القيمة المالية البسيطة عبر حرمانهم من سلوك طرق الطعن.
16 – في الوقت الذي فتحت وزارة العدل أبواب المحاماة، لمجموعة من المرشحين الناجحين في امتحان الأهلية خلال السنين الأخيرة، وهو أمر سيقوي جسم مهنة المحاماة بشباب جُدد بدماء جديدة ستغني المهنة وتقويها، يجب أن تفتحوا الأبواب لعمل هؤلاء الملتحقين الجُدد بالمهنة، وتزيدوا في احتكار بعض الميادين التي مازال يتنافس فيها الكثيرون مع السادة المحامين، لا أن توصدوا أبواب الطعن بالاستئناف والنقض وفرض غرامات عن التقاضي بسوء نية حسب ما وضعتم وتصورتم في المادة 10، تقلل من ولوج بعض المتقاضين للمحاكم سيرتب عنا بشكل طبيعي ، انحصار في ملفات كان يطعن فيها في الاستئناف أو النقض، وتُقدم هذا الطعون من طرف محامين شباب، فمع تعديلاتهم بشأن حصر طرق الطعن في ملفات ذات قيمة مالية كبيرة ، سيقل معها عمل المحامين الشباب، ويحرمون من سلوك طرق الطعن في ملفات بعينها كان يسمح فيها الطعن من قبل، وبخلق بُعبُع الغرامة الكبيرة عن التقاضي بسوء نية، سيستنكف الكثير من المتقاضين عن رفع قضاياهم أمام المحاكم مخافة الحكم عليهم، وهذا بطبيعة الحال سيأثر على عمل الكثير من المحامين الشباب الجدد الملتحقين بمهنة المحاماة ، فعوض أن تواكب الحكومة، فتح اباب أما الكثير من الملتحقين بمهنة المحاماة بفتح أبواب جديدة لهم للعمل، بدل سدها بتقييد حق التقاضي الذي سيتضرر معه المحامي والمتقاضي، والذي لن يعني سوى شيء واحد وهو سد أبواب العمل في حق هؤلاء الشباب عوض فتحه وخلق نصوص جديدة تمكنهم من العمل واحتكار قطاعات أخرى من طرف المحامين الجدد الملتحقين، والذين سيفتحون مكاتب ويكون لهم مساعدين من كتاب وكاتبات ، سيتكفلون بأداء أجرهم، ويعفون الدولة من تشغليهم، ويساهمون في مالية الدولة بالضرائب التي يؤدونها للدولة عن نشاطهم المهني، فدزر المحامي في المجتمع دور محوري يجب تعزيزه وفتح كل الأبواب أمامه ، لأنهم يساهمون بنيابتهم أو مؤزرتهم للمغاربة أمام المحاكم في حفظ حقوقهم وحسن تطبيق القانون عليهم, وتبعد عنها هاجس الشطط والتسلط التي يمكن أن تصيبهم سهامه إذا ما كانوا عُزلا بدون محامي.
17 – كتبنا هذا المقال قبل أن تقع الفأس في رأس المتقاضي المغربي البسيط والمتوسط، بعد أن رفعت الحكومة الفأس لتنزل عليه، عسى أن يتدخل نبهاء مجلس النواب والمستشارين، ويُخففوا على الأقل من تطرف المادة العاشرة وجبروتها في الغرامة التي ستفرض على من ستعتبره المحكمة سيء النية، وذلك بجعلها كمثيلاتها من الغرامات المحددة في قانون المسطرة المدنية وأن تكون غرامة التقاضي بسوء نية تتراوح بين خمس مائة درهم وألف درهم.
18 – إن المادة 10 من المشروع الذي صادقت عليه الحكومة، يجب أن يتم تعزيزها كذلك إن كنا فعلا نسعى لمحاربة التقاضي الكيدي وبسوء نية، بتحديد التعويض الذي سيطلبه ويمكن أن تحكم به المحكمة، لمن اعتبر نفسه ضحية تقاضي بسوء نية، بتحديد سقفه الأدنى الذي يجب أن لا يقل عن ثلاثة آلاف درهم دون تحديد الحد الأقصى الذي يمكن أن تحكم به المحكمة حسب قيمة الملف المالية وزمن الملف القضائي والمجهودات التي بذلت فيه، كما أدعوا من خلال مقالي هذا كما دعوت في مقال مفصل سابق لي، بالتنصيص على حق خاسر الدعوى في أن يطلب من المحكمة الحكم على خصمه الذي خسر الدعوى بجزء من الأتعاب التي تكبدها بسبب جره للمحكمة وتنصيبه لمحامي للدفاع عنه في القضية التي ربحها، كما هو معمول به في أغلب الدول العربية والغربية.
الأستاذ وهابي رشيد
المحامي بهيئة الجديدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.