يبدو أن المملكة المغربية قد غيرت من قواعد سياستها الاقتصادية والدبلوماسية تجاه الجمهورية الفرنسية، وهذا ما تبين من خلال الاتفاقيات الموقعة على شرف هذه الزيارة التاريخية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي أعطت انطلاقة جديدة ومتفردة للعلاقات الثنائية بين البلدين المبنية على منطق "رابح رابح"، والشراكات الاقتصادية والتجارية ذات النفع المتبادل.
وحسب خبراء اقتصاديون، فإن فرنسا ترى في المملكة المغربية طوقا للنجاة لإنقاذها من أزمة اقتصادية خانقة حذر منها صندوق النقد الدولي، بحيث أن حجم ديونها العامة يتجاوز 112 في المائة من الناتج الداخلي للخام، وعجز الميزانية يصل إلى 5.9 في المائة، بالإضافة إلى عدم تجاوز مستوى نموها الاقتصادي 1 في المائة، وهذا ما يجعلها قريبة من المساحة الرمادية.
وتطمح الجمهورية الفرنسية إلى العودة من جديد للقارة الإفريقية عبر بوابة المملكة المغربية، من أجل بسط مكانتها كقوة اقتصادية وجيوسياسية داخل إفريقيا، مع إمكانية تعزيز أواصر التعاون والشراكة مع عدد من دول القارة، على اعتبار الرباط قوة ناعمة في إطار سياسية رابح-رابح.
وقال بدر الزاهر الأزرق، الخبير الاقتصادي، إنه "عندما نتحدث عن منطق "رابح رابح" فإننا نتحدث عن قواعد لعبة جديدة فرضتها المملكة المغربية على فرنسا، لأن القواعد السابقة كانت قواعد مختلة سواء على المستوى الدبلوماسي أو الاقتصادي".
وأضاف الأزرق، في تصريح ل"الأيام 24″، أن "فرنسا كانت تقبع في المنطقة الرمادية وكانت لها مواقف ضبابية بخصوص ملف الصحراء المغربية"، مؤكداً على أنه "على المستوى الاقتصادي كانت تبحث دائما على مصلحتها دون مصلحة المغرب أو باقي الدول الإفريقية التي بدورها انتفضت ضد فرنسا".
وتابع المتحدث عينه أن "هذه الزيارة هي زيارة دولة تأتي من أجل إنهاء مسلسل التوترات بين البلدين، على اعتبار أن فرنسا تعد الشريك الاستراتيجي للمملكة المغربية، وذلك بناء على قواعد لعبة جديدة تجعل الرباط ندا للند مع باريس".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "هذه الزيارة أحدثت تحولا استثنائيا في مصير العلاقات الثنائية بين البلدين، وبطبيعة الحال فإن هذه المرحلة الجديدة ستعود على الرباطوباريس بالربح المتبادل، لأن المغرب تعتبره فرنسا طوقا للنجاة لإنقاذ مجموعة من القطاعات من رزيئة الإفلاس".
وزاد: "فرنسا ستعمل بشكل كبير على استغلال اليد العاملة المغربية نظراً لأن السوق الأوروبية كلفتها مرتفعة مقارنة مع المغرب"، مشيرا إلى أن "فرنسا تبحث دائما على أماكن لتوطين العديد من الصناعات الحيوية، وتكون قريبة من الدول الأوروبية وهذا ما يتوفر في المملكة المغربية".
وأردف أيضا أن "المغرب وقع مع مجموعة من الدول الإفريقية والأوروبية العديد من اتفاقيات تبادل الحر، إضافة إلى وجود استثمارات مغربية بفرنسا تقدر بحوالي 2 مليار دولار، وهذا ينعش شيئا ما الاقتصاد الفرنسي، إضافة إلى استفادة من حوالي مليون ونصف مليون شخص مغربي من ذوي الكفاءات العالية".
وأوضح المتحدث عينه أن "المغرب سيعمل على جذب رؤوس الأموال وتوطين الصناعات التكنولوجيا إضافة إلى خلق مناصب شغل لأن فرنسا لديها استثمارات تفوق 10 مليارات دولار، وتتوفر على 1300 مقاولة وشركة وتوظف أكثر من 150 ألف عامل وعاملة بالمملكة المغربية".
واختتم الأزرق حديثه قائلا: "فرنسا تشتغل على مجموعة من المشاريع المتعلقة بصناعة السيارات والطائرات والسكك الحديدية والطاقات المتجددة، إضافة إلى ذلك الاستثمارات التي ستشمل الأقاليم الجنوبية التي تعتبر اعترافا قويا واقتصاديا بالمنطقة".