لم تمض سوى 48 ساعة فقط على مغادرة فرنسا "المنطقة الرمادية" وانضمامها إلى نادي القوى العالمية التي تعارض الطرح الانفصالي في الصحراء المغربية، حتى بدأت باريس تجني ثمار موقفها الداعم لسيادة المغرب على صحرائه، خاصة وأن العلاقات الخارجية للمغرب التي يرعاها الملك محمد السادس شخصيا، تخضع لثابت استراتيجي ومصيري، يتعلق بالوحدة الترابية للمملكة، "المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به المغرب صدق الصداقات ونجاعة الشراكات"، كما جاء في خطاب ملكي سابق بمناسبة ثورة الملك والشعب في غشت 2022، شدد فيه الملك على أن "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم".
وتمكنت الشركة الفرنسية "Egis Rail" المتخصصة في إنجاز مشاريع البنى التحتية في مجال النقل، من الظفر بعقد المناقصة الذي أطلقه المكتب الوطني للسكك الحديدية الخاص بالدعم الفني لإدارة مشروع تمديد خط القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش، وذلك في إطار شراكة تجمع بيننها وبين مواطنتها "سيسترا" والمكتب المغربي "نوفك"، وهي الصفقة التي تبلغ قيمتها المالية 1,385 مليار درهم.
ويرى مراقبون أن الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على صحرائه، الذي أعلن عنه الديوان الملكي رسميا الثلاثاء 30 يوليوز المنصرم، تزامنا مع الذكرى الفضية لاعتلاء الملك محمد السادس العرش، يفتح الباب على مصراعيه أمام تدفق رؤوس الأموال الفرنسية لتمويل مشاريع ضخمة بالمغرب ستمتد لتشمل الأقاليم الجنوبية للمملكة التي سيكون لها نصيب من هذه الاستثمارات، وذلك بعد تأثير الأزمة الدبلوماسية التي طبعت العلاقات بين البلدين منذ سنة 2021 على حظوظ الفرنسيين في تنزيل مشاريع بالمغرب لصالح بعض منافسيهم، أبرزهم الإسبان والألمان.
المصلحة أولا
بعد إدراكها أن استمرارها في اللعب على الحبلين سيفقدها حليفا استراتيجيا في القارة الإفريقية، سعت فرنسا إلى تدارك الأمر، ولقد كانت واضحة منذ بداية ظهور بوادر عودة الدفء إلى علاقاتها مع المغرب أن عينها على دعم استثمارات المغرب في الصحراء، وهو ما صرح به علانية وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه خلال زيارته إلى الرباط شهر فبراير من العام الجاري، حيث أكد خلال مؤتمر صحفي مع وزير نظيره المغربي ناصر بوريطة أن بلاده "ستنخرط في تنمية أقاليم الصحراء دعما للجهود المغربية".
على هذا الأساس، يقول الخبير الاقتصادي محمد الشرقي إن "العالم لا يعرف سوى لغة المصالح، والعلاقات بين بلدانه لا تحكمها العواطف"، موضحا أن "فرنسا أخذت وقتها الكافي لحساب الخسائر والأرباح في علاقة بموقفها من قضية الصحراء، وبعدما درست الموضوع من كل جوانبه اقتنعت بأنها أخطأت فعملت على تدارك ما يمكن تداركه".
وذكر الشرقي، في تصريح ل"الأيام 24″ أن "المغرب يشكل بالنسبة إلى فرنسا طوق نجاة، لأنها تعاني من تراجع نفوذها داخل القارة الإفريقية، إضافة إلى أن وضعها في الاتحاد الأوروبي أصبح ضعيفا وينظر إليها كعبء، زد إلى ذلك متاعبها مع المديونية وارتفاع العجز التجاري، كل هذا جعلها تبحث عن بلد يتوفر على الإمكانات المناسبة ليعيد إليها ما فقدته".
هذا البلد المثالي بالطبع، ليس سوى المملكة المغربية، يؤكد المحلل الاقتصادي عينه، بالنظر إلى عدة اعتبارات، في طليعتها الاستقرار الذي تنعم به، ثم النهضة الاقتصادية والعمرانية والحقوقية والمجتمعية والرياضية التي تتمتع بها، لافتا إلى أن هذه العوامل دفعت باريس إلى التودد إلى الرباط باحثة عن فرص لشركاتها من أجل الاستثمار في المغرب.
وأشار الشرقي، إلى أن "ضغوطات قوية مارستها شركات فرنسية عملاقة على إيمانويل ماكرون لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها"، متابعا: "حتى أن من بين هذه الشركات من حمَّل الرئيس الفرنسي بصفة مباشرة مسؤولية الفرص الاستثمارية المهدرة"، مستحضرا في هذا السياق العائدات الاقتصادية الهائلة التي سجلتها الشركات الإسبانية وازدهار المبادلات بين الرباط ومدريد عقب دعم الأخيرة للوحدة الترابية للمغرب، إذ باتت تبلغ 22 مليار أورو، كما أن النشاط التجاري ل16 ألف شركة إسبانية مرتبط بالمغرب".
وبعد أن توقف عند مواقف عدد من الدول التي تبنت الخيار البرغماتي مساندة مغربية الصحراء ما بوأها لتكون جزء من المشاريع الضخمة على التراب المغربي في مجالات الهيدروجين والطاقات المتجددة ومشاريع الربط الكهربائي بالأقاليم الجنوبية، انتهى محمد الشرقي إلى أن "فرنسا انبتهت أخيرا إلى أن السير على نفس المنوال باعتماد الواقعية السياسية سيكون له منافع اقتصادية، وهو ما بالتأكيد ما سيحصل".