في خضم الدينامية الدبلوماسية التي باتت تجمع باريسبالرباط، بعد خروج هذه الأخيرة من المنطقة الرمادية بدعمها لمخطط الحكم الذاتي والاعتراف بمغربية الصحراء، يبدو أن فرنسا تحمل رؤية استراتيجية حقيقية تحاول عبرها تعزيز اقتصاداتها القطاعية انطلاقا من الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمملكة المغربية، أواخر الشهر الجاري، وذلك عن طريق الاستثمار في المجالات الدولية منها الرائدة والتقليدية، وفي مقدمتها الطاقات المتجددة والاقتصاد المينائي.
وكشف السفير الفرنسي بالمغرب، كريستوف لوكورتيي، في حوار مع صحيفة "لوبينيون" الناطقة بالفرنسية، عن ملامح هذه الاستراتيجية الاقتصادية الفرنسية الجديدة، والتي من المنتظر أن تأتي في قالب "خارطة طريق" طموحة ستعزز العلاقات التجارية بين البلدين ل"25 سنة المُقبلة".
وأوضح لوكورتيي، أن "المغرب يمتلك سواحل طويلة وغنية بالموارد الطبيعية، وفرنسا تمتلك الخبرة في إدارة الموارد البحرية بطريقة تحقق التوازن بين التنمية والحفاظ على البيئة، و يمكن لهذا التعاون أن يُمكّن المغرب من تحقيق قفزات نوعية في هذا المجال، مع الحفاظ على استدامة موارده البحرية للأجيال القادمة".
وأكد المسؤول الفرنسي أن "المغرب يُعتبر رائدًا في إفريقيا في تبني تقنيات الطاقة الشمسية والطاقة الريحية، وفرنسا مستعدة لتقديم دعمها وخبرتها لتعزيز هذه الجهود".
من جهته، قال بدر الزاهر الأزرق، الخبير الاقتصادي، إن "الزيارة المرتقبة في نهاية الشهر الجاري ستؤرخ لبداية جديدة في العلاقات الاقتصادية والسياسية بين المغرب وفرنسا، على اعتبار أن باريس هي الشريك الثاني للمملكة المغربية، بعدما كانت في السنوات السابقة تتصدر قائمة أقوى شركاء الرباط".
وأوضح الأزرق، في تصريح ل"الأيام 24″، أن "فرنسا بعد التغيرات الجيواستراتيجية التي وقعت بمنطقة الساحل والصحراء، أصبحت تحتاج إلى المغرب أكثر من أي وقت مضى للدخول مجددا إلى القارة السمراء، بعدما تغيرت في الآونة الأخيرة موازين القوى الإفريقية".
وتابع أن "فرنسا تحاول العمل على تطوير وتعزيز الاقتصاد المينائي والطاقات المتجددة، علما أن ألمانياوفرنسا يؤديان فاتورة الحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى سعي باريس وباقي الدول الأوروبية إلى البحث عن طاقات نظيفة تساهم في تقليص ظاهرة الاحتباس الحراري".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "فرنسا تقدم نفسها شريكا للمملكة المغربية وليس زبونا دوليا، لتأمين جزء من احتياجاتها الطاقية وأيضا البحرية"، مبينا أن "أغلب القطاعات التي نجح فيها المغرب ترتبط بالموانىء، لذلك قامت المملكة بالاعتماد على هذه السياسة في مختلف جهاتها".
ولفت الأزرق، إلى أن "فرنسا ستحاول الاستفادة من الأنشطة البحرية الخاصة بالمملكة المغربية، وهذا يدخل في إطار انخراط دول ساحل الصحراء في المبادرة الملكية الأطلسية، مما يجعل الأقاليم الجنوبية منصة للدول الإفريقية من أجل الاستفادة من الواجهة البحرية".
وخلص الأزرق إلى أنه "بعد تغيير فرنسا موقفها من قضية الصحراء ودعمها لمقترح الحكم الذاتي وسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية يمكن لها الآن الاستثمار في هذه المناطق والدخول من جديد إلى العمق الإفريقي".