قال الباحث في السياسات الميزانياتية والشأن الاقتصادي سليمان صدقي، إن الحكومة تمتلك كل الوسائل القانونية والمؤسساتية لتطبيق قرار تسقيف الأسعار، خاصة تلك التي تعرف مضاربات كبيرة ولها تأثير كبير على المنظومة الإنتاجية وعلى القدرة الشرائية للمواطنين، من قبيل المحروقات.
وأضاف صدقي، في حديث ل"الأيام 24″، أن المادة 4 من القانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة تسمح للحكومة بإصدار قرار لتسقيف الأسعار لستة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة، خاصة أن الارتفاع الحالي لأسعار المحروقات لا يرجع فقط للظرفية الدولية، بل لوجود ممارسات منافية للمنافسة الشريفة وحرية الأسعار كما أكد ذلك قرار مجلس المنافسة الأخير بخصوص المحروقات.
وأفاد صدقي، أن الحكومة تملك عدة آليات لدعم القدرة الشرائية للمواطنين وخفض أسعار مختلف المواد، من قبيل "إقرار إجراءات ضريبة خاصة على المواد التي تعرف ارتفاعات كبيرة، كالمحروقات"، مبينا أن هذه الآلية لجأت إليها عدد من الدول الأوروبية لمواجهة الارتفاع الصاروخي لأسعار المحروقات في السوق العالمية خاصة خفض كل من الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الداخلية على الاستهلاك على المحروقات.
وأوضح صدقي، أنه يمكن للحكومة تحمل مسؤوليتها السياسية بخصوص مراقبة السوق والمضاربات المسجلة في أسعار بعض المواد، مشيرا إلى أن "التقرير الأخير لمجلس المنافسة أكد بما لا يدع مجالا للشك وجود ممارسات منافية للمنافسة في مجال المحروقات، وقد تم تغريم الشركات المتواطئة بخصوص ذلك".
وسجل أن الحكومة لها إمكانية التدخل المباشر من أجل إقرار إعفاءات جمركية كما هو الشأن مثلا في استيراد اللحوم الحمراء من الخارج، مستدركا: رغم أن هذا الإجراء مكّن من توفير حاجيات السوق الداخلي من اللحوم الحمراء إلا أنه لم يساهم في تقليص أسعارها.
ولفت إلى أهمية التقليص من صادرات المغرب من المواد الفلاحية الأساسية في الإسهام في انخفاض الأسعار في السوق الداخلية، مردفا: "لقد تابعنا جميعا كيف انخفضت أسعار عدد من الخضر والفواكه بمجرد إقرار دول مستوردة من المغرب زيادات جمركية على واردتها من المغرب من المواد الفلاحية".
وقال صدقي، إن آلية الدعم المباشر تبقى ذات راهنية خاصة في مجال بعض المواد، مبينا أن الحكومة قامت الحكومة بضخ حوالي 16 مليار درهم برسم السنة المالية المنصرمة في صندوق المقاصة، لدعم أسعار غاز البوتان وبعض المواد الأساسية، داعيا لمراجعة شاملة لآليات الدعم المباشر المعتمدة بتوحيدها وتجويدها وتعزيز حكامتها.
وتابع أن "التخوف قائم بخصوص خطة الحكومة لرفع الدعم عن غاز البوتان، إضافة إلى أن إجراء الدعم المباشر وإن حافظ على استقرار أسعار بعض المواد الأساسية المدعمة منذ سنوات كالسكر ودقيق القمح اللين، إلا أن أثره كان ضعيفا بخصوص المحروقات، التي يؤثر ارتفاعها على كل المنظومة الاقتصادية والإنتاجية ببلادنا…".
وأكد على ضرورة إعادة النظر في سلاسل التوزيع الداخلية، وذلك لمنع تدخلات المضاربين ومنع تعدد الوسطاء بين المنتج والمستهلك النهائي، منبها إلى أن النموذج الحالي لهذه السلاسل وعلى رأسها أسواق الجملة مثلا، أثبت محدوديته وعجزه التام على ضمان المنافسة الشريفة ومنع المضاربات والحفاظ على استقرار الأسعار وعلى دورة الاقتصاد الحقيقي.
وبعد أن طالب صدقي، الحكومة برسم سياسة استيراد واضحة، خاصة أن عددا من المواد الأساسية متوفرة بالأسواق العالمية بأسعار تنافسية، وفي متناول المستهلك المغربي، تساءل عن الغرض من الإجراءات الجمركية التي تدعي علنا الحمائية، مستدركا: "لكن للأسف تحمي فقط مصالح بعض اللوبيات الاقتصادية التي لم تكفها عقود طويلة من هذه السياسات الحمائية التفضيلية، والتي يدفع ثمنها المستهلك المغربي البسيط".
وخلص صدقي، إلى أنه يمكن، على المديين القريب والبعيد، إقرار إصلاحات استعجالية هيكلية تمس بالأساس المواد الفلاحية التي تشكل مكونات أساسية على مائدة المغاربة، قصد تأمين الحد الأدنى من الأمن الغذائي للمغاربة من اللحوم والخضراوات والألبان والزيوت… وتأمين الوصول إليها بأسعار في متناول الجميع خاصة الفئات التي تعيش وضعية هشاشة، إضافة إلى مراجعة شاملة لمختلف الاستراتيجيات الاقتصادية خاصة تلك التي تبث خلال العقدين الأخيرين محدوديتها.