لم يكن إنشاء "مجموعة العمران" قبل عشر سنوات وليد الصدفة، فقد انبثقت الفكرة عن توجه استراتيجي ارتضاه المغرب من أجل تحقيق تنمية مستدامة لمختلف ربوع البلاد، وبوصفها آلية عمومية، راكمت المجموعة تجارب وخبرات مهمة سخرتها لتنفيذ البرامج الكبرى من قبيل بناء مدن جديدة والقضاء على السكن غير اللائق وتهيئة الأقطاب الحضرية وصون الذاكرة الهندسية للأحياء التاريخية.. تخفيف الضغط عبر المدن الجديدة تعتبر المدن الجديدة بالمغرب مشاريع حضرية كبيرة تشع في سجل "مجموعة العمران"، بعدما بدأت العديد من المدن الكبرى في المملكة، تنوء بحمل ساكنتها وتختنق لافتقار المخططات العمرانية السابقة إلى رؤى مستقبلية كافية تشفع في تهيئتها لتتحمل التغيرات الطارئة بسبب الضغط الديمغرافي الذي يعتصر الحواضر الكبرى وكذا المجال الحيوي الذي يمكن التعداد السكاني من العيش بكرامة. وإزاء التطور الفوضوي للتجمعات السكنية الكبرى واختلال توازن الإطار الحضري، تبنى المغرب سياسة المدن الجديدة، الرامية إلى بلورة فضاءات حقيقية للاستيعاب والإدماج الاجتماعي والمجالي، والحاملة لقيم القرب والتمازج الاجتماعي والتنمية المستدامة واستشراف مستقبل السياسات الحضرية. وبإشراف سامي وفعلي من الملك محمد السادس، انطلقت سياسة ترابية جديدة تروم إنشاء مدن جديدة أنشئت غير بعيد عن المدن الكبرى لتمتص الضغط عنها كما الشأن بالنسبة ل"تامسنا" المدينةالجديدة التي أوجدت لها مكانا، سنة 2007، على غير مبعدة من مدينتي الرباط وتمارة وسيدي يحيى ومدينة "تامنصورت" قرب مراكش و"الخيايطة" على مشارف الدارالبيضاء ثم "الشرافات" في شمال المملكة. وإن لم تأل "مجموعة العمران" جهدا للانخراط بقوة في دينامية "المدن الجديدة" فإن خبراتها كفاعل مختص يواكب مشاريع الدولة وينفذ تصوراتها بشأن السياسة العقارية، أصبحت 38 ألف نسمة تأوي إلى مدينة "تامسنا" فيما يبلغ تعداد قاطنة "تامنصورت" 50 ألف نسمة، على أن المستقبل يظل واعدا أمام المدينتين ومعهما "الخيايطة" و"الشرافات". وتترجم الوضعية التي تعيشها المدن الجديدة بمقوماتها الحضرية الجهد الذي كرسته "مجموعة العمران" للنهوض بهذه الأقطاب الحضرية الكبرى عبر عقد شراكات فعالة لتحقيق المراد من وراء هذه المشاريع الكبرى، الشيء الذي مكن العمران، باعتبارها اول مؤسسة عمومية تدخل غمار تطوير هذا النوع من المشاريع الحضرية الكبرى، من اكتساب تجربة مهمة في هذا الإطار وإبراز أهمية مثل هذه المشاريع. ومما يؤكد وجاهة هذه الاختيارات، المبادرات التي أقدم عليها فيما بعد كل من صندوق الإيداع والتدبير من خلال إطلاق ورش تشييد المدينة الإيكولوجية زناتة بالقرب من الدر البيضاء والمجمع الشريف للفوسفاط من خلال بناء مدينة جديدة خضراء بالقرب من مدينة بنكرير. وفيما يرتقب أن تعطى انطلاقة بناء مدن جديدة أخرى، فإن "تامسنا" وتامنصورت" و"الخيايطة" و"الشرافات" تؤكد نجاعة توجه المدن الجديدة كإبداع مميز جرى تهييئه بشكل مسبق ليستجيب إلى مختلف المتطلبات التقنية والهندسية من أجل تحقيق رهانات عمرانية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية لا لشيء سوى لأن أشكال المدن الجديدة النهائية لن تكون كباقي المدن القديمة رهينة التطور عبر الزمن، وإنما نابعة عن تصورات وتخطيطات معدة، بكل أناة، مسبقا.
دور اجتماعي لتجاوز "كبوة" الصفيح فيما يعد البرنامج الوطني "مدن بدون صفيح" فرصة متاحة للمدن المغربية للحد من "أحياء الصفيح" التي تعد "كبوة" للإقلاع والتنمية المستدامة، فإن من بين ما تضطلع به "مجموعة العمران" كذراع عقاري للدولة، هو استئصال هذه "الشوكة" التي تحد من تقدم مدن المملكة. واللافت، أن "مجموعة العمران" ساهمت بقوة في تطهير وتجميل عدد من المدن وكمثال لا حصرا، لفت المجموعة الدارالبيضاء أكبر حاضرة بالمملكة بكامل عنايتها وخبراتها حتى أزالت عنها خدوش "كاريانات" شهيرة ظلت ترابط في المدينة لعقود مثل "كاريان سنطرال" و"كاريان زرابة" و"كاريان بنمسيك"... هذه المساهمة الفعالة جعلت من المجموعة شريكا رئيسيا للجماعات الترابية لتوفير فضاءات عيش كريم لساكنة هذه الجماعات عبر القضاء على السكن غير اللائق سواء عبر بناء أحياء جديدة أو إعادة تهيئة أخرى قديمة أو القضاء على المنازل الآيلة للانهيار.. وعلى حد منطوق الأرقام الرسمية تتولى "مجموعة العمران تنفيذ 85 في المائة من مجموع العمليات التي تسعى للقضاء على السكن غير اللائق وتوفير ظروف عيش كريمة لفائدة قاطني هذا السكن تتميما للدور الاستراتيجي للمجموعة في قطاع العقار بالمغرب، وتنفيذا للتوجيهات الملكية السامية والبرامج الحكومية للقضاء على السكن غير اللائق ورفع إنتاج الوحدات السكنية الموجهة للفئات الهشة. إذ عملت "مجموعة العمران" من خلال شراكات مع مختلف الفاعلين المعنيين، على تهيئة فضاءات كفيلة بتحسين جودة الحياة لفائدة جميع الفئات الاجتماعية وتحسين ظروف السكن ونهج سياسة القرب مع المواطنين. وتفيد المحصلة المؤقتة لبرنامج "مدن بدون صفيح" بأن 1,5 مليون نسمة كانت تقطن ب"الكاريانات" قد استفادت من ثمرة هذه الجهود على أن 58 مدينة من بين 85 مدينة أو مركز حضري قد تم إعلانها مدنا بدون صفيح، ما جعل هيئة الأممالمتحدة تخول جائزة "UN- HABITAT" للمغرب تثمينا للمجهودات التي بذلت والخبرة التي راكمها في هذا البرنامج الاستراتيجي المتعدد الأبعاد. أيضا، تلعب مجموعة العمران دور المحرك الأساسي للسكن الاجتماعي في المغرب، فمنذ توقيع الاتفاقية، سنة 2009، والمتعلقة بتعبئة 3853 هكتارا من العقار العمومي أخذت على عاتقها إنجاز برامج سكنية، ثلثها متعلق بالوحدات السكنية ذات القيمة العقارية المنخفضة، وثلث مخصص للسكن الاجتماعي والثلث الآخر للسكن المخصص للطبقة المتوسطة. كما ساهمت الإجراءات التحفيزية التي اتخذت في إطار القانون المالي لسنة 2010، والتي تستمر إلى سنة 2020، من إعطاء دينامية جديدة لحركة الإنتاج السكني ببلادنا وخاصة من خلال برنامج السكن الاجتماعي 250 ألف درهم، والذي ساهمت في إطاره مجموعة العمران بشكل فعال، مباشرة أو عبر شراكات مع القطاع الخاص .
ذراع عقاري في خدمة الجهوية المتقدمة إذا كان المغرب قد ارتمى في أحضان "الجهوية المتقدمة" التي تسعى لخلق نموذج تنموي جهوي يقضي على التمايز والتباين بين جهات المملكة الاثنا عشر، فقد تبنت "مجموعة العمران"، انسجاما مع ذلك وبفضل انتشارها الجغرافي والحصيلة الإيجابية لتعاونها مع مختلف الجهات منذ أكثر من 40 سنة، مقاربة تشاركية متجددة إزاء المشاريع العقارية للدولة وأهداف التنمية التي حددتها المخططات الجهوية وذلك عبر تسخير خبراتها لفائدة الشركاء المعنيين بعدد من المشاريع المنطلقة أو التي ستنجز مستقبلا على صعيد هذه الجهات التي أصبحت تربطها معهم اتفاقيات شراكة جديدة. ولعل أفضل دليل على عمق الانخراط الجهوي للعمران إنجاز شركاته الفرعية لعدد كبير من عمليات التهيئة الحضرية وخلق أقطاب ومناطق جديدة للتعمير، وإنجاز مشاريع السكن وخاصة السكن الاجتماعي والسكن منخفض التكلفة والسكن الخاص بالطبقة المتوسطة تنفيذا لسياسة الحكومة في هذا المجال كل جهات المملكة، مع إيلاء أهمية خاصة للأقاليم الجنوبية للمملكة. هذا الانخراط الفاعل للمجموعة في الدينامية التنموية لأقاليم الصحراء المغربية، يجسده تأسيس شركة "العمران الجنوب" في 2005، في إطار الإصلاح المؤسساتي وتماشيا مع الأهداف المسطرة لتنمية جهات المغرب واللا مركزية. وقد استطاعت شركة "العمران الجنوب" عبر شراكاتها المنجزة مجابهة الإشكاليات العقارية التي تعتري الأقاليم الجنوبية بعدما ساهمت بقوة في محاربة السكن غير اللائق من خلال القضاء على المخيمات وسن سياسة عقارية تستجيب لمتطلبات الفئات المجتمعية المتواضعة مما جعل الأخيرة تتقاسم ظروف العيش الكريم مع مختلف الفئات في تمازج اجتماعي معتبر. كذلك، وفي شق التأهيل الحضري، خصص مبلغ 4,5 مليار درهما، ساهمت الدولة فيه ب3,4 مليار درهما موزعة على الفترة الممتدة من 2008 إلى 2014، على أن ثمار هذا المجهود كانت في مستوى التطلعات بعدما تمت تهيئة وعاء عقاري مهم بلغ 1680 هكتارا، زيادة على الشروع في بناء 60 ألف وحدة سكنية بمدن العيون والداخلة وبوجدور وآسا الزاك والسمارة وطانطان وطرفاية وطاطا.. وانسجاما مع الدور الاجتماعي ل"مجموعة العمران" فقد جرى القضاء على 21 ألف كوخ قصديري، قامت بتنفيذ برنامج "مدن بدون صفيح" في كل من العيون والداخلة ثم بوجدور، حيث جرى إعادة إسكان 22 ألف أسرة كانت تقطن في دور الصفيح وكذا تحسين ظروف العيش لفائدة 20 ألف أسرة في إطار برنامج إعادة التهيئة والتأهيل الحضري.
العمران.. حكامة داخلية لمعانقة الأهداف والمستقبل واعتبارا للدور النبيل الذي تقوم به "مجموعة العمران" خدمة لسياسة الدولة، كان لزاما عليها أن تعتمد سلسلة من الإصلاحات والتقويمات الداخلية بشكل يعزز الحكامة داخل هذه المنظومة عبر تبني تصورات داخلية ترتكز بالأساس على تثمين الرأسمال البشري في المجموعة ووضع ملامح استراتيجية عمل بناءة تنضبط لانشغال المجموعة بإرضاء زبنائها وتطلعها إلى المستقبل. ومن أجل تحفيز قواها، اعتمدت المجموعة العديد من الرؤى الكفيلة بتحقيق الأهداف المرسومة كما الأمر بالنسبة لرؤية "CAP 2020" الرامية إلى توطيد التناغم بين أطر ومستخدمي المجموعة من أجل النجاعة في تنفيذ وإتمام الأوراش المفتوحة. وتعد "CAP 2020" ثمرة فكر تشاركي بين المجموعة وزبنائها سعيا إلى إخراج الاستراتيجيات الاستشرافية إلى الوجود وبلورتها عن طريق تثمين الموارد البشرية في "مجموعة العمران" ثم سن تنظيم يرتكز على الحكامة وخلق روافع للتنمية ارتباطا بتموقع المجموعة على مختلف المستويات وفي مختلف جهات المملكة الاثني عشر وكذا القيام، بكل مسؤولية، بالمهام الموكولة إليها بما يؤهلها لتكون في مستوى تطلعات المواطنين والمتعاملين معها على حد سواء.
ويتوخى نظام الحكامة المجتمعة تعزيز ثقافة النتائج وضمان مستوى متقدم من اللامركزية للكفاءات والاختصاصات في تسيير الشركات الفرعية، وهو ما سيمكن من تحسين تموقع المجموعة وتركيز أنشطتها حول المهام النبيلة التي تتحملها خدمة لسياسات الدولة العقارية والمختلفة بين القضاء على السكن غير اللائق وإنعاش السكن الاجتماعي وسكن الفئات المتوسطة والتهيئة والتأهيل الحضري وصون الموروث التاريخي للأحياء العتيقة.