BBC مراسل بي بي سي رشدي أبو العوف مع عائلته خلال عطلته الأخيرة قبل يومين، كانت زوجتي وأطفالي على وشك الموت. كانوا في الطابق الأرضي من مبنى مكون من أربعة طوابق في خان يونس بغزة، بالقرب من أحد المستشفيات حيث أنام في خيمة. كانوا على وشك المغادرة لمقابلتي في ذلك اليوم عندما اخترقت طائرة إسرائيلية بدون طيار الطابق العلوي من المبنى. ركضت ابنتاي التوأم البالغتان من العمر تسع سنوات إلى الشارع وهما تصرخان، وانفصلتا عن أمهما التي أصيبت في رأسها بقطعة من الركام. والحمد لله كانت إصابات زوجتي طفيفة. لكن بناتي أُصبن بصدمة نفسية. في تلك الليلة، بقيتا مستيقظتين طوال الليل تبكيان، واضطررت إلى الاتصال بالطبيب لأسأله عما يمكننا فعله لمساعدتهما على النوم. لقد نزحت أنا وزوجتي وبناتنا وابننا البالغ من العمر 18 عاماً أربع مرات خلال الأسبوعين الماضيين منذ اندلاع هذه الحرب، نتنقل من مكان إلى آخر استجابة للتحذيرات الإسرائيلية من الغارات الجوية، ومراتبنا التي ننام عليها مربوطة على سقف سيارتنا. لقد اضطرت بناتي إلى ترك كل شيء تحبانه في مدينة غزة والتوجه جنوبا: مدرستهما، وأصدقائهما، ونادي ركوب الخيل، ومتجر البيتزا المفضل لهما. الموت والحياة أصبحا متساويين في غزة. القصف بالطائرات والصواريخ مستمر. إنه أمر يفوق قدرة العديد من البالغين، ناهيك عن الأطفال: لا ينبغي لأي طفل يبلغ من العمر تسع سنوات على وجه الأرض أن يواجه أو يمر بأمر كهذا. تحاول بناتي دائما الإمساك بساقي واحتضاني والقيام بأي شيء من أجل الشعور بالأمان. سيستغرق الأمر وقتا طويلا لتتعافيا، وستحتاجان إلى الكثير من الدعم، خصوصا النفسي. وكلتاهما تطالبان باستمرار بالعودة إلى مدينة غزة، إلى حياتهما الطبيعية نسبيا. "شقى عمرنا ضاع"، إسرائيل تهدم أبراجا سكنية في الزهراء في غزة هل يمكن أن تؤثر الحرب في غزة على إمدادات النفط والغاز العالمية؟ ما الذي تكشفه المعارك السابقة عن مخاطر الهجوم البري على غزة؟ قبل هذا التصعيد الأخير، عشنا حياة أفضل من حياة 99 في المئة من الفلسطينيين. الكهرباء هنا في هذا المكان محدودة، وأغلب المياه غير نظيفة، والخروج - حتى في إجازة قصيرة - أمر صعب. هناك أشخاص يبلغون من العمر 40 عاما لم يغادروا أبداً هذه الرقعة الصغيرة من الأرض. لكننا كنا محظوظين بما فيه الكفاية لأننا تمكنا من قضاء إجازات خارج القطاع أحيانا لمدة شهر أو أكثر في المرة الواحدة. في هذا الصيف سافرنا في جولة إلى إسطنبول، وقبرص، ومصر، والأردن. BBC رشدي أبو العوف مراسل بي بي سي في غزة في مدينة غزة، كانت لدينا شقة كبيرة تبعد 400 متر عن الشاطئ. كنت أنا وزوجتي نتمشى معا في كثير من الأحيان على الرمال في الصباح. في غزة، ذهب ابني إلى الجامعة وذهبت بناتي إلى مدرسة جيدة - يذهبن فيها للنادي للسباحة وركوب الخيل، ولديهما جهاز لوحي خاص بهما تشاهدان عليه مقاطع من يوتيوب. أحضر لهما الحلوى عند عودتي من العمل إلى المنزل وألعب معهما في المساء، وأحيانا تنامان في سريري وأحملهما إلى غرفتهما في الظلام. أما الآن، فقد دمرت القنابل الحي الذي نشأ فيه أطفالي وأصبح مهجورا. كنت في معظم الليالي، أذهب لزيارة منزل أحد الأصدقاء، وألعب الورق وأشرب القهوة. نحاول كعائلة الذهاب إلى مطعم جميل مرة واحدة في الأسبوع، عادة ما يكون محل البيتزا أو مطعم قريب يقوم بطهي اللحوم في وعاء خاص. كلنا نحب ذلك المكان. أما الآن، فقد أصبح محل البيتزا ذاك ركاما. حرب غزة: ما هي المساعدة التي يحتاجها أبناء القطاع؟ رغم كل الصعوبات نحاول الاستمتاع بحياتنا. غزة ليست دائما منطقة حرب، وعندما تكون هناك أي فرصة للفرح، فإننا نغتنمها. نحن متماسكون معا، وهذا الارتباط - حب زوجتي وبناتي وابني - هو ما يبقيني قويا، سواء كان الوضع جيدا أو سيئا. وحتى اليوم، وفي خضم هذه الحرب، ما زلنا نحاول العثور على لحظات السعادة كلما استطعنا ذلك. يزورني أطفالي عندما أعمل، ويرتدون سترتي الواقية من الرصاص، وخوذتي، ونضحك معا. يمسكون المايكروفون ويتظاهرون بأنهم مراسلون. لكن الحياة الآن بالنسبة لهم لن تكون نفسها أبدا. لا تزال بنتاي تسألاني عن الأماكن التي تتذكرانها من قبل، وعن السوق الذي كنا نتسوق منه، وتتوسلان للعودة. إنهما لا تفهمان أنه لا يمكننا العودة. وفي كل يوم، تصلني أخبار من أصدقائي الأطباء وغيرهم ممن بقوا في الشمال عن مبنى آخر تم تدميره، وطريق آخر انهار بسبب القصف، ومحطة وقود أخرى تم تفجيرها. بعد أن قُصف المبنى الذي كنا نسكن فيه أنا وعائلتي، قطعت وعدا لهم بأنني سأخرجهم من غزة إلى مكان آمن عندما ينتهي كل هذا. لقد ضحوا بما فيه الكفاية. قبل أن نهرب من مدينة غزة إلى الجنوب مع مئات الآلاف من الأشخاص الآخرين، كنت أتجول في شقتنا، وأعتز بكل الذكريات التي صنعتها أنا وعائلتي هناك. التفتت إلى زوجتي قبل المغادرة وقلت لها: "ألقي نظرة على هذا المنزل الجميل. قد لا نعود إليه أبدا". اليوم، أنا نائم في خيمة، أفكر وانا على مرتبتي التي أنقلها معي على سقف سيارتي، في شرب القهوة على البحر. كل هذا مجرد أحلام الآن.