بزغ نجمه باكرا، وهو ولي للعهد، كانت مواهبه الخطابية تشد إليه الانتباه، في قلب باريس بينما لم يتم مولاي الحسن عقده الثاني، أخذ الكلمة في أحد المسارح بمعية كبار الكتاب والقادة الفرنسيين، بينهم جورج بومبيدو الذي سيصبح رئيسا لفرنسا، ورئيسا للوزراء في عهد شارل دوغول، وسحر المراهق الصغير الحاضرين بطلاقة لسانه وسحر بيانه، وصفق له الجميع لمدة طويلة.. لذلك كلما تعقدت أحوال الأمة كان يوجه إليها خطابا أو يأمر معاونيه بإعداد ندوة صحافية، وكانت له طقوس خاصة قبل أي خطاب "جلل"، يجالس مستشاريه ويناقشهم ويتكلم فيهم كما يلقي خطابه على شعبه أو في مواجهة الصحافيين، في ما يشبه التدريب المسرحي الحي، ويدخل إلى المطبخ ليهيئ بنفسه أكلة لا يتناولها على الأغلب، لأنه كان في تلك اللحظات يضع التوابل الأخيرة على خطبته المفترضة، في كل ندواته الصحافية كان هناك شخص مكلف فقط بعلبة سجائر الملك، صندوق من خشب العرعار توضع فيه كل أصناف السجائر من "كازا" إلى سيجارة "مور" و"بلوس".. ويطلق العنان لخياله، ويخطب كما لو أنه يقرأ في كتاب ويسحر محاوريه ومخاطبيه.
للملك الراحل الحسن الثاني حكايات كثيرة مع الفن وأهله، فهو عاشق للفرجة بامتياز، وولوع ببعض الألوان الموسيقية التي يتقنها إلى حد التفوق على محترفيها، وطرائفه مع الفرجة وصناعها ترددت على لسان أكثر من فنان. لقد تماهت شخصية الراحل الحسن الثاني عند المغاربة مع بعد الكائن المتعدد، حتى تكاد تصنع منه شخصية "أسطورية"، فهو تارة يظهر كملك فنان وهو يحرك بخفة يديه أوركسترا الجوق الملكي، أو يحلق عاليا عبر تلك النوتات الموسيقية المنبعثة من عزفه على آلة "الأكورديون"، وتارة يقف كرياضي أول داخل مملكته، سواء من خلال ولعه الشديد بكرة القدم، أو عبر تفننه في مداعبة عصا الغولف بدار السلام، أو عن طريق تخطيطه الاستراتيجي للرياضة بشكل عام، في حين يظهر في كثير من الأحيان ك "الزعيم الذي سبق عصره، الحاكم المطلق، السلطان صاحب البركة، العاهل الوسيم والأنيق، الأب القاسي والمتشدد، العبقري والملك الداهية..