غرد الصحفي المصطفى العسري في تدوينة له يوم أمس الأحد، على الفيسبوك حول كواليس ما قبل الإعلان عن وفاة الراحل الحسن الثاني، حيث كان وقتها يجتاز فترة تدريبية بمقر الإذاعة والتلفزة المغربية RTM. وكتب العسري: "..الساعة تشير إلى الرابعة والنصف من يوم الجمعة 23 يوليو 1999.. القناة الأولى آنذاك تبث فيلما هنديا كعادتها عصر كل جمعة، في هذه الأثناء حركة غير طبيعية للمذيعات ومنهن جميلة خدي وقمر آيت بنمالك وقائمة بلعوشي يتهامسن فيما بينهن حول طاولة التحرير"، وينقل في ما جرى على مسامعه قول إحداهن "سيفرض علينا الحجاب خلال تقديم نشرة الأخبار". بعدها بقليل سيجتمع الكل حول الشاشة التي تبث فيلما هنديا.. خلال هذه الأثناء تخرج من مكتب زجاجي مقدمة الاخبار المتألقة الخلوقة فتيحة دنيال بجلباب أبيض وبغطاء للرأس اعتقدت في بادئ الأمر أن ذلك يتعلق بيوم الجمعة.
يسترسل في الحديث: "خلال لحظات من مرورها القناة تقطع الرسوم المتحركة التي تلت الفيلم الهندي وتطل علينا فتيحة دنيال لتبث عاجل إخباري تخبر فيه المشاهدين أن "جلالة الملك الحسن الثاني أصيب حسب أطباءه بوعكة صحية، وأن الديوان الملكي يتوجه إلى عموم المواطنين برفع أكف الضراعة للعلي القدير بأن يحفظ جلالة الملك الحسن الثاني نصره الله وان يصبغ عليه رداء الصحة والعافية، انه نعم المولى وهو على كل شيء قدير"...
مباشرة بعد هذا الملحق الإخباري .. ومن دون أية فواصل تلفزيونية بدأت القناة تبث سور متوالية من القرآن الكريم.. آنذاك تيقنا بأن أمر الله قد قضي وان أمر الله كان مفعولا. ويتابع في شهادته: "خلال لحظات من ذلك لاحظنا ومن خلال شاشة كانت معلقة في صلاة التحرير أن القناة الثانية بدورها قطعت برنامج HIT25 الشهير لسباق الأغاني الغربية وبدأت هي الأخرى في بث سور من القرآن الكريم.. ليظهر بعد ذلك "عاجل" لقناة الجزيرة، القناة العربية الاخبارية الوحيدة آنذاك يخبر بأن: العاهل المغربي الملك الحسن الثاني في ذمة الله. وعن الأجواء التي سادة التلفزيون المغربي وقتها يقول المصطفى العسري: " كانت أمور أخرى تجري في الخارج عندما حلت قوة أمنية ورابطت أمام التلفزيون لم تسمح للداخلين بالخروج ولا للخارجين من الدخول، حتى عناصر الأمن التي كانت تستوقفنا كل صباح عند دخولنا لمقر التلفزيون وتسأل عن هويتنا وتصريح الدخول أرغمت على التراجع إلى ما بعد باب المبنى.. وفي نبرة شماتة يقول "صراحة سرني هذا الأمر كما لو كان انتقاما لنا من عجرفة الأمن ". وفي وصفه لحالة الضبابية التي عمت التلفزيون المغربي يقول: ".. كنت ممن بقي في مقر التلفزيون إلى ما بعد الحادية عشرة ليلا، وخلال المساء ظلت التلاوة القرآنية مسترسلة ولاحظنا أن قسم الأخبار قد أصيب بالشلل، وبدا الصحفيون والمذيعون وكأن على رأسهم الطير، حتى أن نشرتي الأخبار بالإسبانية والفرنسية.." يشير إلى أنها المرة الأولى في تاريخ التلفزة المغربية التي تم فيها إلغاء النشرتين.
ثم يضيف المصطفى العسري: "بعد الثامنة والنصف لاحظنا حضور المذيع مصطفى العلوي قاطعا بذلك يوم عطلته ليظهر لنا لاحقا وعند التاسعة ليلا في نشرة النعي وهو يطلق العنان لدموعه مخبرا المغاربة بوفاة زعيم الأمة !". نشرة بثتها عنه مباشرة قناة الجزيرة وقناة MBC السعودية التي كانت تبث برامجها من لندن، ليتم بعدها بث خطاب الملك محمد بن الحسن حيث نعى لشعبه وللامتين العربية والإسلامية الملك الكبير الحسن الثاني رحمه الله ..
بعد ذلك بنحو ساعة أو أكثر بث التلفزيون الرسمي بمفاهيم مبايعة أهل الحل والعقد لولي العهد كملك للمغرب.. حيث بايعه الأمراء ورئيس الحكومة عبد الرحمان اليوسفي ووزراءه ورئيس مجلس النواب والمستشارين والمجلس العلمي وقادة القوات المسلحة....
بعد كل هذا لم أجد بد من المغادرة حيث غادرت الرباط على متن قطار قادم من وجدة متوجه لمراكش .. حيث لاحظت أن الصمت يخيم على الجميع مخافة من المجهول ..
ويختم الأستاذ الصحفي المصطفى العسري شهادته بوقائع استقبال الشخصيات الدولية بمطار الرباطسلا الدولي للقيام بواجب التعزية في وفاة أحد أكثر الزعماء العرب إثارة للجدل.