على قناة «الجزيرة» أن تعتذر فورا ومن دون أية شروط. لقد تسببت هذه القناة في بلبلة عظيمة بين المغاربة حين قالت إن ستة أشخاص قتلوا في اضطرابات سيدي إيفني، وهذه إساءة كبيرة للمغرب، الذي يعيش في بحبوحة الصدق والنزاهة، ومسؤولوه لم يخطئوا ولو يوما واحدا، ولم يكذبوا على الشعب ولو مرة في نصف قرن. الذين يطالبون قناة «الجزيرة» بالاعتذار يعرفون أنها ليست معصومة من الخطأ حين تحدثت عن وفاة ستة أشخاص، وهذا يمكن أن يحدث لأية قناة أو وكالة أنباء في العالم. وقبل بضعة أيام تحدثت وكالات أنباء فرنسية وعالمية عن انفجار في الجزائر أودى بحياة 20 شخصا، وتبين أنه لم يحدث انفجار بالمرة، ونفت الجزائرالخبر وانتهى الأمر. لماذا إذن كل هذا الضجيج حول خبر غير مضبوط جاء في نشرة إخبارية؟ السبب واضح، وهو أنه عندما تكون عيني فيك، فإن أدنى هفوة تسقط فيها ستكون قاتلة. وفي كل الأحوال فإنه يجب على قناة «الجزيرة» أن تعتذر لأن ذلك سيسعد الشعب المغربي كثيرا. اعتذار القناة سيفتح باب الاعتذار الكبير الذي يجب أن تقدمه الدولة المغربية وتلفزيوناتها إلى الشعب المغربي. ومنذ أول دقيقة بعد اعتذار «الجزيرة»، يجب على القناة المغربية الأولى أن تعتذر للمغاربة عن سنوات الرصاص الإعلامي الذي مارسته في حقهم. يجب أن تعتذر عن كل تلك الأكاذيب التي أمطرت بها المغاربة على مدى نصف قرن، يجب أن تعتذر التلفزة المغربية عن عبارات «المغرب الجديد» و«الديمقراطية الحسنية»، و«حلل التنمية والازدهار»، و«الحكومة الرشيدة»، وغيرها من العبارات الكثيرة التي لم يفهمها المغاربة إلى حد الآن. على التلفزيون المغربي أن يعتذر لأنه بث خطبة للملك الراحل فيها شتائم قاسية مثل عبارة «الأوباش». ما الشيء الأكثر قسوة وإيلاما، هل خبر غير حقيقي عن وفاة ستة أشخاص أم شتيمة لجزء من الشعب على الهواء مباشرة؟ على التلفزيون المغربي أن يعتذر لأنه كان يبث خطبا تقول إنه سيتم خلق مائة ألف منصب شغل في عامين، ثم جاء مسؤولو أحزاب يقولون إنه سيتم خلق مليوني منصب شغل في عام واحد. على التلفزيون المغربي أن يعتذر عن تلك السنوات الطويلة التي كانت عبارة عن تعذيب منهجي للمغاربة أمام شاشات التلفزيون. يجب الاعتذار عن بث 8 ساعات يوميا من النقل المباشر لمنافسات الغولف، بينما الأخ لْحْمر يتحدث عن ضربة تحت.. وضربة فوق، وكأنه أحمد عدوية يغني «حبة تحت.. حبة فوق». يجب الاعتذار عن بث ساعات طويلة من التزلج الفني على الجليد، فيما المغرب كان يغلي بالأحداث. ويجب الاعتذار لأن الملك الراحل الحسن الثاني كان أحيانا يوقف بث أفلام لا تعجبه بشكل مفاجئ من دون أن يفهم المغاربة شيئا. على التلفزيون المغربي أن يعتذر عن كل سنوات الرصاص التي قضاها مصطفى العلوي ينكل بأسماع المغاربة ويصف المغرب بأنه واحة الازدهار وجنة التقدم. على التلفزيون المغربي أن يعتذر لأنه بث الكثير من الأكاذيب ونفى وقوع قتلى في الانتفاضات الجماعية في الدارالبيضاء والشمال وفاس ومراكش وغيرها من المدن. على التلفزيون المغربي أن يقدم اعتذارا علنيا للشعب لأن أعلى مسؤول في البلاد قال يوما إنه لا يوجد معتقل اسمه تازمامارت، ثم اكتشف المغاربة أن معتقل تازمامارت سيظل وصمة عار على جبين كل مغربي. على التلفزيون أن يعتذر لأنه نفى وجود المقابر الجماعية في المغرب، وعوض ذلك كان يتحدث باستمرار عن المقابر الجماعية في الهند الصينية وكمبوديا والعراق وأمريكا الوسطى. على التلفزيون المغربي أن يعتذر للشعب لأنه بث تصريحا للوزير الأول قال فيه إنه لا وجود لأية أحداث في سيدي إيفني، وعليه أن يعتذر لأنه لم يرسل ولا كاميرا واحدة إلى المدينة لتغطية الأحداث، وعوض ذلك تكلف مذيعون، أصواتهم تشبه صوت الممثل الكوميدي حسن الفذ، بنظم قصائد جرير والفرزدق في هجو «الجزيرة». المغاربة اليوم يتمنون فعلا أن تقدم قناة «الجزيرة» اعتذارا على هفوتها الإخبارية، لأن ذلك سيفتح هيئة إنصات جديدة لضحايا سنوات الرصاص الإعلامي الذين سيطالبون الدولة وتلفزيونها بالاعتذار عن كل الأكاذيب التي كانت تقال عمدا وعن سبق إصرار وترصد وتخطيط. لهذه الأسباب سيكون رائعا لو اعتذرت «الجزيرة».