ما كان لبطولة كأس إفريقيا للمحليين أن تحمل من الزخم الإعلامي ما تحمله اليوم، لو لا التوتر الجزائري المغربي، على اعتبار أن الجزائر هو البلد المنظم للدورة والمغرب حامل لقبها في آخر نسختين، فالصراع السياسي والتنافس المحتدم بلغ مستويات عالية قفزت مؤخرا إلى ميدان الرياضة وكرة القدم على الخصوص، فالجزائر يبدو أنها ترفض الاتسجابة لطلب الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بشأن فتح خط جوي لعبور طائرة المنتخب من مطار الرباط مباشرة على مطار قسنطينة. "إن تفتحوا نعبر ونلعب وإن ترفضوا ننسحب" هكذا وجهت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، خطابها إلى الإتحاد الإفريقي ومن خلاله إلى الدولة المنظمة، وإلى حدود اللحظة ما تزال مشاركة "أشبال الأطلس" في المسابقة القارية محل شك، بسبب تشتبث الجزائر بما تعتبره قرارا سياديا يقضي بإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المغربية.
تحوّل الصراع الجزائري المغربي الذي أخذ خلال الشهور الماضية انعطافة بارزة، وما يحمله من إقحام عن قصد للتوتر السياسي والدبلوماسي في المجال الرياضي، ليس وليد اليوم، ولكنه تراكمي أي منذ انتخاب فوزي لقجع عضوا ثالثا لرئيس الكاف السابق الملغاشي أحمد أحمد، بعد انتخابات فاز بها لقجع بنتيجة ساحقه على منافسه الجزائري محمد روراوة، الذي عاد على خسارته للانتخابات في تصريح للصحافة الأيام الماضية، حيث تحدث أن فوز رئيس الجامعة الملكية المغربية عليه أتى بعد حملة انتخابية واسعة قام بها وساعدته في ذلك الدبلوماسية المغربية، عكسه هو، وفق تعبيره.
دخول لقجع إلى "الكاف" وتقلده منصبا رفيعا، وانعكاس ذلك على وضعية كرة القدم المغربية داخل القارة، كوّن اعتقادا لدى الجزائر بأن لقجع أصبح الرجل الأقوى داخل الجهاز الرياضي الإفريقي، اعتقاد سيرتفع منسوبه بعد إقصاء المنتخب الجزائري من كأس العالم، بسبب وصفوه ب"الكواليس"، واتهام الحكم الغامبي باركاري كاساما الذي قاد مباراة الجزائر والكامرون بالارتشاء، وبالضلوع في مؤامرة بتنسيق مع فوزي لقجع، ولا تزال وسائل إعلام جزائرية إلى اليوم تتهم المغرب، من خلال مؤثريه في الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بإقصاء الجزائر واستهداف الكرة الجزائرية.
وبالعودة إلى حيثيات قرار الجامعة برهن مشاكة المنتخب في بطولة إفريقيا للمحلين بالجزائر، انطلق أربع معطيات جوهرية، أولها يرتبط، بالإصرار على معاكسة الأطروحة الجزائرية التي تروج لها وسائل إعلام بأن المملكة تبغي إفشال "الشان" والتأكيد على نية هذا المنتخب المشاركة. إلى جانب معطى أهم يتعلق بتجنب اتخاذ أي قرار يمكن أن ينجم عنه تكبد عقوبات من قبل "الكاف". إضافة إلى تحييد أي مناكفة مع الجزائر، وذلك بمحاورة "الكاف" بدلا عن البلد المضيف. والرابع، وهو استثمار مقتضيات قانونية في دفاتر التحملات، لإجبار البلد المضيف على كسر جزئي لقرار منع الطائرات المغربية من التحليق في الأجواء المغربية.
المعطيات السالفة تؤكد أن تصريف التوتر بين الجانبين في حقل الرياضة، سيطول أكثر، ويمكن أن يأخذ مدى أبعد من ذلك، إذا لم يتم قبول ملف الجزائر لتنظيم "كان" 2025، إذ لن تجد النخب الجزائرية، من حرج في اتهام المغرب والتسناد إلى نظرية المؤامرة والكولسة، في ظل الحشد الإعلامي الذي يعم كل البلاتوهات الرسمية والخاصة في الجزائر، في محاولة لتعميم القناعة بأن ملف الجزائر هو الأفضل.
ورغم مرور أكثر من عام على قرار قطع العلاقات، فالجزائر جددت رفضها لأيّ مصالحة مع المغرب، حيث صرّح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مقابلة مع جريدة لوفيغارو الفرنسية الأسبوع الماضي أن الوساطة غير ممكنة بين بلاده وبين المغرب، وإن قطع العلاقات "كان بديلاً عن الحرب"، فيما كان ملك المغرب محمد السادس قد بعث إشارات ودية للجزائر في خطاب العرش، داعيا الرئيس الجزائري للعمل لأجل إقامة علاقات طبيعية.