جيل مضى يعرف الصديق معنينو كنجم تلفزيوني في زمن ولادة التلفزيون المغربي، ولما كان هذا الجهاز يدخل كل بيوت المغاربة في سنوات الصراع السياسي، فإن الصحافي فيه تحول إلى شاهد قريب جدا من قلب صنع القرار في البلاد، وهكذا كان معنينو قريبا من الحسن الثاني في محطات مفصلية من تاريخ المغرب، وكان الملك يعتبر التلفزة سلاحه الخاص للانتصار لسياساته ضد المعارضة اليسارية التي كان سلاحها هو الصحافة المكتوبة. في هذا الحوار المطول، الذي ننشره عبر حلقات، يقربنا الصديق معنينو، الذي وصل إلى منصب مدير الإعلام والكاتب العام لوزارة الإعلام على عهد ادريس البصري، من أجواء الماضي التي ماتزال ترخي بظلالها على الحاضر، ويطوف بنا على الأجزاء الأربعة من مذكراته "أيام زمان". ليل رضا كديرة
تدريجيا أصبحت أقدم النشرة الأخيرة عدة مرات في الأسبوع، كان نجوم التلفزة من المذيعين والمذيعات يتصلون بي ليلا ويعتذرون عن الحضور راجين أن أتولى ذلك بالنيابة عنهم، ومع مرور الوقت، اعتدت على مثل هذه الاعتذارات، كما اعتدت المكوث في التلفزة إلى ساعات متأخرة من الليل، مما غير من برامجي اليومية وعاداتي الغذائية.
هذا السهر اليومي جعلني أكتشف الرباط، وأعيش مغامرات عجيبة، وأربط صداقات مشبوهة، وأتعرف على أشخاص وشخصيات شهيرة.
في البداية كنت أتناول طعام العشاء في مطعم ومقهى «جور إي نوي»، الذي كانت البورجوازية الرباطية تحضره متأخرة للعشاء، وأذكر أن طاولة كانت محجوزة بانتظام لصالح «جماعة الرباط» من أصدقاء المستشار رضا اكديرة، لذلك كانت تسمى «طاولة اكديرة». كانت كل العناية مركزة عليها، وكانت كل العيون تترقب وصول صاحب الطاولة للتعرف على مرافقيه واستنتاج ما يمكن استنتاجه من «نميمة سياسية».
كان الجالسون في الساحة الخارجية لذلك المقهى والمطعم من ألوان ثقافية وسياسية وصحافية مختلفة، حديثهم مركز حول التطورات السياسية وحالة الاستثناء والتعديل الحكومي المرتقب والعلاقة بين الوزراء. كانت الأحاديث تتطور لتشمل الحياة الشخصية لبعض رموز النظام وبناتهم ونسائهم وصديقاتهم..
في ساحة مقهى ومطعم « جور إي نوي» المفتوحة على الدوام، جلس في حلقات يساريون ورجعيون وأساتذة ورجال أعمال وموظفون، وصحافيون وباحثون عن الشهرة واللذة، ومخبرون ومومسات وسكارى...كان ذلك المقهى ملتقى لكل المتناقضات... وبدون أي جهد تسللت إلى هذا «المجتمع»، وربطت علاقات من نماذج الساهرين، بل كنت في بعض الأحيان أتولى مرافقة بعضهم في سيارتي إلى منازلهم بعد أن يكونوا قد بالغوا في ما تناولوه من أكل وشراب.
وكان أيضا ملهى «فندق حسان» وسيدته بدون منازع «الحاجة الحمداوية»، كانت علبة الليل، في ذلك الفندق، مليئة باستمرار بأغنياء القوم وشرائح المجتمع النافذة في الحكم والسياسة والأعمال، وكان من بين أهم الزبناء رجال البوليس والمخابرات، الذين كان أوفقير ينعم عليهم بما يساعدهم على الراحة والمتعة، في انتظار عودتهم إلى مراكز الاعتقال، كانت وجوههم وأسماؤهم معروفة تثير الخوف والرهبة وكانوا مرتاحين ويستفيدون من وضعيتهم...
كانت بنات «العلبة» جميلات وأنيقات، وقيل في ذلك الزمان إن معظمهن يشتغلن مع المخابرات، يلتقطن الأخبار ويعاشرن الحكام والمعارضين بحثا عن المعلومة.