هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخبير بنموسى يعتبر ما كشفه مجلس المنافسة في ملف المحروقات مبعث استياء كبير
نشر في الأيام 24 يوم 26 - 10 - 2022


حاوره: محمد كريم بوخصاص
تباينت الآراء حول رأي مجلس المنافسة الأخير بشأن أسعار المحروقات بين مرحب ومستنكر لمضامينه، لكن الخبير الاقتصادي محمد بنموسى نائب كل من رئيس حركة "ضمير" ورئيس "الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول"، والعضو السابق بلجنة النموذج التنموي قدم تحليلا دقيقا لكل صفحاته في حوار غاص في خبايا الرأي وأشكال تعاطي الحكومة مع الأزمة الاقتصادية.

أصدر مجلس المنافسة مؤخرا رأيا حول الارتفاع الكبير في أسعار المواد الخام والمكررة للمحروقات في السوق العالمية وتداعياته على السير التنافسي للأسواق الوطنية، ما هي قراءتك لما ورد في هذا الرأي؟

تلقيت هذا الرأي المبني على إحالة ذاتية باستياء كبير، لأن المعلومات الواردة فيه بديهية ومعروفة، خاصة ما يتعلق بوجود علاقة وارتباط بين تقلب أسعار الغازوال والبنزين في السوق الدولية والأسعار في السوق الوطنية. فالذي كان مطلوبا من المجلس هو البحث في نسبة التقلبات ومدى حصول اتفاق بين الفاعلين والموزعين على تركيبة الأسعار وهوامش الربح مقارنة مع الوضع قبل التحرير، وأيضا الإجابة عن السؤال الجوهري المتعلق بما إن كان تحرير قطاع المحروقات قد خلق تنافسية أكبر أو قَلّصها ومن هم الذين يستفيدون من الوضعية الراهنة.

الغريب في رأي مجلس المنافسة أنه شمل الفترة الزمنية بين 2018 و2021 وطمس سنتي 2016 و2017، بينما تحرير السوق حصل في دجنبر 2015، ويحق لنا أن نتساءل عن أسباب عدم تطرق الرأي للممارسات وهوامش الربح في الفترة بين 2016 و2017، خاصة أنه بدا كما لو أنه يؤكد شرعية الأرباح التي حققتها الشركات ابتداء من 2018، فيما الأصل أن هوامش الربح تتغير من سنة لأخرى وأن سنة 2016 كانت استثنائية لعدة عوامل أهمها التحرير الكامل للسوق، لذلك كان يجدر بالمجلس تقديم المعلومة المهمة التي ينتظرها الجميع، وهي مقارنة هوامش الربح ما قبل التحرير وما بعده.

إجمالا، تبقى مناطق ظل عديدة في رأي المجلس يمكننا الوقوف عندها.

بغض النظر عن الملاحظات التي ذكرت، لا يمكن إنكار حقيقة أن مجلس المنافسة عمد في رأيه إلى تحديد هوامش ربح الشركات بدقة والتي لم تتجاوز 1.4 درهم للتر الواحد في أحسن الأحوال، أليس ذلك كافيا لإسقاط التهم الموجهة للشركات بأنها راكمت أرباحا فاحشة أو لا أخلاقية بعد تحرير السوق

أبدا. لا يمكن تسهيل أرقام الربح المعلنة والتي تراوحت عموما بين 0.60 و1.40 درهما للتر الواحد في الفترة الممتدة بين 2018 و2021 بالنسبة لشركات التوزيع أي بدون احتساب هامش ربح محطات الوقود، وانخفضت إلى 0.21 درهما في الربع الأول من 2022 بشأن معدل هامش الربج لخمس شركات مجهولة الاسم، لأن حجم الاستهلاك الوطني يناهز 9 مليار لتر في السنة، وإذا قمنا بعملية حسابية بضرب حجم الاستهلاك مع هامش الربح فإننا سنجد أنفسنا أمام أرباح تتجاوز 12 مليار درهم سنويا.

وعلى ذكر هامش الربح، ينبغي التأمل في وصوله إلى 1.40 درهما في 2020، وهي سنة الجائحة التي هزت العالم، والتي عرفت انخفاض أسعار النفط الخام والمكرر إلى أدنى مستوى بفعل الركود الاقتصادي العالمي، لكن الشركات الفاعلة في السوق الوطنية لم تلجأ إلى خفض الأسعار بما يكفي وفضلت توسيع هامش الربح، وهو ما يجعلني أعود إلى النقطة الأهم في الموضوع والتي غابت عن رأي المجلس، وهي مقارنة هامش ربح الشركات حاليا مع هامش ربحها قبل تحرير السوق، وذلك من أجل معرفة ما إن كان التحرير قد جاء لتوسيع أرباح الفاعلين أو لزيادة تنافسية القطاع وتحسين جودة المنتوج وتخفيض أسعاره دفاعا عن مصلحة المستهلكين والمواطنين الضعفاء.

إن التساؤل عن مدى تحقيق الهدف الاستراتيجي من تحرير أسعار المحروقات يفرض نفسه بقوة، والمتمثل في خلق منافسة بين الشركات تنعكس على أسعار البيع، لذلك نحن في حاجة إلى إجراء مقارنة من طرف المجلس بين هامش الربح قبل التحرير وبعده، والتي سبق أن قمنا بها في الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول حين عمدنا إلى مقارنة فائض الأرباح مع الأرباح التي كانت قبل التحرير، وانتهينا إلى تحقيق الشركات لأرباح فاحشة تُقَدر ب45 مليار درهم في ست سنوات، أي حوالي 7.5 مليار درهم سنويا، وهو المبلغ الذي يتماشى مع ما انتهت إليه اللجنة الاستطلاعية البرلمانية التي حددت مبلغ الأرباح الفاحشة في 17 مليار درهم في سنتين.

حتى إن كان مجلس المنافسة لم يتعرض إلى الأسئلة التي ذكرت، ألا ترى أن اقترابه من هذا الملف الحارق الآن يجب أن يكون مبعث تفاؤل؟

مع الأسف الشديد، أنا متشائم انطلاقا من واقعتين: أولاهما أن التقرير لم يأتِ بمعلومات جديدة ذات أهمية وترك مناطق غموض كثيرة في الموضوع، وثانيتهما تهم أوجه القصور في مشروعي قانوني مجلس المنافسة وحرية الأسعار والمنافسة اللذين سيغيران الترسانة القانونية الحالية.

هاتان الواقعتان لا تبشران بالخير وستنتهيان إلى نتيجة لا تحمد عقباها في ما يخص ملف التحريات ومراقبة حصول ممارسات غير أخلاقية وغير محترمة للقانون في تركيبة الأسعار، خاصة أن مناطق الظل في رأي المجلس الجديد عديدة، وشخصيا اطلعت على أرباح بعض الشركات المستوردة في 2016 والتي تبقى أكبرها «إفريقيا» التي بلغ رقم معاملاتها في هذه السنة 23.71 مليار درهم وأرباحها الصافية 1.36 مليار درهم، لكن هذه الأرقام غير موجودة في رأي مجلس المنافسة.

والعجيب في أرقام شركة «إفريقيا» أن رقم معاملاتها ارتفع في سنة 2018 مقارنة مع سنة 2016 ب4.4 مليارات درهم ليصل إلى 28.13 مليار درهم، لكن حجم أرباحها الصافية انخفض ب45 في المائة ليستقر في 751 مليون درهم، وتبقى هذه المفارقة من عجائب وغرائب الحسابات والأرقام المالية للشركة التي تهيمن على السوق ب3.24 في المائة، والتي تنضاف إلى تكلفة استيرادها للمواد المكررة (الغازوال والبنزين) التي تبقى أعلى بكثير من تكلفة شركة جد متواضعة وهي «وينكسو» التي لا تستحوذ إلا على 6 في المائة من السوق الوطنية، حيث تستورد هذه الأخيرة الغازوال بمعدل أقل من «إفريقيا» ب22 سنتيما، والبنزين بأقل ب28 سنتيما للتر. ويا للعجب !

كيف يمكن تفسير هذه المفارقة الأخيرة؟

الله أعلم، وحدها آليات الدولة الممثلة في المديرية العامة للضرائب والمديرية العامة للجمارك والمديرية العامة لمكتب الصرف يمكنها تفسير ذلك، انطلاقا من التحريات التي يجب أن تقوم بها.

لكن دعني أتوقف عند مفارقة أخرى بالنسبة لهذه الشركة الأكبر في السوق، وهي أن نسبة هامش الربح الصافي للشركات المتوسطة تفوق نسبة هامش ربحها الصافي بأربع أو سبع مرات: 0.9 في المائة بخصوص شركة «إفريقيا» خلال سنة 2021 مقابل 3.8 في المائة بشأن شركة «فيفو إنيرجي» أو 5.5 في المائة بخصوص شركة «طوطال إنيرجي» أو 66. في المائة بشأن شركة «وينكسو»!!

وضمن مفارقات الشركة المهيمنة أيضا، أن الغازوال والبنزين يشكلان 70 في المائة من رقم معاملاتها، بينما لا تتجاوز أرباحها الصافية من هاتين المادتين 36 في المائة من إجمالي الأرباح الصافية للشركة سنة 2018 أو أقل من 30 في المائة سنة 2021، وذلك بخلاف الشركات الكبرى الأخرى «طوطال إنيرجي» و»فيفو إنيرجي» اللتين تتماشى أرباحهما الصافية من هذين المادتين (ما بين 67 إلى 69 في المائة) مع رقم معاملاتهما (75 في المائة).

هذه المفارقات كلها لم يجب عنها مجلس المنافسة، حين اكتفى بتقديم أرقام دون تحليلها أو تفسيرها، فيما كان يمكنه القيام بذلك انطلاقا من البحث في أسعار الشراء من الخارج وتركيبة التكاليف لكل شركة، بما في ذلك التكاليف الثابتة والتكاليف المتغيرة، لأن ذلك هو الكفيل بمعرفة الفرق بين هامش الربح الإجمالي وهامش الربح الصافي وتكلفة الاستيراد، علما أن الشفافية كانت تقتضي نشر حسابات الشركات في ملحق التقرير.

نقطة أخيرة يجب الوقوف عندها، وهي أن التقرير كشف أن الشركات وزعت أرباح الأسهم، لكن الخطير أن بعضها وزعت أرباح أسهم تفوق مبلغ الأرباح الصافية، دون تجاهل توزيعها لهذه الأرباح في 2020، وهي سنة الجائحة التي وجه فيها والي بنك المغرب طلبا رسميا وعلنيا لكل الشركات الكبرى المغربية بعدم توزيع أرباح الأسهم، تضامنا مع المواطنين والاقتصاد الوطني الذي عانى من مشاكل كبيرة، لكن يظهر أن شركات المحروقات تتصرف مع القطاع كبقرة حلوب.

يتفق كثيرون بما في ذلك تقرير مجلس المنافسة – على أن خيار رفع الدعم عن المحروقات وتحرير سوقه الذي اتخذته حكومة عبد الإله ابن كيران سنة 2015 كان صائبا، لأن استمرار الوضع على ما هو عليه كان سيُنهك ميزانية الدولة في ظل الارتفاعات الحالية لأسعار المواد النفطية في السوق الدولية، كما يَعتبر البعض أن حكومة عزيز أخنوش اتخذت القرار الصحيح حين لم تصرف دعما مباشرا للمواطنين المتضررين من ارتفاع الأسعار، حيث ظلت قادرة على التحكم في موازنتها العامة وتنزيل برنامجها الحكومي، هل تختلف مع هذا الرأي؟

أنا لم أكن من دعاة استرجاع صندوق المقاصة بل كنت من دعاة تقديم الدعم المباشر للمواطنين المتضررين من أسعار المحروقات، كما أنني من المدافعين عن الرأي الذي يعتبر أن رفع الدعم عن المحروقات كان ينبغي أن يتم في ظل تنافسية حقيقية في السوق، وهي التي لم تتحقق حتى الآن، في ظل انعدام آليات المراقبة، وعدم إصدار مجلس المنافسة إلى حدود اليوم قراره في ملف الشكاية الواردة عليه في 2016 حول شبهة اتفاق الشركات على الأسعار، لذلك أجدد المطالبة بضرورة خلق آليات فعلية مستقلة لمراقبة وتتبع وتقييم وزجر السلوكيات غير القانونية.

النقطة الثانية التي ينبغي الوقوف عندها، وهي أن الدولة لما رفعت الدعم عبر صندوق المقاصة كان يلزمها في نفس الوقت تقديم الدعم المباشر للفئات الهشة والفقيرة، لكن ذلك لم يتحقق رغم مرور سبع سنوات على تحرير السوق، ولا أعتقد أنه من الصائب البحث عن ضمان التوازن المالي للدولة وترك المغاربة في نفس الوقت يحترقون بلهيب الأسعار المرتفعة، لاسيما في ظل التجاوزات والخروقات المسجلة في القطاع، ويجعلني هذا الأمر مقتنعا بوجود خطأ جسيم في استراتيجية الحكومة المتمثلة في رفع الدعم عن المحروقات دون توجيه دعم مباشر للطبقات الفقيرة وفي غياب آليات مراقبة فعالة.

النقطة الثالثة وهي الأهم، تتعلق باستراتيجية الحكومة لتفادي الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، في ظل ضعف وتيرة النمو الاقتصادي وندرة المياه والتحولات الجيواستراتيجية التي سيكون لها انعكاس على أسعار المحروقات في السوق الدولية، بما في ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، حيث كان يمكن لمصفاة «لاسامير» لتكرير النفط المساهمة في التخفيف من أسعار المحروقات، خاصة أن هامش الربح في صناعة تكرير البترول ارتفع بنسبة تفوق بكثير نسبة تزايد سعر النفط الخام في السوق الدولية.

رغم الأزمة الاقتصادية التي تجتاح العالم، تُوَاصِلُ الحكومة تنزيل برامجها وتحقيق بعض من وعودها، ولا أدل على ذلك من انخراطها في مفاوضات مع نقابات في قطاعات متعددة، والتزامها بتحقيق زيادات في أجور وصرف تعويضات، أليس ذلك مؤشرا كافيا على وضوح البوصلة لدى الحكومة التي تملك قدرة على معالجة المشاكل؟

الحكومة تبيع الأوهام فقط، صحيح أنها تتصرف بمرونة مع الفرقاء الاجتماعيين والنقابات لتهدئة الأوضاع، ولا يمكنني إلا مباركة هذا التصرف، لكن فاقد الشيء لا يعطيه، فماذا قدمت الحكومة منذ سنة في ما يتعلق بالإصلاحات الهيكلية، خاصة على مستوى رفع وتيرة النمو الاقتصادي وخلق الثروات وإعادة توزيعها بشكل منصف وعادل؟ الجواب: لاشيء. إن الحكومة ماضية في تكبيد اقتصاد المملكة خسائر مالية فادحة، والتي سبق أن قدرناها في حركة «ضمير» ب475 مليار درهم على مدى خمس سنوات، جراء تطبيقها برنامجا حكوميا أقصى طموحه هو الوصول إلى وتيرة نمو اقتصادي محددة في 4 في المائة، في حين يطمح النموذج التنموي الجديد الذي لم تقم بتفعيله إلى الوصول إلى 6 في المائة على الأقل سنويا بدون انقطاع خلال 15 سنة.

اليوم، بعد مرور سنة من ولاية الحكومة، تبدو الحالة شبه كارثية، فإذا نظرت إلى الإحصائيات وتوقعات المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب بشأن 2022، ستجد أن معدل النمو الاقتصادي سيكون أقل من 1 في المائة، وهو مستوى أقل بكثير من طموح الحكومة المعلن في قانون مالية 2022 والمحدد في 3.2 في المائة، وهو ما يجعلني أجزم أن خسائر الاقتصاد الوطني ستكون أكبر من ال475 مليار درهم التي تحدثنا عنها في حركة «ضمير» إذا استمرت هذه الحكومة إلى نهاية فترة ولايتها.

واللافت للانتباه، أن الحكومة لم تتخذ في هذه السنة أي مبادرات هيكلية يمكنها تغيير وجه الاقتصاد الوطني، وكل ما تقوم به هو التدبير اليومي للمشاكل، ويتجلى ذلك في تخصيص 10 مليار درهم للقطاع الفلاحي كمصاريف عمومية بدون أي استراتيجية أو مبادرة أو فكرة جديدة للإقلاع بهذا القطاع، وصرف ملياري درهم لفائدة القطاعات المتضررة كالسياحة، وصرف أربع دفعات من الدعم للمشتغلين في نقل البضائع والمواطنين بمبلغ إجمالي يناهز 2.5 مليار درهم.

إن المطلوب من الحكومة هو القيام بالإصلاحات الهيكلية التي جاء بها النموذج التنموي الجديد، وذلك من خلال الرفع من مداخيل الدولة الضريبية والرفع من المداخيل المالية عبر تقوية نجاعة المقاولات والمؤسسات العمومية التي تخلق اليوم ثقبا في الميزانية العامة للدولة يناهز 26 مليار درهم سنويا، والتي استنزفت 200 مليار درهم من ميزانية الدولة في العشر سنوات الماضية، وأيضا إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، وتطبيق الإصلاح الضريبي، وإصلاح الأسواق المالية، وإصلاح القطاع البنكي، وإصلاح بنك المغرب بالانتقال من المهام الفريدة إلى المهام الثنائية، وتفكيك اقتصاد الريع المتمثل في مقالع الرمال ومأذونيات الصيد البحري وقطاع المحروقات وغيرها.

المشكل أن الحكومة تتبنى سياسة إطفاء النار فقط، والتي لن توصلنا إلى شيء، لأن المغرب يحتاج إلى إصلاحات هيكلية على المدى الطويل والتي سَتُعطي نجاعة للاقتصاد الوطني، وتساهم في تقوية المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتحقيق الشفافية في الاقتصاد الوطني، وتفتح الأسواق للمقاولين الشباب، وتُتِيح الولوج للطلبات العمومية من جميع المقاولات، وتفكك اقتصاد الريع وتحارب تضارب المصالح في الجهاز التنفيذي وفي مؤسسات الدولة وغيره.

هذه هي السياسة العمومية التي تحتاجها بلادنا، لكن الحكومة لم تتخذ أي مبادرات في هذا الاتجاه.

ألا ترى أن الظروف غير مهيأة لتنفيذ هذه الإصلاحات التي ذكرت من جانب الحكومة؟

المشكل أن الحكومة لم تنخرط في أي من الإصلاحات السالفة الذكر، كما لم تشرع في تنفيذ أي برامج هيكلية، وكل ما تقوم به هو إطفاء النار في المواقع التي توجد فيها مشاكل، وصرف أموال عمومية لترضية بعض الأطراف.

وعلى العكس من سؤالك، فإن الظروف مهيأة للحكومة لمباشرة الإصلاحات، لكنها لا تفضل الانخراط فيها لتكلفتها الباهظة ولكونها تعيد النظر في مصالح المستفيدين من الريع الاقتصادي والمالي والسياسي والإعلامي، لذلك تجدني مقتنعا بأن القيام بهذه الإصلاحات يحتاج إلى نخبة سياسية جديدة، وبأن تفعيل النموذج التنموي الجديد لن يتحقق بدون نموذج سياسي جديد، ينطلق من إعادة النظر في قوانين تسيير الأحزاب بإعلاء قيم الديمقراطية الداخلية والشفافية المالية، وتسقيف ميزانيات تمويل الحملات الانتخابية لضمان منافسة منصفة بين الجميع وتركيزها على قوة الأفكار والبرامج والقوة الإبداعية للشخصيات وليس قوة الحسابات البنكية، وأيضا من خلال ضمان استقلالية المؤسسات الدستورية الخاصة بالحكامة، وتجنب تضارب المصالح لرئيس وأعضاء الحكومة ورؤساء الجهات والمجالس المنتخبة وذوي المناصب العليا في الإدارات العمومية وكذا توسيع الصلاحيات الدستورية للحكومة والبرلمان وإعادة النظر في القوانين الانتخابية.

في ذات السياق، يجب خلق شكل من جدار الصين بين العمل السياسي والحكومي من جهة، وعالم المال والأعمال من جهة أخرى، علما أن عدم قدرة الحكومة الحالية على مباشرة الإصلاحات يعود إلى الذنب الأصلي الذي يميزها ويلاحقها، وهو تضارب المصالح في أعلى قمتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.