جيل مضى يعرف الصديق معنينو كنجم تلفزيوني في زمن ولادة التلفزيون المغربي، ولما كان هذا الجهاز يدخل كل بيوت المغاربة في سنوات الصراع السياسي، فإن الصحافي فيه تحول إلى شاهد قريب جدا من قلب صنع القرار في البلاد، وهكذا كان معنينو قريبا من الحسن الثاني في محطات مفصلية من تاريخ المغرب، وكان الملك يعتبر التلفزة سلاحه الخاص للانتصار لسياساته ضد المعارضة اليسارية التي كان سلاحها هو الصحافة المكتوبة. في هذا الحوار المطول، الذي ننشره عبر حلقات، يقربنا الصديق معنينو، الذي وصل إلى منصب مدير الإعلام والكاتب العام لوزارة الإعلام على عهد ادريس البصري، من أجواء الماضي التي ماتزال ترخي بظلالها على الحاضر، ويطوف بنا على الأجزاء الأربعة من مذكراته "أيام زمان".
عندما قال لي الحسن الثاني سأوزع أوسمة فإذا بها رشاشات
أذكر أن وزير الإعلام عبد الواحد بلقزيز أخبرني يوما واحدا قبل حفل ولاء سكان واد الذهب بأن الملك مهتم بالموضوع، وأنه علي أن أرافقه إلى القصر الملكي للإشراف على الإعداد لهذا الحدث الهام. فاجأنا الحسن الثاني عندما حضر إلى ساحة القصر، وسألني عن أماكن وضع الكاميرات، واقترح تغيير موقع واحدة منها، وقال لي : هذه حفلة تاريخية، لا بد من الاهتمام بها، سيشاهدها العالم"، ثم أضاف "سأخرج إلى الحفل قبل الغروب بلحظات، هذه هي العادة ، وسأقوم بتوزيع بعض الأوسمة، كونوا مستعدين ويقظين ...!".
اجتمعت مع الطاقم التقني، وأبلغته ما سمعته من الملك، وعدت إلى منزلي، حيث أعددت جذاذات حول وادي الذهب وقبائله وخصائصه.
كان الربورتاج الذي أنجزته مليئا بالمعلومات، حول البيعة في الإسلام وفي التاريخ المغربي، لكن الملك سيفاجئني حين شرع في توزيع الرشاشات عوض الأوسمة، محملا الذين بايعوه مسؤولية الدفاع عن الأرض ووحدتها. شعرت بقشعريرة تهز جسدي... كنت أتساءل مادام الملك يوزع السلاح علانية داخل القصر الملكي، فمعنى ذلك أن الأمور تدهورت إلى درجة أصبح معها السكان مطالبين بالدفاع عن الأرض، كانت رسالة الملك واضحة،" أنتم مغاربة، فعليكم أن تدافعوا عن مغربيتكم، عليكم أن تساندوا جيشكم وتتقدموا للاستشهاد..". غادر القادمون من الداخلة القصر الملكي بالرباط، حاملين البنادق والرشاشات... جاؤوا للبيعة وربط الصلة وها هم عائدون محملين بما تقتضيه البيعة من حقوق وواجبات.
شاهد الملك الربورتاج مساء ذلك اليوم على شاشة التلفزة المغربية، وكلم الوزير، وطلب منه إبلاغي بارتياحه ورغبته في ترجمة تعليقي إلى عدة لغات وإرساله إلى السفارات المغربية لاستغلاله... ذلك ما قامت به مصالح الأخبار بالتلفزة المغربية، حيث تمت ترجمة التعليق إلى الفرنسية والإسبانية والإنجليزية، ووزعنا ذلك الربورتاج صورة وصوتا على السفارات الأجنبية بالرباط والمنظمات الدولية وعلى سفاراتنا وقنصلياتنا بالخارج.