أكمل المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا هذا الشهر سنته الأولى مبعوثا للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بعد فراغ تركته استقالة هورست كوهلر الذي نجح في جمع الأطراف الأربعة حول طاولة واحدة في جنيف قبل المغادرة لأسباب شخصية كما قال. اليوم سيكون على الجميع مراقبة ما ستفضي إليه الجلسات الأربعة لمجلس الأمن المخصصة لملف الصحراء والتي ستختتم بالتصويت على مسودة قرار في نهاية أكتوبر بعد الاطلاع على تقرير دي ميستورا وتقرير إيفانكو قائد قوات "مينورسو"، وباختتام هذه الجلسات ستتضح الصورة كاملة عن العمل الذي قام به المبعوث الأممي خلال هذه السنة بعد إجرائه لجولتين إلى المنطقة ولقائه بعدد من المسؤولين خاصة الأوروبيين وآخرهم وزيرة الخارجية البلجيكية ووزير الخارجية الروسي.
وفي محاولة ل"الأيام24" لرسم خارطة واضحة لتحركات دي ميستورا ومضامين التقرير الذي يناقشه مجلس الأمن وتقييم أدائه الدبلوماسي وهو العائد من مهام شملت كوسوفو والعراق وسوريا وجنوب لبنان، تواصلنا مع الأستاذ الجامعي المتخصص في ملف الصحراء أحمد نور الدين ومع رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الانسان محمد سالم عبد الفتاح.
الخبير في العلاقات الدولية والمتخصص في ملف الصحراء أحمد نور الدين: بداية متعثرة قد تفشل مهمة دي ميستورا
عن تقييمه لأداء دي مستورا في عامه الأول وتوقعات مضامين تقريره إلى مجلس الأمن وقدرته على إعادة جميع الأطراف إلى طاولة الحوار، يعتقد أحمد نور الدين أنه "بدأ بداية متعثرة قد تجعل مهمته فاشلة".
وهنا يذكر خطأين توقّع أن تكون لهما تبعات على مسار التسوية: * الخطأ الأول يتمثل في تهرب السيد دي مستورا من إدانة تجنيد الأطفال وحملهم السلاح في مخيمات تندوف، وقد وثق ذلك بنفسه خلال زيارته الأولى لتندوف مباشرة بعد تعيينه في منصبه، وكنا ننتظر منه إدانة واضحة في القرار 2602 الذي جاء بعد تلك الزيارة، أو على الأقل في بيان باسمه كممثل شخص للأمين العام الأممي. لأنّ سكوته على خرق القانون الدولي على أكثر من وجه يعتبر تواطؤاً ويتطلب استفساراً إن لم نقل متابعة قانونية. والخرق هنا يهم أولاً عدم الفصل بين اللاجئين المدنيين وبين المليشيات المسلحة، وقد أقام زعيم الانفصاليين على شرف السيد دي مستورا استعراضاً عسكرياً للميلشيات داخل المخيمات في الرابوني، وهذا من غباء ابن بطوش والذين يتحكمون فيه من جنرالات الجزائر لأنهم أعطوا للمغرب وللعالم أدلة موثقة بالصوت والصورة على خرق القانون الدولي والدوس بالأقدام على اتفاقية 1951 والبروتوكول المكمل لها للعام 1967. والخرق الثاني يتعلق بالاتفاقية الدولية لحقوق الطفل سنة 1993 والبرتوكول الإضافي المتعلق بالزج بالأطفال في النزاعات المسلحة سنة 2002. حيث أظهرت التسجيلات أطفال المخيمات بزي عسكري يحملون الأسلحة تحت أنظار ممثل الأممالمتحدة. وهذا انزلاق خطير يستدعي المساءلة بل وطلب إعفاء المبعوث الخاص من منصبه قبل أن يتكرر سناريو روس الذي كان من البداية متواطئاً مع الجزائر وحذرنا متن ذلك سنوات قبل أن يطلب المغرب إعفاءه".
* الخطأ الثاني فيتمثل في محاولة دي مستورا خلق تقليد جديد وهو التنقل إلى العيون والجلوس إلى حفنة أو شرذمة من الانفصاليين اثبتت الوقائع أنهم عملاء للعسكر الجزائري ولا علاقة لهم بالنضال السلمي ومنهم المدعوة سلطانة خيي التي لها ايضاً صور موثقة وهي ترتدي الزي العسكري أثناء زياراتها للجزائر رغم أنها تقيم بالمغرب. وهذا الخطأ يعتبر استمراراً للنهج الذي وضعه كريستوفر روس لتهريب مسلسل التسوية من العمق الذي هو إيجاد حل سياسي واقعي ومتوافق بشأنه، نحو قضايا جانبية.
ثم يؤكد أن الأحداث بيّنت "أن كريستوفر روس كان يبيت شراً للمغرب من أجل قضم سيادته على الصحراء شيئاً فشيئاً من خلال مناقشة استغلال الثروات أو حقوق الإنسان وغيرها من القضايا، في الوقت الذي كان ينبغي فيه أن يعلن خلاصة المسلسل الأممي، ويدين بكل وضوح الجهة التي تعرقل مسلسل التسوية بدءاً من الانسحاب من لجان تحديد الهوية وبالتالي تفجير مسلسل الاستفتاء، ثم رفض مخطط بيكر الأول، وهي نفس الجهة التي رفضت مقترح الحكم الذاتي وهي الجهة التي كانت تخرق اتفاق وقف إطلاق النار طيلة الفترة الماضية من خلال تحركاتها داخل المنطقة العازلة وإجرائها مناورات واستعراضات للميليشيات في بير لحلو وغير ذلك من الأعمال العدوانية. كان هذا على عهد روس. ونفس الخطيئة السياسية يحاول الآن دي مستورا القيام بها فهو يحاول الانتقاص من السيادة المغربية بطلبه التنقل إلى العيون واللقاء بعملاء النظام الجزائري، بل بلغت به الصلافة أن يرفض اللقاء بممثلي المجتمع المدني والحقوقيين الذين اقترحهم المغرب".
كما يرى أحمد نور الدين في حديثه ل"الأيام24″ أن "الخطورة تكمن في قبول المبدأ من أساسه، لأن المشاورات حول الحل السياسي تتم في ثلاثة مواقع، أولا في الرباط للقاء حكومة المملكة صاحبة الأرض والتي تتعرض لعدوان يستهدف تقسيم أراضيها، ثانياً في الجزائر، عاصمة الدولة الراعية للمليشيات الانفصالية والتي منها تنطلق كل المؤامرات ضد وحدة المغرب، ثالثا، في تندوف للاجتماع مع الجبهة الانفصالية أو ما تبقى منها بعد دخول معظم قياداتها إلى الوطن الأم. وقد نزيد نواكشوط نظرا لوجود حدود معها ونظرا لارتباطها بالملف منذ نشأة الصراع. وأي قبول بلقاء جهة أخرى في العيون، سيكون انتقاصا من سيادة المغرب، وتشجيعا للانفصال، وفي نفس الوقت سيكون تهريبا لعمق النقاش إلى مساحات جانبية ستعطي الفرصة للمبعوث الأممي كي يتستر وراءها ويخفي فشله مثل سابقيه".
ولذلك يقول إنه من المفروض اليوم، وبعد أزيد من سنة على تعيين دي مستورا، أن يتضمن تقرير مبعوث الأممالمتحدة سبع نقط وهي كما يلي:
* أولاً: إدانة الجزائر على معاكستها لكل ما ورد في القرار الأخير 2602، حيث قوضت العملية السلمية وساهمت في إشعال لهيب التوتر ودفعت به إلى حافة الحرب، من خلال قطع العلاقات بشكل أحادي مع المملكة المغربية، وإغلاق الأجواء، والتصعيد الخطير على الحدود، والتصعيد في التصريحات الرسمية لرئيس وقادة الجزائر العسكريين والسياسيين، وهو ما يتناقض مع ما جاء في القرار الأممي من دعوة للجزائر بالانخراط بجدية في التسوية السلمية وتوفير الأجواء الملائمة لذلك.
* ثانياً: إدانة الجزائر على رفضها بشكل رسمي المشاركة في الموائد المستديرة التي دعا إليها القرار الأممي بكل وضوح.
* ثالثاً: إدانة الجبهة الانفصالية التي أعلنت العودة إلى السلاح، وبالتالي فقد أعلنت موت اتفاق 1991 ونهاية المسلسل الأممي.
* رابعاً: إدانة الأعمال العدوانية المسلحة التي تقوم بها الجبهة الانفصالية والتي تثبتها من خلال بيانات ميلشياتها المسلحة والتي تجاوزت 600 بيان عدواني، وهي أدلة غير قابلة للتشكيك، فالاعتراف سيد الأدلة كما هو معروف في القانون.
* خامساً: إدانة الجزائر على السماح للميلشيات الانفصالية بمهاجمة المغرب انطلاق من أراضي تحت الإدارة الجزائرية، وعلى توفير السلاح لها وكل أنواع الدعم اللوجستي والسياسي والإعلامي.
* سادساً تحميل الجزائر والجبهة الانفصالية كامل المسؤولية عن فشل المسلسل الأممي وكل تبعات هذا الانزلاق نحو التصعيد في المنطقة.
* سابعاً: الإعلان رسميا في القرار الأممي المقبل عن نهاية مسلسل التسوية في صيغته الحالية والتي بدأت مع اتفاق 1991، كما فعل كوفي عنان حين أعلن عن انتهاء الاستفتاء في تقريره سنة 2004.
وبعد ذلك، يختم أحمد نور الدين: "على الأممالمتحدة الدخول في نقاش مع المغرب حول الصيغ المحتملة لخطة جديدة أو إخراج الملف نهائياً من مجلس الأمن وإعادته إلى الجمعية العامة كما حدث من قبل في العديد من النزاعات".
رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الانسان محمد سالم عبد الفتاح: في السنة الأولى احترقت ورقة البوليساريو في لعبة الحرب بالوكالة
ويتوقع رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الانسان أنه بعد عام في الصحراء لن يخرج تقرير الأمين العام للأمم المتحدة "عن المقاربة العقلانية التي تبنتها الاممالمتحدة السنوات الاخيرة والمتمثل في دعوتها للتوصل للحل العقلاني والواقعي القابل للتطبيق عبر الطرق السلمية والتي تتقاطع مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي".
ثم يؤكد أن "التقرير سيسجل التطورات الهامة التي شهدها الملف طوال السنة الأخيرة، والتي كرست حالة الحسم التي يحققها المغرب بخصوص النزاع، خاصة ما يتعلق بمعركه الاعتراف الدولي وبالتطورات الميدانية على الأرض، حيث يستمر مسلسل افتتاح القنصليات الاجنبيه في مدينه العيون والداخلة، في أرقى تجسيد للاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، كما تتوالى مواقف القوى الدولية الوازنة المؤيدة للمغرب، والتي تشيد بمبادره للحكم الذاتي. فضلا عن سحب عديد الدول لاعترافاتها بالكيان الإنفصالي".
أما ميدانيا، يصيف محمد سالم عبد الفتاح :"ففي حين يرسخ المغرب سيادته على أرض الواقع، من خلال تكريس حالة الإستقرار المسجلة في الاقاليم الجنوبية، ومخططاته التنموية والمناخ الاستثماري الواعد فيها. تفشل الدعاية الحربية للبوليساريو، ويبرز دورها المقوض للأمن في المنطقة، نتيجه حالة التسيب والفوضى التي تشهدها مخيمات تندوف نتيجة تغلغل العصابات جريمه المنظمه وارتباطها بالجماعات المسلحه المنتشره في بلدان الساحل. في ظل تنكر الجزائر لمسؤوليات الملقاه على عاتقها إزاء من يفترض أنهم لاجئون داخل ترابها الاقليمي، عبر تفويض غير شرعي للسلطاتها على تندوف لتنظيم انفصالي مسلح غير دولتي".
ويلفت المتحدث ذاته في تصريح ل"الأيام24″ إلى أنه "خلال السنة المنصرمة من عمل البعثة الأممية في الصحراء احترقت ورقة البوليساريو ضمن لعبة الحرب بالوكالة التي تشنها الجزائر ضد مصالح المغرب وحدته الترابية، في ظل تنصل الجزائر من المسؤوليات الملقاة على عاتقها باعتبارها طرف معني مباشر في النزاع، حيث لا تزال ترفض الاستجابة لدعوة الأمين العام الأممي ومجلس الأمن الدولي، بمشاركتها في الطاولات المستديرة للتفاوض حول الحل السياسي".
وفي الأخير يعود رئيس المرصد الصحراوي إلى مأساة مخيمات تندوف قائلا: "لا تزال الأوضاع الإنسانية في مخيمات تندوف تحظى باهتمام وقلق الأمين العام الأممي والدول أعضاء مجلس الامن أيضا، حيث تتفاقم معاناة قاطنين تلك المخيمات، في ظل تراجع المساعدات الإنسانية نتيجة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية و جائحة الكوفيد 19، لكن ما يفاقم تلك المعاناه هو النهب المنهج للمساعدات الانسانيه والذي يتورط فيه قيادات البوليساريو ومسؤوي الجيش الجزائري، بحسب عديد التقارير الدولية، كما يرتبط بأنشطة التهريب الغير قانوني، وبخطوط إمداد الجماعات المسلحة في بلدان الساحل".