جيل مضى يعرف الصديق معنينو كنجم تلفزيوني في زمن ولادة التلفزيون المغربي، ولما كان هذا الجهاز يدخل كل بيوت المغاربة في سنوات الصراع السياسي، فإن الصحافي فيه تحول إلى شاهد قريب جدا من قلب صنع القرار في البلاد، وهكذا كان معنينو قريبا من الحسن الثاني في محطات مفصلية من تاريخ المغرب، وكان الملك يعتبر التلفزة سلاحه الخاص للانتصار لسياساته ضد المعارضة اليسارية التي كان سلاحها هو الصحافة المكتوبة. في هذا الحوار المطول، الذي ننشره عبر حلقات، يقربنا الصديق معنينو، الذي وصل إلى منصب مدير الإعلام والكاتب العام لوزارة الإعلام على عهد ادريس البصري، من أجواء الماضي التي ماتزال ترخي بظلالها على الحاضر، ويطوف بنا على الأجزاء الأربعة من مذكراته "أيام زمان".
كواليس خطب الملك المتلفزة توقفت في أحد أجزاء مذكراتك " أيام زمان" عند خطب الحسن الثاني التي ذكرت أنها نوعان، واحدة منها فقط مكتوبة، في حين كانت البقية كلها مرتجلة، كيف كانت الطقوس التي كان الملك الراحل يهيء ويقدم فيها خطبه التي كنت شاهدا على الأجواء التي تمت فيها العديد منها؟ كان للحسن الثاني نوعان من الخطب، كانت هناك الخطب التي يرتجلها، وأنا كنت أعرف أنه كان يعتكف لمدة يومين أو ثلاثة قبل موعد الخطاب، وكان يضع شبه مخطط لما سيقوله، كان يرتب الأفكار في ذاكرته، وكانت له رسائل يوزعها على مراحل الخطاب،ً وكان يبدأ خطابه بكلمات كعادته، يضمن بها نوعا منالاستقرار عند المتلقي قبل أن يفاجئ شعبه بعد ذلك بإعلانه عن القرار موضوع الخطاب. هذا فيما يخص الخطب المرتجلة، أما النوع الثاني من خطبه، فتلك التي كان يقرأها مكتوبة، وكانت نادرة جدا، هذا إن لم أقل إنه كان يقرأ هذا النوع من الخطب مرة واحدة السنة، وذلك بمناسبة عيد العرش، وكانت خطب عيدالعرش خطبا تقليدية يحكي فيها عما تم إنجازه في السنة الماضية، في مختلف المجالات. وكان فعلا يتضايق من تلك الخطب، فهو كان لا يحب قراءتها، وكان يسجلها قبل ذلك بأربع وعشرين ساعة، حتى يتفرغ للاستقبالات في يوم الاحتفال. وقد حضرت عددا كبيرا من هذه الخطب، فقبل أن تذاع، كان يقال للإعلان عنها: صاحب الجلالة سيلقي خطابا ابتداء من الساعة الثامنة، أي لم يكن هناك موعد محدد، كان المرء يجد نفسه ابتداء من هذه الساعة أمام شاشة التلفزيون، وكان هذا يخلق لنا أزمة، بحيث لم يكن ممكنا في انتظار الخطاب الملكي عرض فيلممثلا، لذلك كنا نلجأ لتقديم أغانٍ وطنية. هذه الخطب كان يحضرها في بداية الستينيات والسبعينيات عدد كبير من الوزراء والمستشارين و والضباط وأطباء وغيرهم، ولكن الملك أخذ يقلص من عدد الحضور حتى أصبح لا يتعدى خمسة أو ستة أشخاص، وكان هذا الحضور بعدده الكثير، يظل جالسا لمدة ساعة أو ساعة ونصف حتى ينتهي الملك من خطابه،وبطبيعة الحال كان كل مرة يسعل أحد الحاضرين، أو يحرك كرسيه، حيث كان ذلك يظهر أحيانا في بعض الخطب التي كان يبدو فيها الحسن الثاني وهو يدير وجهه نحو جهة ما كأنه يؤنب ذلك الشخص. وأذكر أن الملك مرة وقبل أن يبدأ خطابه، وكانت نفسيته رائقة توجه للحضور قائلا: من أراد أن يسعل أو يحرككرسيه فليفعل ذلك الآن". كان هذا هو الجو العام الذي تمر فيه هذه الخطب.