بعد إعلان نتائج سباق الإليزيه بوصول المرشح الوسطي إيمانويل ماكرون إلى قمة الهرم السياسي الفرنسي، تسطر فرنسا من جديد تاريخا سياسيا بانتخاب أصغر رئيس في تاريخ الجمهورية الخامسة لا ينتمي إلى الأحزاب التقليدية. الرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون، أعلن أن العاصمة المغربية الرباط، ستكون أول مكان يزوره بعد انتخابه رئيسا لفرنسا تعبيرا عن متانة علاقات بلاده مع المغرب، مشيرا في وقت سابق قبل انتخابه، أن اختيار المغرب كمحطة أولى هي بمثابة العربون المعبر عن عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. في هذا التقرير يكشف الإعلامي والمحلل السياسي مصطفى الطوسة عن تأثير فوز ماكرون برئاسة فرنسا على حساب مارين لوبان، ويحلل دلالة زيارة الملك محمد السادس لفرنسا قبيل الانتخابات النهائية، كما يوضح استراتيجية البلدين سياسيا واقتصاديا مستقبلا. •كيف سيؤثر فوز ماكرون على العلاقات مع المغرب؟
لا أحد يتوقع أن تكون هناك منعطفات حادة أو تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الفرنسية وفي العلاقات المغربية الفرنسية، الكل يتوقع أن تكون هناك استمرارية للدبلوماسية التقليدية للفرنسيين اتجاه المغرب، وصراحة بالنظر إلى الفريق الذي يشتغل مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذين يتضمن مغاربة، أو المواقف التي عبر عنها مؤخرا فقد كانت عقلانية ومعتدلة ومتوازنة بالنسبة للعلاقة مع بلدان المغرب العربي، فمثلا بالنسبة للقضية الوطنية فأظن أن ماكرون من الشخصيات السياسية التي أظن أنها ستتفاعل بشكل إيجابي مع المقترحات التي يطرحها المغرب على المنتديات الدولية وهو أن الحل لهذه القضية يمر عبر اقتراح الحكم الذاتي الذي يدافع عليه المغرب عالميا سواء تعلق الأمر بالأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الإفريقي، إذن أعتقد أن شخصية وقناعات ومقاربات إيمانويل ماكرون كلها تقول أن هذا الرجل يمكنه أن يتجاوب بطريقة إيجابية وعقلانية مع هذه الملفات بشكل يحمي مصلحة فرنسا في المنطقة.
• اقتصاديا، هل ستتطور العلاقات المغربية الفرنسية أكثر؟
يمكننا أن نتوقع أن تعرف العلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا زخما كبيرا مع تولي ماكرون الرئاسة، لأن هذا الأخير من بين السياسيين الذين يطمحون إلى إعطاء بعد كبير للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول المغرب العربي وبين المجموعات الإقليمية المتوسطية والإفريقية، فهو يعتقد، من خلال حملته الانتخابية، أنه يجب إقامة شراكات اقتصادية استراتيجية مصيرية مع هذه الدول وعلى رأسها المغرب الذي ينظر إليه ماكرون كأحد البلدان التي تتزعم القارة الإفريقية، ومن المتوقع انطلاقا من تصريحاته خلال الحملة الانتخابية، أن تعرف العلاقات المغربية الفرنسية زخما أكبر من ذلك التي عرفته في عهد نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، والكل يتوقع أن يستثمر هذا الرجل في العلاقات الاقتصادية لأنه يعتقد بأن الاقتصاد المربح من شأنه أن يطفئ لهيب بعض الأزمات وأن يخرج الناس من الهامشية التي يعيشونها وأن يدمجهم في نظام العولمة الذي أصبح أيقونتها السعيدة كما كان يقول عنه منافسوه.
• ما هي دلالة زيارة الملك الأخيرة لفرنسا ؟ وما هي الرسائل التي أراد توجيهها للرئيس ماكرون؟
اللقاء الذي جمع الملك محمد السادس مع الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند في قصر الإليزيه كان يحمل عدة رسائل للحاضر والمستقبل، نعلم جميعا أن الملك محمد السادس كان أول رئيس دولة التقى بفرانسوا هولاند وهو آخر رئيس دولة يلتقي به ليودعه، لقد كان لقاءا سياسيا بكل ما تحمل الكلمة من معنى بين الرجلين تدارسا فيه مواضيع هامة وأساسية مثل مكافحة الإرهاب والتحديات المناخية المتمثلة في الاحتساب الحراري، كذلك حمل اللقاء رسائل مستقبلية مفادها أن العلاقات المغربية الفرنسية هي استثنائية كيفما كان ساكن الإليزيه، وهذا يؤشر إلى نوعية الروابط التي يمكن أن تجمع بين البلدين تحت إدارة ماكرون وتؤسس هذه العلاقة المقبلة بين الطرفين. خير دليل على ذلك ان جلالة الملك محمد السادس كان اول زعيم وجه رسالة تهنئة لامانويل ماكرون ضمنها عبارات قوية حول شخص الرئيس الفرنسي الجديد و حول متانة و عمق الشراكات الاستراتيجية التي تطبع العلاقات بين المغرب و فرنسا.
• كيف ستتعامل المملكة في نظرك بعد فوز إيمانويل ماكرون ؟
على غرار باقي عواصم الاتحاد الأوروبي والمنطقة المغاربية، لا شك أن المملكة المغربية تنفست الصعداء بعدما وصل شخص وسطي معتدل عقلاني وتبوأ منصب الرئيس الثامن للجمهورية الخامسة، لأن وصول التطرف السياسي والشعبوية على رأس أكبر سلطة في فرنسا من شأنه أن يكون مصدر قلق لدولة تريد أن تلعب دورا رياديا في منطقة البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، لكن وصول ماكرون الذي عرف بعقلانيته وحسه المسؤول و بقدرته على التوصل إلى تحالفات توافقية و طموحه المعلن لبناء جسور التواصل و التعاون من شأنه أن يطمئن المملكة ويجعلها مرتاحة لمستقبل العلاقات مع فرنسا.