بعد ثلاثة عقود كاملة، يبدو أن العلاقة الدبلوماسية بين المغرب وكولومبيا ماضية في طريقها إلى نقطة الصفر، بعدما عاد الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بترو أوريغو ليعترف من جديد بجبهة البوليساريو وذلك في أولى القرارات التي اتخذها مباشرة بعد وصوله إلى السلطة، معلنا استئناف العلاقات المجمدة بين بلاده وجبهة البوليساريو. تراجع كولومبيا عن موقفها الداعم للمغرب في ملف الصحراء، والاصطفاف من جديد في صف جبهة البوليساريو، يتزامن وصعود موجة التيارات اليسارية إلى الحكم في مجموعة من دول أمريكا اللاتينية التي كانت خلال العقود الماضية بمثابة حصن للأطروحة الجزائرية ومعها جبهة البوليساريو، ما يفرض وفق مراقبين تحد كبير أمام الدبلوماسية المغربية لاستجماع القوى والدفع بسياسة التقارب الاقتصادي والسياسي مع الدول اللاتينية لانتزاع مواقفها الداعمة لمغربية الصحراء أولا، وإبعادها عن الضغوط الجزائرية لاستمالة دعمها للجبهة، ثانيا.
وتشكل عودة أحزاب اليسار إلى الحكم في دول أمريكا اللاتينية تحديا للمغرب، بحسب عبدالعالي الكارح أستاذ القانون العام، إذ اعتبر أن الرباط التي تسعى إلى تضييق الخناق على البوليساريو وأطروحتها الانفصالية، من خلال تفتيت المواقف والقواعد لتجمع الدول المساندة للجبهة، عبر استعمال الآلية الدبلوماسية، سواء في إفريقيا أو أوروبا الشرقية أو أمريكا الجنوبية، (الرباط) تجد نفسها اليوم في موقف يتطلب توظيف نوع من وسائل الضغط السياسي، خاصة بالورقة الاقتصادية.
وأضاف أن المغرب يعلم أن اليسار في أمريكا الجنوبية الداعم للبوليساريو، هو يظل نشيطا على المستوى السياسي، أي أن عودته إلى السلطة ليست بالمفاجئة للرباط، وحتى خطوة كولومبيا بالاعتراف بجبهة البوليساريو كدولة، هي خطوة منتظرة لما يسيطر على المشهد السياسي هناك من تنزاع لتيارات الشعبوية والردكالية. موضحا أن المغرب يفهم الخريطة السياسية هناك، ولهذا سبق للمغرب أن تحرك إلى جانب أحزاب اليمين ذات الخطاب العقلاني والدبلوماسي، حيث دعم في وقت سابق الحركة التي ينتمي إليها خوان غوايدو الذي أعلن نفسه رئيسا لفنزويلا، قبل أن يفشل في مساعيه للوصول إلى السلطة، ثم الوقوف إلى جانب اليمين في بوليفيا.
وبالقرب من كولومبيا هناك الشيلي، الذي يتعرض رئيسها الجديد، غابرييل بوريك وهو من اليسار الراديكالي، لحملة ضغط قوية من عدد من السياسيين والمثقفين للاعتراف بالبوليساريو كدولة. ويعد الرئيس بوريك من المتعاطفين مع جبهة البوليساريو، ولا يمكن استبعاد كسره التقليد المتبع والإقدام على الاعتراف.
البيرو التي اعترفت خلال شتنبر الماضي بالبوليساريو ، وذلك بعد وصول اليسار إلى السلطة ممثلا في بيدرو كاستيو. من جانبها أعادت هندوراس الاعتراف بالبوليساريو كدولة خلال فبراير الماضي مع وصول الرئيسة اليسارية إيريس كسيومارا كاسترو إلى رئاسة البلاد.
وشدد المحلل السياسي، على أن الجزائر تبحث نقل صراعها الدبلوماسي من أوروبا وإفريقيا إلى أمريكا الجنوبية، على أمل أن تخطف دعما كبيرا وتستبق المغرب وتشكل حلف يصد الاختراق الدبلوماسي المغربي لها، حيث تبحث اليوم على استمالة البرازيل إلى الاعتراف مع العودة المرتقبة للولا دا سيلفا إلى رئاسة البلاد خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة. إذ سبق للبرلمان البرازيلي قد طالب سيلفا بالاعتراف بجبهة البوليساريو، لكن الرئاسة البرازيلية فضلت الاستمرار في دعم الأممالمتحدة.