يعود الود بعد جفاء في العلاقات الاسبانية المغربية، متنقلا بين توتر حقيقي وقطيعة تقنية إلى أخرى سياسية، دامت شهور، على خلفية المواقف "الرمادية" لإسبانيا تجاه قضية الصحراء المغربية، مواقف سرعان ما تكشفت وعاد البلدان إلى التماس الدفئ الدبلوماسي، وتبادل خطابات التهدئة من خلال دعم علني اسباني للمغرب في مقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية. تحول فجائي، يجر خلفه سؤالا عريضا عن المواقف السائدة بعيدا عن حكومة سانشيز، بمعنى موقف الطبقة السياسية والمثقفة والدولة العميقة في اسبانيا تجاه هذا الموقف الجديد، وما إذا كان قادرا على الصمود والإستمرارية حتى بعد رحيل حكومة بيدرو سانشيز الاشتراكية.
وفي محاولة لتفكيك البنية السياسية في الداخل الإسباني، واحتمال أي تغيير في الموقف بعد رحيل حكومة بيدرو سانشيز. يقول عبد العالي الكارح أستاذ القانون العام في حديثه ل "الأيام 24" إن "المعضلة الكبرى في العلاقات الإسبانية المغربية، أنها تخضع لمصالح وقتية وراهنية، وهذا يعيد التوتر وحالة الجمود إلى نقطة الصفر، أي أنه كلما طرأ تحول في النظام السياسي بمدريد ينعكس مباشرة على طبيعية العلاقات ونسقها، فالإشكال أعمق إذ يرتبط برغبة صانع القرار الحقيقي هناك في استدامة الهوة والخلاف الذي تغذيه النزاعات الترابية".
ويضيف المتحدث ل"الأيام 24″ أن "هناك تيار تاريخي في اسبانيا يؤسس فكرته على معاداة تاريخية للمغرب الذي يهدد في نظرهم سلامة اسبانيا، ومن ثم فهذا التيار يجد جذوره الفكرية في تاريخ الفكر السياسي الإسباني، الذي يدعو في شق منه إلى حرمان المغرب من صحرائه ومدينتي سبة ومليلية".
"وهناك بالمقابل تيار وسط يرى في المغرب الشريك الذي يجب مساعدته على استعادة الصحراء، شريطة صمته على سبتة ومليلية إلى الأبد، يضيف أستاذ القانون العام، وهذه هي المعادلة السياسية التي يراهن عليها هذا التيار، من أجل الحفاظ على مصالح اسبانيا العليا والمحافظة على العلاقات السياسية والدبلوماسية مع المغرب في مستوى حذ، ويساعد على دمقرطة المغرب، ما سيساعد على تقدم كبير في العلاقات"، يتابع المتحدث.
في المقابل "نجد شقا في الدولة العميقة في اسبانيا، يدعو إلى التعاون مع المغرب لبسط سيادته على الصحراء والاعتراف بذلك دوليا، في المقابل تأجيل مطلب استعادة سبتة ومليلية حتى ينضج الملف، ويكون هناك اتفاق حول صخرة جبل طارق بحكم ارتباط الملفين ببعضهما بعضا"يقول عبد العالي الكارح، "ويرى هذا التيار في المغرب شريكا رئيسيا، وينطلق من فكرة أن مغربا متقدما وقويا ومرتبطا أشد الارتباط بأوروبا، سيساعد على تغليب الحوار وستبقى إسبانيا دائما شريكه الرئيسي تجاريا وسياسيا، كما كانت قبل حرب تطوان سنة 1859".
وتابع "حالة الإنقسام في النظام السياسي الإسباني بشأن العلاقات مع المغرب، يجد ضالته أيضا في المؤسسة العسكرية، التي يحمل تيار منها هاجس الريبة من الرباط وأي خطوة في ما يرتبط بالتسلح المغربي تجد صدا واسعا في الداخل الإسباني، وهو مؤشر على منسوب التوتر والحيطة التي يتخذخا الفاعل الإسباني، وهنا يمكن القول إن معطيات تشير إلى أن الدولة العميقة الإسبانية لا مانع لديها من الإعتراف بمغربية الصحراء شرط توافر ضمانات كافية في ملفي المدنيتين المحتلتين سبتة ومليلية والجزر الجعفرية".
يذكر أن المغرب تعهد في أعقاب انسحاب اسبانيا من الصحرا ءالمغربية سنة 1975، بعدم طرح ملف سبتة ومليلية لمدة عقد حتى تنتهي إسبانيا من الانتقال الديمقراطي، ولهذا، طرح الملك الحسن الثاني سنة 1987 خلية تفكير حول مستقبل المدينتين، أي بعد نجاح الانتقال الديمقراطي في إسبانيا. واستجابت إسبانيا بطريقة غير مباشرة من خلال تأسيس خلية ابن رشد في بداية التسعينيات، وقام اليمين الإسباني بإفراغها من أي مضمون.