في تطور لافت للعلاقات المغربية الإسبانية بعد حوالي سنة من الجمود الدبلوماسي والتوتر الحذر، يعود البلدان إلى سكة تذوب جليد الخلاف الذي شكلت قضية الصحراء المغربية وموقف الحكومة الإسبانية منه " الحجر العثرة في الأخذ بنسق العلاقات إلى الأمام، فإسبانيا التي ظلت تلتزم حياد سلبي في أحيان واصطفاف إلى الرواية الإنفصالية في أحيان أخرى تقدر اليوم بتعديل البوصلة السياسية والإقرار بأن ما قدمه المغرب من حلول لحل النزاع المفتعل الأكثر جدية ومصداقية، لتدفع بذلك اسبانيا علاقات الجانبين على طريقها الصحيحة وتصلح ما أفسدته الحسابات والتواطئات لعقود. إقرار إسبانيا بنجاعة مقترح الحكم الذاتي في حل ملف الصحراء المغربية، بالقدر الذي أعاد التوازن إلى العلاقات المغربية الإسبانية، فقد اختل بنظيرتها الإسبانية-الجزائرية، بعدما استشاط حكام الأخيرة غضبا من القرار المذكور، معتبرين إياه "انقلاب مفاجئ وتحول في موقف السلطة الإدارية، ومن ثم اتخذ نظام عبد المجيد تبون قراره باستدعاء سفيره هناك فورا للتشاور"، ما يطرح سؤال عريضا، ما الذي يزعج الجزائر أو بالأحرى ما يضرها من الموقف الإسباني الجديد؟.
السؤال يستجد كل ما نجح المغرب في تضييق الخناق وكسب التأييد الدولي والعواصم الكبرى بعدالة قضيته الأولى، وبالتالي مواصلة نجاح دبلوماسيته الخارجية التي قلبت المعادلا والتوازنات قاريا ودوليا..وضع يدفع بالجزائر إلى مرتبة "مدبر الخلاف" على اعتبار أن ما تعرفه قضية الصحراء المغربية من تصاعد في وتيرة الإعترافات لا ترضى عنه الجزائر وتستشعر أن زمن طويلا من احتضان جبهة "البوليساريو" في اتجاه التحييد والإندثار.
وعن هذا يقول محمد يحيى أستاذ العلاقات الدولية بطنجة، أن سرعة استدعاء الجزائر لسفيرها بالجزائر بعد يوم واحد من إقرار الحكومة الإسبانية بفعالية المقترح المغربي للحكم الذاتي، هو تأكيد على أنها الطرف الأساسي في النزاع المفتعل، ورغم قولها أنها فوجئت بالقرار، لكن الخكومة الإسبانية نفت الموضوع وقالت بأنها أبغلت نظام عبد المجيد تبون بما تعتزم القيام به.
في هذا الأمر قراءة أن "النظام السياسي في الجزائر ينظر إلى تغير الوقائع والمواقف بعين الخروج عما كان بالأمس القريب تقليدا، مثلا دأبت على نهجه إسبانيا أكثر من 47 عام". وهنا نتساءل لماذا لم تستدعي الجزائر سفيرها في ألمانيا بعد دعمها للمقترح المغربي؟، يضيف المتحدث في اتصال مع "الأيام 24" هنا يجب أن نعود للتاريخ فالموقف الإسباني يكاد يكون أكثر قوة وفعالية من جميع المواقف المعبر عنها من العواصم الكبرى وقد يتجاوز في ميزان الأرقام والتاريخ اعتراف واشنطن بسيادة المملكة على أراضيها، فمدريد ظلت على موقفها الرمادي طيلة 47 عاما، كما أنها تعتبر المستعر السابق في الصحراء المغربية.
وهذا الإقرار الإسباني يمكن قرائته باعتراف ضمني بسيادة المغرب على وحدة أراضيه على اعتبار مطلع على تاريخ المنطقة أولا، وتعي أهمية القضية بالنسبة للمغرب، نهيك على أنها تعد من أصدقاء الصحراء ولها دور في مجلس الأمن وكل القضايا المتعلقة بالمشاورات في هذا الصدد، إلى جانب فرنسا وبريطانيا وروسيا والولايات المتحدةالأمريكية، وفق محمد يحيى.
أيضا هناك جانب مهم "لايجب أن يغفل أن السياسات الخارجية وعلاقات الدول فيما بينها تتحكم بها لغة المصالح، إذن فالدافع لإنهاء الأزمة بين اسبانيا والمغرب التي اندلعت منذ استقبال مدريد لزعيم الجبهة الإنفصالية للعلاج من كورونا وما تبع ذلك من توتر دبلوماسي، كان هو ترطيب العلاقات وتذويب الخلاف والحفاظ على المصالح المشتركة المرتبطة بملفات الهجرة وملف القنلية الكتالونية التي كانت تعتزم حكومة الأخيرة تدشينها هنا بالمغرب".
يأتي هذا، يقول المتحدث، في ظل مايسمى بإعادة تموقع للمواقف الدولية تجاه من مجموعة من القضايا، فالجزائر التي تعتبر نفسها اليوم بعيدة عن الملف، بيد أن واقع الحال والممارسة تنفي عكس ذلك تماما، لاسيما وأن الوضع الدولي يعرف نوع الجري وراء المصالح ونحن نرى كيف تتغير المواقع اليوم على مستوى الحرب الروسية الأوكرانية وتأثير ذلك على النسق الدولي والسوق العاليمة للنفط والغاز.