تمر العلاقات المغربية الاسبانية في هذه الفترة، بمرحلة يسودها التوتر والتوجس، بسبب إقدام الجارة الاسبانية على استقبال زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي في أراضيها بدعاوي إنسانية. وعبر المغرب عن أسفه من خلال هذه الخطوة، وطلب استفسارا من قبل السفير الاسباني المعتمد بالرباط، بعد استضافة إسبانيا على ترابها غالي، المتهم بارتكاب جرائم حرب خطيرة وانتهاكات جسيمة.
فإلى أين ستصل حدة التوتر بين البلدين، وهل يمكن أن يقطع المغرب علاقاته الاستراتيجية مع اسبانيا، على اعتبار أن قضية الصحراء المغربية خط أحمر لا يمكن تجاوزه .
حسن بلوان، المحلل السياسي المتخصص في العلاقات الدولية والصحراء، قال في تصريح ل" الأيام24″، ان العلاقات المغربية الاسبانية تعيش ادنى مستوياتها منذ مدة، بحكم حجم القضايا الخلافية وتباين وجهات النظر في مجموعة من القضايا وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية.
وأوضح أن هذه العلاقات تزيد تعقيدا منذ معارضة اسبانيا للاعتراف الامريكي بسيادة المغرب على صحرائه، مما أثار حفيظة المغرب بلغت حد تأجيل اللجنة العليا المشتركة لمرات عديدة.
لكن، يضيف المحلل السياسي، النقطة التي أفاضت الكأس هي استقبال اسبانيا المدعو ابراهيم غالي زعيم البوليساريو على أراضيها للعلاج، مما يطرح اكثر من علامة استفهام حول النوايا الاسبانية وتموقعها اتجاه قضية المغرب والمغاربة الاولى وهي الصحراء المغربية.
وأكد بلوان، أن تحجج اسبانيا، بالدواعي الانسانية لاستقبال زعيم انفصالي يضرب في العمق مصداقية الجارة الشمالية ويزيحها عن الحياد الذي تدعيه في ملف الصحراء، كما يضرب في سمعة القضاء الاسباني الذي لم يحرك دعاوي المتابعة التي تقدم بها مجموعة من الاشخاص والهيئات ضد المدعو ابراهيم غالي في قضايا ارهاب وتعذيب واختطاف وانتهاك للحريات والحقوق، وهذا يسائل مصداقية القضاء الاسباني ويطعن في نزاهته.
وزاد المتحدث بالقول، إن اعتراف الحكومة الإسبانية بتواجد غالي على التراب الإسباني ، يؤكد ضمنيا على أنها نسقت بشكل قبلي مع الجزائر والجبهة الانفصالية مسألة دخول غالي الى ترابها بهوية غير حقيقية وجواز سفر مزور، وهو الأمر الذي يتطلب فتح تحقيق عاجل من لدن السلطات الإسبانية.
وأكد المحلل السياسي، أنه في الوقت الذي تسارع فيه دول العالم العظمى لدعم الوحدة الوطنية المغربية، والانخراط الايجابي في إيجاد حل سياسي متوافق عليه، لا زالت اسبانيا تغرد خارج السرب وتمارس ضغطا مكشوفا على المغرب في قضية حساسة من حجم ملف الصحراء.
لذلك، يوضح بلوان، جاء رد فعل وزارة الخارجية المغربية ليضع النقاط على الحروف والذي وصل حد استدعاء السفير الاسباني للتعبير عن أسف المغرب وإحباطه من الاجراءات والتحركات الاسبانية التي بدأت تتراكم ضد المغرب، وتصب في مصلحة خصومه واعدائه إن لم تكن في تنسيق تام معهم.
وأورد بلوان، في حديثه للموقع، أن هذا الاجراء والبيان جاء ليذكر اسبانيا بأن المغرب يتفاوض ويدبر ملف الصحراء من موقع مريح بعد النجاحات الدبلوماسية الاخيرة، التي مكنته من امتلاك مجموعة من أوراق القوة والضغط على اسبانيا وبعض الدول الاوربية الاخرى التى تساير الطرح الانفصالي.
وأضاف أن المغرب حاول أن ينبه الجارة الشرقية -بلهجة شديدة دون أن تصل الى التنديد- بأن الشراكة الاستراتيجية والتعاون الشامل وحسن الجوار لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يكون على حساب قضية الصحراء والسيادة المغربية، خصوصا مع دينامية وجهود دولية تسعى لحل هذا الملف المفتعل.
والدليل على ذلك، يؤكد المحلل السياسي، تأجيل القمة المغربية والاسبانية أكثر من مرة، وتجميد التفاوض والحوار في مجموعة من الملفات الحساسة بالنسبة لاسبانيا خاصة الهجرة والاقتصاد وترسيم الحدود…
وبالتالي، يبرز بلوان، فالمغرب يتطلع من اسبانيا انخراطها الايجابي ولعب دور أكثر فعالية في ملف الصحراء، ويضغط من أجل مواقف اسبانية أكثر وضوحا وتوازنا بدل الغموض والتلكؤ الذي يساند ظاهريا حلا امميا، لكنه ينسق في الخفاء مع الجزائر وجبهة البوليساريو.
وأضاف المحلل السياسي، أنه بالإضافة الى ما سبق، فموقف وبيان وزارة الخارجية المغربية شكل دعوة صريحة ومباشرة من أجل تحريك الدعوى القضائية ضد زعيم الانفصال كورقة ضغط لإخراج الدولة الاسبانية أمام المجتمع الاسباني والاوربي، فكيف يتم السماح للمدعو ابراهيم غالي الدخول الى الاراضي الاسبانية وهو موضوع مذكرة بحث قضائية، بل أكثر من ذلك دخل بهوية مزورة كما يتسلل الارهابيون والمجرمون، مما يسائل مصداقية جميع المؤسسات الاسبانية والسياسية والقضائية والأمنية.
وخلص بلوان بالقول أنه، على الرغم من هذا كله، لا يمكن الحديث عن قطيعة في العلاقات المغربية الاسبانية التي توصف بأنها استراتيجية لكلا الطرفين، ورغم ان بيان وزارة الخارجية المغربية كان شديد اللهجة الا أنه لم يصل الى حد التنديد والشجب، وهو بمثابة إعادة التذكير وإثارة الانتباه، عبر من خلاله المغرب عن الاسف والانزعاج من نهج اسبانيا ومواقفها الاخيرة حول الصحراء المغربية.