سلوى الزرهوني: مستقبل الإسلام السياسي غامض.. والسلطوية تتغذى على دعم خارجي    الرباط.. إطلاق النسخة الأولى من "هاكاثون" القدس 2024 للمقاولات الناشئة في مجال الصحة الرقمية    توقيف مواطن فرنسي من أصول جزائرية يشكل موضوع أمر دولي بإلقاء القبض    السلطات الإسبانية تنشر آلاف الجنود الإضافيين في فالنسيا بعد الفيضانات    نهضة بركان يحتفظ بالصدارة ويعمق أزمة المغرب التطواني    مطار الناظور يستقبل أزيد من 815 ألف مسافر عند متم شتنبر    2 مليار لتأهيل أربعة أسواق أسبوعية بإقليم الحسيمة        التامك: عدد السجناء بلغ 105 ألف وقانون العقوبات البديلة سيُقلّص من أعداد الوافدين    الجديدة تحتضن الدورة الاولى لأيام التراث والبيئة    وزارة العدل تعزز اللاّمركزية بتأسيس مديريات إقليمية لتحديث الإدارة القضائية    ممارسات خطيرة في سوق المحروقات ... جامعة أرباب محطات البنزين تدق ناقوس الخطر    مقتل مغربيين في فيضانات إسبانيا    وسط منافسة كبار الأندية الأوروبية… باريس سان جيرمان يتحرك لتأمين بقاء حكيمي    إسبانيا تعلن المناطق الأكثر تضررا بالفيضانات بمناطق "منكوبة"    "أبحث عن أبي" عمل فني جديد لفرقة نادي الحسيمة للمسرح    فيضانات إسبانيا.. الحكومة تستعد لإعلان المناطق المتضررة بشدة "مناطق منكوبة"    مصرع شاب جراء انقلاب سيارته بضواحي الحسيمة    خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    زنيبر يقدم التقرير الحقوقي الأممي    رويترز: قوات إسرائيلية تنزل في بلدة ساحلية لبنانية وتعتقل شخصا    رئيس منتدى تشويسول إفريقيا للأعمال: المغرب فاعل رئيسي في تطوير الاستثمارات بإفريقيا    المغرب يحبط 49 ألف محاولة للهجرة غير النظامية في ظرف 9 شهور    أسعار السردين ترتفع من جديد بالأسواق المغربية    تكريم بسيدي قاسم يُسعد نجاة الوافي        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    هيئة: 110 مظاهرة ب 56 مدينة مغربية في جمعة "طوفان الأقصى" ال 56    بسبب غرامات الضمان الاجتماعي.. أرباب المقاهي والمطاعم يخرجون للاحتجاج    نقابة إصلاح الإدارة تنضم لرافضي "مشروع قانون الإضراب"    مطار الناظور العروي: أزيد من 815 ألف مسافر عند متم شتنبر    الأمم المتحدة: الوضع بشمال غزة "كارثي" والجميع معرض لخطر الموت الوشيك    بهذه الطريقة سيتم القضاء على شغب الجماهير … حتى اللفظي منه    أنيس بلافريج يكتب: فلسطين.. الخط الفاصل بين النظامين العالميين القديم والجديد    الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة طنجة تطوان الحسيمة تحصد 6 ميداليات في الجمنزياد العالمي المدرسي    فليك يضع شرطا لبيع أراوخو … فما رأي مسؤولي البارصا … !    نظرة على قوة هجوم برشلونة هذا الموسم    هذه مستجدات إصلاح الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة    فتح باب الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية الوطنية    الجمعية المغربية للنقل الطرقي عبر القارات تعلق إضرابها.. وتعبر عن شكرها للتضامن الكبير للنقابات والجمعيات المهنية وتدخلات عامل إقليم الفحص أنجرة    "الشجرة التي تخفي الغابة..إلياس سلفاتي يعود لطنجة بمعرض يحاكي الطبيعة والحلم    بدون دبلوم .. الحكومة تعترف بمهارات غير المتعلمين وتقرر إدماجهم بسوق الشغل    قمة متكافئة بين سطاد المغربي ويوسفية برشيد المنبعث    الفيضانات تتسبب في إلغاء جائزة فالنسيا الكبرى للموتو جي بي    الحكومة تقترح 14 مليار درهم لتنزيل خارطة التشغيل ضمن مشروع قانون المالية    "تسريب وثائق حماس".. الكشف عن مشتبه به و"تورط" محتمل لنتيناهو    مناخ الأعمال في الصناعة يعتبر "عاديا" بالنسبة ل72% من المقاولات (بنك المغرب)    "البذلة السوداء" تغيب عن المحاكم.. التصعيد يشل الجلسات وصناديق الأداء    الأميرة للا حسناء تدشن بقطر الجناح المغربي "دار المغرب"    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    "ماكدونالدز" تواجه أزمة صحية .. شرائح البصل وراء حالات التسمم    دراسة: الفئران الأفريقية تستخدم في مكافحة تهريب الحيوانات    ثمانية ملايين مصاب بالسل في أعلى عدد منذ بدء الرصد العالمي    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خارطة العلاقات البديلة للمغرب.. حلفاء المملكة: الباب الواحد لا يصلح إلا للإغلاق
نشر في الأيام 24 يوم 21130


* زينب مركز

في الآونة الأخيرة، علت أصوات داخل مركز صناعة القرار المغربي بالبحث عن حليف بديل لإسبانيا من الدول الأوربية نفسها. البعض اعتبر بريطانيا خيارا استراتيجيا باعتبار منفذ جبل طارق، لكن خروج إنجلترا من الاتحاد الأوربي والسياق الثقافي والاقتصادي المتباين، يصعب هذا الخيار، فنادى آخرون بالانفتاح على إيطاليا التي ارتفعت وسطها صيحات فاعلين سياسيين لصالح المغرب.

ليست هي المرة الأولى التي يهدد فيها المغرب بتغيير حلفائه التقليديين وشركائه الاقتصاديين الذين فرضوا عليه بواقع التاريخ والجغرافيا، في لحظات الأزمات الممتدة، والمقال التالي محاولة لتسليط الضوء على مسار خيارات المملكة الشريفة، في بحثها عن شركاء جدد وتهديدها للدول المجاورة ذات المصالح المتشابكة مع المغرب، ورصد السياقات والمآلات التي تمت فيها عمليات البحث عن دول بديلة للحلفاء التقليديين.

رأى العديدون في سعي المغرب للبحث عن شركاء جدد، خاصة مع مقترح العبور الأخير عبر الجنوب البرتغالي للجالية المغربية، واستضافة السفير المغربي في روما لسياسيين إيطاليين، بحثا من الدولة عن حلفاء بدلاء للمرحلة القادمة. سبق هذا تقارب بريطاني مغربي، ومصادفة إعلان السفير البريطاني بالمغرب في 12 يونيو ما وصفه «بالمفاجآت السارة»، بمناسبة الاحتفال بعيد ميلاد الملكة إليزابيت 95، بما يؤكد أن المغرب سيصبح المستفيد الأول من خطة البريكسيت وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث تم التوقيع على العديد الاتفاقيات بين لندن والرباط، في مجالي الطاقة والفلاحة، حيث باتت 25% من الطماطم و75% من الفواكه الحمراء التي يستهلكها البريطانيون مصدرها المغرب دون استثناء الأقاليم الجنوبية للمملكة.

وعلمت «الأيام» من مصادر متطابقة أن الطرفين يعكفان على وضع اللمسات الأخيرة لتكثيف الربط البحري بين مينائي جبل طارق وطنجة ميد، عدا الاتفاق على إطلاق دراسات ثنائية لبناء نفق بحري يصل بين الصخرة البريطانية وشمال المملكة. هذا البعد رأى فيه البعض تحييدا للوسيط الإسباني التقليدي وإخراجا للمغرب من عزلته مع أوربا، وتقليصا لحجم ارتباط المملكة بجارتها إسبانيا.

وهكذا أكد محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلاقات الدولية وعميد كلية الحقوق في تطوان، أن «بحث المغرب عن مخارج بديلة لإسبانيا هو من المقترحات القديمة وليست وليدة اليوم، باعتبار أن إسبانيا في كثير من الأحيان كانت تعاكس المصالح المغربية، سواء كمؤسسات رسمية أو كفاعلين مدنيين»، لكن هل وضع خطط لتنويع المغرب لحلفائه الاستراتيجيين وليد الأزمة الحادة التي اندلعت منذ أبريل الماضي بين الرباط ومدريد؟

«رجال الله .. اللي عندو الساروت يحل الباب»

مطلب تغيير المغرب للشريك التقليدي الإسباني، الجار المقلق، وضع على الطاولة أثناء أزمة جزيرة ليلى عام 2002، وقد طرحه بقوة أحد كبار مستشاري الملك محمد السادس الذي كان حديث عهد بالحكم. كانت الأزمة قاسية وهددت باندلاع حرب حقيقية، بالإضافة إلى ضغط لوبيات مغربية خاصة من مصدري المنتوجات الفلاحية الذين كانوا يعانون من المنافسة الإسبانية وتعرض بضائعهم المصدرة لمضايقة الفلاحين الإسبان، عدا الاستفزازات الروتينية وسوء المعاملة التي ظل يتعرض لها سنويا أفراد الجالية المغربية الذين يعبرون التراب الإسباني. يؤكد الأستاذ العمراني بوخبزة الخبير في العلاقات الدولية أنه: «لطالما دعا الخبراء إلى اللجوء إلى بدائل وعدم وضع كل البيض في سلة واحدة، وهو ما اتضح اليوم للمغرب الذي يملك خيارات متعددة، خصوصا أن المشكلة الحالية مرتبطة بقضية أهم بكثير من المصالح العابرة، إذ ترتبط بمصالح استراتيجية للمغرب. وبالتالي، فمن خلال بحث المغرب عن حلول بديلة لما تقدمه إسبانيا، سواء في ما يتعلق بمرور السلع أو عبور الجالية أو الغاز الجزائري الذي يمر عبر المغرب ليصل إلى إسبانيا واستغلاله لموقعه الاستراتيجي وعلاقاته الخارجية الجيدة، كلها كانت رسائل قوية للجانب الإسباني الذي استوعبها بشكل جيد».

طُرحت ثلاثة بدائل دفعة واحدة: بريطانيا، إيطاليا ثم البرتغال، فالدول الثلاث لا يجمعها بالمغرب ماض عدائي ولا جرح استعماري حديث. وتجلت بوادر البحث عن شريك بديل في ثلاثة مؤشرات، صياغة اتفاقيات مهمة مع إنجلترا الخارجة توا من الاتحاد الأوربي، والبحث عن معبر بديل لموانئ إسبانيا من خلال اختيار إيطاليا والبرتغال، وتصريحات إيجابية من مسؤولين إيطاليين اتجاه المملكة.

سياسة بدائل الباب الموصدة

«اللي عندو باب واحد الله يسدّو عليه»، هكذا يؤكد بحماس وطني الداعون لتغيير الحليف الاستراتيجي الإسباني، والبحث عن بدائل في قلب القارة العجوز، لكن عمق الدبلوماسية المغربية المتسمة بالتوازن والتريث وتقديم المصلحة البعيدة للمملكة، كانت تجعل الملك محمد السادس دائما أبعد ما يكون عن الحلول «المتطرفة» حسب تصريح مصدر جد مطلع ل»الأيام». ففتح خطوط ملاحية جديدة لعبور الجالية المغربية ومواطني دول جنوب الصحراء الذين يعبرون من المغرب، من ميناء بورتيماو جنوب البرتغال إلى ميناء طنجة المتوسط بالإضافة إلى خطوط فرنسا وإيطاليا، هو مجرد حدث عابر يرتبط بتسهيل عملية مرحبا 2021 بقرار ملكي، لا يخفى طابعه التأديبي لإسبانيا، وسيكون له أثر كارثي على موانئ الخزيرات وطريفة وقادس، وسيشل الحركة بمنطقة الأندلس وسبتة ومليلية الذي سيكون له أثر أبعد في الانتخابات القادمة، إذ ستتحول الأزمة الحالية في هذه المناطق إلى سخط على حكومة سانشيز وتعرض أحزاب الأغلبية المشكلة لها إلى تصويت تأديبي.

يضيف المصدر المطلع ذاته: «لكن رفع شعار «اللي عندو باب واحد الله يسدّو عليه»، هو ترافع حماسي انفعالي وغير واقعي، لأنه بالعودة إلى التاريخ العميق للمغرب، سنجد أن كل السلاطين ظلوا يخشون عزلة المملكة الشريفة، لأنها كانت رديفا للتخلف ولاشتداد الأطماع الأجنبية ولكل الأزمات الداخلية، فعقدة عزلة المغرب عن العالم الخارجي تشكل في لاوعي الدبلوماسية المغربية جرح الاستعمار والتخلف، لذلك كان كل السلاطين منذ القرن 19 يجتهدون في البحث عن بدائل للدول التي تنشب معها أزمات، ولو إلى حين. حدث هذا مع الحسن الأول وسيدي محمد بن عبد الله، ثم مع الحسن الثاني في 1966 بعد أزمة اختطاف المهدي بن بركة مع فرنسا، ومع إسبانيا نفسها في نهاية السبعينيات بعد تحيزها للجبهة الانفصالية، ومع توجهه نحو الاتحاد السوفياتي بديلا لفرنسا وصفقة طائرات الميغ الشهيرة، ثم اختياره أمريكا بديلا لأوربا بعد ازدياد هيمنتها وتقهقر القارة العجوز». ليخلص مصدرنا إلى أن «التهديد بتغيير الشريك الإسباني اليوم ليس أولوية لدى الدبلوماسية المغربية، وعلينا أن نقرأ جيدا ما صرحت به وزيرة الخارجية آرانشا غونزاليس لايا، عن الأزمة بين المغرب وإسبانيا يوم الأحد الماضي (20 يونيو) الذي يجب قراءة ما بين سطوره بعمق أكبر. ومع إلحاح «الأيام» على معرفة الخلفيات البعيدة لتصريح وزيرة الخارجية الإسبانية حول استعداد إسبانيا للاستماع إلى المقترحات المغربية وتصفية الأجواء في أسرع وقت ممكن، توقف مصدرنا عن الكلام، مؤكدا أن الأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت التي تؤكد أن المملكة ربحت بقوة معركتها مع الجار الإيبيري، وليست في حاجة لتغيير جار ليّنَ موقفه.

وكانت الوزيرة الإسبانية قد أدلت بتصريح صحفي الأحد الماضي، كان الملفت فيه قولها: «دخلنا في أزمة لم نكن نريدها على الإطلاق، ومن الواضح أننا نريد الخروج منها في أسرع وقت ممكن. سنعمل حتى يتم خلق مساحة ثقة يمكن من خلالها إعادة توجيه العلاقات الثنائية»، مما يمكن أن يدخل في باب «التعبير عن حسن النوايا» من طرف إسبانيا أو اختبارها لدى المغرب».

بون جورنو إيطاليا .. لافيطا إي بيلا

قد يكون من بين المتحمسين للدعوة للانفتاح على إيطاليا عقابا لإسبانيا، من طالعوا كتاب أميسيس «المغرب شعبه وأماكنه» الذي أرّخ لرحلة السفير الإيطالي إلى المغرب في القرن التاسع عشر، وشكل لقاؤه بالسلطان الحسن الأول وسط أبهة وطقوس الاستقبال التي انبهر بها الدبلوماسي وكاتبه الإيطالي، مصدر الضجة الكبرى التي أحدثها الكتاب بين الإيطاليين، بين الانبهار والإعجاب بالمملكة الشريفة وبين الرغبة الاستعمارية في نيل النصيب من كعكتها. ومعلوم أن أقوى علاقات التعاون توطدت بين المغرب وإيطاليا في أواخر القرن 19 حين أرسل المولى الحسن الأول أول بعثة دبلوماسية رسمية إلى فيتوريو إيمانويل الثاني ملك إيطاليا بالضبط سنة 1879.

لكن الانطلاقة الفعلية لعلاقة التعاون بين المغرب وإيطاليا، توطدت خلال القرن الماضي مع الملك الحسن الثاني، حين تم توقيع «اتفاق الصداقة والتعاون»، الذي أسس لعلاقات سياسية واقتصادية بين البلدين عام 1991، لكن مع ذلك ظل حجم المبادلات بين البلدين لا يرقى إلى المستوى المطلوب بسبب عوامل ثقافية وأيضا لهيمنة الحلفاء التقليديين خاصة إسبانيا وفرنسا على المبادلات مع المغرب.

وفي عام 2019 وقّع البلدان «اتفاقية شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد، تهدف إلى تعميق التعاون بين البلدين في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والإنسانية، كما تؤسس لحوار سياسي منتظم وعميق، وتسعى إلى تدعيم العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية، وتجعل من المغرب بوابة للتعاون الإيطالي الإفريقي» كما جاء في بنودها.

في أكتوبر الماضي تعززت اللقاءات بين البلدين خاصة مع اللقاء الذي جمع ناصر بوريطة بنظيره الإيطالي لويدجي دي مايو. وفي الوقت الذي تنشط العديد من الشركات الإيطالية في المغرب، بدأت روما تعبر عن رغبتها في تدعيم شراكتها في مجالات جديدة، خاصة في قطاعات الطاقة المتجددة والنسيج والصحة والصناعة الغذائية والبناء، وفي مجال التكنولوجيات والأنظمة الإيكولوجية وصناعة السيارات.

يوم 17 يونيو الجاري، وعقب مباحثات أجراها سفير المغرب يوسف بلا بروما مع رئيس حزب الرابطة الذي يعتبر الحزب الأقوى في إيطاليا ويحوز أكثر من ثلث دعم الإيطاليين، انبرى الزعيم السياسي الإيطالي ماثيو سالفيني، للدفاع عن المغرب الذي وصفه ب»البلد الأكثر استقرارا في منطقة جنوب المتوسط وشمال إفريقيا»، ودعا حكومة بلده إلى ضرورة تسريع وتحسين العلاقات مع المغرب، قائلا: «يجب أن يكون المغرب المحاور الأول لاعتبارات اقتصادية وتجارية وثقافية، وفي ما يتعلق بالتعاون ومجال الأمن، وبالنظر لهذه الاعتبارات لم نشاطر بعض اختيارات البرلمان الأوروبي. نحن في إيطاليا نعمل على تعزيز العلاقات بشكل أكبر». لم يكن لا اللقاء وسياقه ولا التصريح وأبعاده ضربا من اللغة الدبلوماسية الباردة التي لا تحيي ولا تميت، بل يبدو كما لو أن الدعوة لتعزيز التعاون صادفت هوى لدى الطرفين، في عز الأزمة الدبلوماسية مع الجار الإيبيري.

الحسن الثاني يتجه نحو الشرق نكاية في الغرب

في بداية الستينيات، مع موجة مناهضة الاستعمار والعداء المتصاعد نحو الغرب، حيث طالبت الحكومات المتعاقبة بجلاء القوات الأجنبية عن المغرب، وظهرت حركة دول عدم الانحياز واحتضنت الدار البيضاء لقاء الدول التقدمية للقارة الإفريقية في 7 يناير 1961، نص القانون الأساسي للمملكة في فصله 15 أن المملكة تطبق «سياسة عدم التبعية بقناعة، لأن هذه هي أحسن طريقة للحفاظ على السلم العالمي». ومع جاذبية المعسكر الشرقي داخل وخارج المغرب، لجأ الحسن الثاني إلى الاتحاد السوفياتي ببراغماتية حذرة. كان الأمر يهدف إلى اللعب على تناقضات الحرب الباردة واستثمارها لصالح نظامه السياسي وأيضا امتصاص الضغط الذي كانت تمارسه القوى الاشتراكية داخل المغرب مع بزوغ نجم المهدي بن بركة دوليا. هكذا تلقت القوات المسلحة الملكية منحة دعم عسكري، ضمنها العديد من الأسلحة السوفياتية خاصة طائرات ميغ 17 وميغ 15، وهي الصفقة التي بدت لفرنسا وأمريكا جد مريبة، وظل السفيران الأمريكي والفرنسي يتصلان بوزير الدفاع المحجوبي أحرضان لمعرفة سرها وأسباب لجوء المغرب للاتحاد السوفياتي في عز التمدد الشيوعي في دول العالم الثالث. هذا الضغط الدبلوماسي من خلال تنويع الشركاء، جعل واشنطن وباريس تعيدان تقييم علاقتهما بالمغرب، الذي استفاد من التهديد الشرقي الذي أخذ ينازع الغرب مكانته، فنجح المغرب في اللعب على تناقضات المصالح بين الغرب والشرق وقدم نفسه كحليف استراتيجي. وقد تجلى ذلك في زيادة حجم الدعم الأمريكي للمغرب خاصة مع مجيء جيمي كارتر إلى البيت الأبيض، فتحولت أمريكا منذ 1975 إلى مزود رئيسي للأسلحة للمغرب بدل فرنسا، ووظف الحسن الثاني عدة أوراق منها دوره في الشرق الأوسط واحتضانه للعديد من القمم العربية والإسلامية. وقد كانت العلاقات الأمريكية المغربية تمر بين الفينة والأخرى بمطبات هوائية، مثل ما حدث عام 1978 حين رفض جيمي كارتر تزويد المغرب بمعدات عسكرية تفيده في حرب العصابات ضد جبهة بوليساريو، بسبب مراعاة أمريكا لمصالحها يومها مع الجزائر، وأخضعت واشنطن عملية بيع الأسلحة الأمريكية للمغرب لقانون «أسلحة تحت المراقبة»، لكي لا يستعملها المغرب في حرب الصحراء، لكن الحسن الثاني رد على ذلك بقوة في حوار صحافي بالقول: «حينما نشتري طائرات الحكومة الأمريكية نؤدي ثمنها بالدولار وبدون شروط، لذلك نرى أن بإمكاننا استعمال ما اشتريناه كذلك بدون أي شروط».

حين اندلعت حرب الصحراء، كان على الحسن الثاني استثمار كل التناقضات لصالح القضية المصيرية التي رهن نظامه بها، فأبدى انفتاحه على الغرب خاصة أمريكا، لكن مواقف جيمي كارتر في تقييد تزويد المغرب بالأسلحة، جعلت الحسن الثاني يوطد علاقته بموسكو من خلال ثروة الفوسفاط، حيث ضمن تحييد الاتحاد السوفياتي بشأن تدويل قضية الصحراء التي اعتبرها صراعا جهويا، وحتى بعدم مسايرة موسكو للطرح المغربي، فإنه على الأقل ضمن عدم مساندتها للجزائر، قبل أن تصبح ليبيا والجزائر أكبر مستورد للسلاح السوفياتي الذي أخذت توجهه عناصر بوليساريو نحو صدور الجنود المغاربة.

عوض التقارب السوفياتي المغربي خسائر المغرب من العلاقات الاقتصادية مع فرنسا، وفي مارس 1978 وقع المغرب والاتحاد السوفياتي صفقة مهمة مرتبطة باستغلال مناجم مسقالة باستثمار حوالي 2000 مليون دولار وتقديم قرض للمغرب بلغ 20 مليون دولار بسعر فائدة لا يتجاوز 3.5 بالمائة على امتداد 15 سنة، واتفاقية طويلة الأمد للصيد السوفياتي في المياه الإقليمية للمملكة مقابل تزويد موسكو للمغرب بالبترول والمواد الكيماوية واتفاقية مبادلات لمدة 30 سنة.

انتشى الحسن الثاني بالاتفاقيات الأربع مع الاتحاد السوفياتي التي سماها «صفقة القرن»، لأنها كانت نكاية في فرنسا وفي أمريكا جيمي كارتر، لتنقلب الموازين لصالح المغرب مع مجيء جيسكار ديستان إلى قصر الشانزيليزيه بباريس واستقبال البيت الأبيض للرئيس الأمريكي رولاند ريغان الذي ربطته مع الحسن الثاني صداقة منقطعة النظير.

فرنسا وواشنطن: تهديد بدول بديلة

لم تكن العلاقات المغربية الفرنسية دوما سلسة وودية، فقد كانت تشوبها بين الفينة والأخرى لحظات عصيبة هددت استقرار المصالح المشتركة بين البلدين. بلغت الأزمة أشدها مع اغتيال المهدي بن بركة على عهد الجنرال دوغول، الذي وجه أصابع الاتهام مباشرة إلى المملكة، مما اعتبره تحركا للأجهزة المغربية على التراب الفرنسي، وظل يطالب بتسليمه الجنرال محمد أوفقير. تكهربت الأجواء بين باريس والرباط، واشتد ضغط الحقوقيين والإعلام الفرنسي الذي كان تحت هيمنة اليسار على النظام الملكي، فهدد الحسن الثاني مصالح فرنسا باللجوء إلى حلفاء جدد. هكذا فتح الملك الراحل صفحة جديدة من العلاقات مع الاتحاد السوفياتي، حيث زار موسكو في أبريل 1966، وتلتها زيارة بودكورني رئيس القيادة العامة السوفياتية للمغرب، وقد منح المغرب امتيازات كثيرة لرائد الكتلة الشرقية، منها اتفاقيات في مجال الفوسفاط وارتفع حجم المبادلات التجارية بشكل غير مسبوق إلى 40 مليون دولار، كما فتحت موسكو قنصلية لها بالدار البيضاء وسمح المغرب للبواخر السوفياتية منذ 1968 بالتوقف بموانئه. وعلى المستوى الثقافي، تعززت اتفاقيات التعاون في مجال الإذاعة والتلفزيون، وأبدى الحسن الثاني ليونة أكبر اتجاه الحزب الشيوعي بقيادة علي يعتة الذي سيتحول عام 1974 إلى حزب التحرر والاشتراكية ثم التقدم والاشتراكية، الذي قام زعيمه الراحل بتكليف من الحسن الثاني بشرح وجهة النظر المغربية حول الوحدة الترابية للسوفيات.

سياسة التهديد بالشركاء البدلاء للحلفاء التقليديين كان لها أثرها البالغ اتجاه فرنسا وأمريكا معا، فمن جهة، قدمت المملكة كبلد محايد ومستقل في سيادته وقراراته، ومن جهة أخرى، نافست الفاعلين السياسيين في الداخل الذين كانوا يدينون القوى الاستعمارية والإمبريالية وينوهون بحركات التحرر والعالم الاشتراكي. في هذه المرحلة تحدث الحسن الثاني في إحدى خطبه الشهيرة كملك اشتراكي، وذلك ضد ما اعتبره عملية لي الذراع الموجعة من طرف واشنطن وباريس التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب وألغت الإعانات المالية والعسكرية للمملكة بين 1966 و1968، بل وأصدرت عدالتها أمرا دوليا باعتقال ثلاثة مسؤولين مغاربة كبار بينهم وزير الداخلية آنذاك الجنرال محمد أوفقير.

كبّرها تصغار

ظلت إسبانيا على الدوام أكبر مستفيد من توتر العلاقات المغربية الفرنسية، ويعتبر المؤرخون أن السنوات الثلاث الأولى للثمانينيات كانت تعتبر أصعب السنوات العجاف في تاريخ العلاقات الثنائية الفرنسية المغربية منذ الاستقلال. تزامنت عدة أحداث كبرى في خلق الفجوة بين الرباط وباريس، فصعد الحزب الاشتراكي إلى الحكم برئاسة فرانسوا ميتران الذي سعى إلى إعادة التوازن في علاقة بلاده مع الجزائر، وكان المغرب يعيش أزمة اقتصادية خانقة، فكانت معاهدة شراء الغاز الطبيعي من الجزائر عام 1982، ونتيجة قبول الحسن الثاني بمبدأ الاستفتاء في قمة نيروبي وموقف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منه، ما أدى إلى اعتقال زعيمه عبد الرحيم بوعبيد وأعضاء من قيادة الحزب، بعثت الأممية الاشتراكية بلجنة للقيام بتحقيق في المغرب حول أحداث الدار البيضاء في 20 يونيو 1981، فيما أصدر الحزب الاشتراكي والحكومة الفرنسية بلاغا شديد اللهجة يطالب الملك الحسن الثاني بإطلاق سراح القياديين الاشتراكيين، بالإضافة إلى الدور الذي بدأت تلعبه زوجة الرئيس الفرنسي دانييل ميتران مع جبهة بوليساريو والذي كان من نتائجه فتح فرنسا لمقر للجبهة بباريس في عام 1982، أضف إلى ذلك أن السياق الدولي الذي لم يكن يخدم الأطروحة المغربية حول وحدته الترابية.

طرحت بدائل كثيرة برغم ضيق دائرة الاختيارات ل»تأديب فرنسا» في مواقفها من المغرب وتدخلها في شؤونه الداخلية وضغط إعلامها على الملك بالورقة الحقوقية، فكانت إسبانيا بديلا لفرنسا في العديد من المشاريع الاستثمارية، حيث استفادت إسبانيا يومها من العديد من الامتيازات، وفي المقابل تمت معاقبة الشركات الفرنسية. هكذا عوضت شركات إسبانية ويابانية الشركة الفرنسية «هورتي» في إنجاز مشاريع مركب الفوسفور المغربي، ومنحت الأراضي بشكل امتيازي لإسبانيا لإقامة مشاريع سكنية وسياحية. وقد أفلح المغرب في مناورته، إذ برزت ضغوط من اللوبي الاقتصادي الفرنسي الذي تضررت مصالحه بالمغرب على حكومة فرنسوا ميتران، في الوقت الذي أعلى الحسن الثاني من طموحه بالتوجه رأسا إلى السوق الأوربية المشتركة التي وضع طلبا لديها ببروكسيل لقبول انضمامه إلى المجموعة بعد أن شعر بأن أوربا تسعى لإدماج الدول الإيبيرية ضمن سوقها. ستلين فرنسا موقفها اتجاه المملكة، وكعربون لذلك قام الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران بزيارة للمغرب في نهاية يناير 1983 وهو ما سهل عودة الدفء إلى مفاصل العلاقة بين البلدين.

هكذا أصبح المغرب منذ 1983 أكبر بلد يتلقى الإعانات والدعم من فرنسا على شكل منح وهبات مالية، ووصل الدعم العسكري الفرنسي للمغرب إلى حد حصول الجيش المغربي على نصف ميزانية التعاون العسكري الفرنسي، وتحولت باريس إلى الزبون الأول للمغرب والممول الأول له، قبل أن تعود الأزمة من جديد بين باريس والرباط بعد اندلاع الملفات الحقوقية ونشر كتاب «صديقنا الملك» في شتنبر 1990 من طرف جيل بيرو والذي كاد يؤدي إلى قطع العلاقات بين البلدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.