يواجه رئيس الحكومة المغربي المكلف عبد الإله بنكيران صعوبات في تشكيل الحكومة، فتحالفه مع حزبي الاستقلال والتقدم والاشتراكية لا يوفر له المقاعد الكافية، ما يضع علامات استفهام حول حدود التجربة الديمقراطية في المغرب عموماً. بمجرد إعلان فوزه في الانتخابات التشريعية الأخيرة وتكليفه من قبل العاهل المغربي محمد السادس بتشكيل حكومة جديدة، أكد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران أنه سيتحالف رسمياً مع حزب التقدم والاشتراكية (شيوعي سابقاً) وحزب الاستقلال (محافظ) ثم حزب الاتحاد الاشتراكي وهي أحزاب التي كانت جزء من الكتلة الديمقراطية المعارضة أيام الحسن الثاني. غير أن حزب الاتحاد الاشتراكي الذي أنهكته مقاعد المعارضة والذي حصل على نتيجة ضعيفة لم تتجاوز العشرين مقعداً، وضع شروطاً مجحفة باشتراطه حصوله على رئاسة البرلمان رغم أن ثقله الانتخابي لا يُتيح له ذلك. وبهذا الشأن قال بنكيران "جاءني (الاتحاد الاشتراكي) بشروط منها رئاسة البرلمان، رغم أن الديمقراطية منحت حزب العدالة والتنمية 125 مقعداً (..) وكأن أصوات المواطنين لا تساوي شيئاً منذ بعض الأحزاب وبعض الجهات". وجاءت تصريحات بنكيران لتأجج التكهنات حول وقوف جهات في ما يسمى بالدولة العميقة، وراء عرقلة تشكيل الحكومة، بل وبمحاولة القيام بانقلاب أبيض ضد بن كيران. وفي هذا السياق كشف أمين عام حزب الاستقلال حميد شباط أن إلياس العماري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، المقرب من القصر، قام ب"مؤامرة"، تقضي برفع مجموعة من الأحزاب مذكرة للملك تؤكد فيها رفضها المشاركة في حكومة يرأسها حزب العدالة والتنمية. وبهذا الشأن قال الكاتب والمحلل السياسي بلال التليدي في حوار مع DW عربية أن "حزب الاستقلال أعلن رفض المؤامرة ضد التجربة الديمقراطية في المغرب، ولابد من مكافئته على ذلك بالتحالف معه (من قبل العدالة والتنمية)". أزمة سياسية في الأفق؟ كُلف ابن كيران بتشكيل الحكومة في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ومنذ ذلك الحين اندلعت حرب مواقع بين مختلف الأحزاب المرشحة للمشاركة في الائتلاف الحكومي، ترجمت أكثر من مرة لمشاكسات إعلامية. وباستثناء الحزبين اللذان تصدرا الانتخابات أي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، واللذان استبعادا دائماً أي تحالف بينهما، فإن كل الأحزاب الأخرى مستعدة مبدئياً للمشاركة في الحكومة وإن اختلفت شروطها. من جانبها نفت حنان رحاب عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، أن تكون هناك "عرقلة لتشكيل الحكومة، وإنما هناك انتظار لجولة ثانية من المفاوضات". وأضافت في حوار مع DW عربية: "من حق كل حزب الإعلان عن موقفه بكل استقلالية (..) الاتحاد الاشتراكي لم يعلن عن قرارات ملتبسة (..) وشروطنا ليست تعجيزية". والواقع أن النظام لانتخابي في المغرب يجعل من شبه المستحيل من أن يتمكن حزب واحد في من الفوز بأغلبية مطلقة في انتخابات البرلمان المؤلف من 395 عضواً. وبالتالي فإن الحزب الأول الفائز بالمرتبة الأولى مضطر عملياً للبحث عن حلفاء آخرين لتشكيل الحكومة، ما يفتح الباب على كل أنواع المزايدات، ما يهدد تجربة ديمقراطية لم يكتمل نضجها بالكامل بعد. وهناك مؤشرات على توتر بين القصر الذي لا يحبذ بالضرورة استمرار الإسلاميين في الحكم، وربما اضطراره للتعايش مع نتائج الانتخابات، رغم أن بنكيران يظل يؤكد ولائه للملك وتعلقه به. "التحكم" وتهديد الديمقراطية ويرى عدد من المحللين والمراقبين للحياة السياسية في المغرب، أن جزءا من الأحزاب السياسية لا تملك سلطة قرارها وأن الدولة العميقة أو ما يسميه بنكيران ب"التحكم" تحرك خطوط اللعبة السياسية من خلف الستار. وإذا ما تأكد سيناريو عرقلة تشكيل الحكومة سواء بفعل الأحزاب السياسية أو بتدخل خارجي، فإن ذلك قد يشكل ضربة للتجربة الديموقراطية الناشئة. وحينها سيتساءل الناخبون عن جدوى الذهاب لصناديق الاقتراع إذا كان الحزب الفائز غير قادر على تشكيل الحكومة. ويرى مزاج الشارع المغربي في بنكيران المعروف بكاريزماتيته شخصية سياسية معاندة ولها حد أدنى من الاستقلالية تجاه القصر. فرغم عدد من الإصلاحات التي أنجزها وطالما اعتبرتها الحكومات السابقة مستعصية كإصلاح صندوق المقاصة ورفع الدعم عن بعض السلع الأساسية، وكذلك إصلاح نظام التقاعد، فإن الحزب لم يفقد شعبيته بل رسخها. وبهذا الصدد يقول التليدي: "أتوقع أن تُسفر المفاوضات في جولتها الثانية على توافقات بين الأطراف السياسية.. ولابد من احترام لخارطة الانتخابية".