قرر عبد الرحمان اليوسفي ذات خريف من سنة 2003 اعتزال السياسة بشكل كامل، هذا القرار فاجأ كثيرا أولائك الذين علقوا أمالا على الرجل في وضع قطار الانتقال الديمقراطي و التناوب على السكة الصحيحة . صحيفة "الاتحاد الاشتراكي" لسان الحزب قالت ساعتها إن اليوسفي وجه رسالة استقالة إلى أعضاء المكتب السياسي للحزب.
وأوضح اليوسفي في هذه الرسالة التي تزامنت مع نهاية شهر أكتوبر وهو الشهر الذي عادة ما يصادف الانتخابات التشريعية المغربية، "قررت اعتزال العمل السياسي وبالتالي أصبحت مستقيلا من عضويتي في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومن كل المهام ذات العلاقة".
ونقلت الخبر، وكالات الأنباء علاوة على صحف مغربية حزبية ومستقلة، اليوسفي الذي كان قبل ذلك بوقت قصير يقود الحكومة المغربية لم يعط أي توضيحات حول أسباب استقالته وإن رأى الكثير من المراقبين أنها جاءت احتجاجا على النكوص الذي عرفته عملية التناوب، بعدما عين الملك إدريس جطو رئيسا تكنوقراطيا لحكومة التناوب .
فسر الكثيرون من الحزب الاستقالة بكون الرجل الذي بلغ من العمر يومها 79 عاما، يريد التقاعد، شأن غيره ممن بلغوا هذا السن أو أقل، لكن السياسة لا تشيخ .
كان واضحا أن اليوسفي يرسل رسائل واضحة ومشفرة، في شهر أكتوبر، الشهر الذي صادف ولسخرية القدر انتشار صورة الملك محمد السادس وهو يقوم بعيادة الكاتب الأول الأسبق للاتحاد الاشتراكي، في مستشفى الشيخ زايد بالدار البيضاء قبل يومين.
ولد اليوسفي في 8 مارس 1924 في طنجة، التي دشن الملك فيها شارعا باسمه، وحصل على ليسانس في القانون وعلى دبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية ودبلوم المعهد الدولي لحقوق الإنسان. تم انخرط في العمل السياسي مبكرا داخل حزب الاستقلال سنة 1943 قبل أن يؤسس رفقة بنبركة وآخرون حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي تحول فيما بعد إلى الاتحاد الاشتراكي وقاد حكومة المغرب بعد السكتة القلبية .
لا يختلف اثنان على جرأة الرجل، وحنكته السياسية بتاريخ نضالي حافل داخل الحزب، خاصة في مرحلة المعارضة لنظام الحسن الثاني، لكن الكثيرين عابوا على اليوسفي قبوله بلعبة السياسة على عهد الحسن الثاني الذي عارضه في السابق وإلى جانب وزير داخليته المثير للجدل إدريس البصري، ليقود اليوسفي حكومة التناوب من فبراير 1998 إلى أكتوبر 2002.
لكن تبقى قوة الرجل في كونه، أنه قرر في أول تراجع عن المنهجية الديمقراطية، أن يترك السياسة، لأن المنهجية تقتضي أن يمنح ولاية ثانية في 2002، على اعتبار أن حزبه فاز بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية ب 50 مقعدا، وهي الانتخابات التي حصل فيها 22 حزبا مغربيا غالبيتهم أحزاب صغيرة على مقاعد نيابية .
كان قرارا جريئا ومتوقعا من رجل عاصر جيلا من المناضلين في فترة تختلف كثيرا عن زمن ما بعد دستور 1996، رجل دخل تجربة التناوب متوافقا و غادرها غاضبا.