مع اقتراب موعد الاستحقاقات 7 أكتوبر التي ستحدد مصير الحزب الإسلامي الذي قاد الأغلبية الحكومية طوال 5 سنوات، يراهن زعيم البيجدي على نتائج هذه الانتخابات من أجل ضمان تواجد الإسلاميين السياسي وبقائهم في دائرة السلطة، خصوصا مع تصاعد الهجوم عليهم من قبل العديد من الأطراف التي لا تنظر بعين الرضى إلى بقاء الإسلاميين في السلطة بعد تجربة الربيع العربي، الذي حمل هذا الحزب وقادته للسلطة إلى جانب الملك في أو تجربة في التاريخ السياسي الحديث للمغرب. لا يخفى بعض قادة الحزب تخوفهم من خلفيات الهجوم الحاد عليهم، وتفجر القنابل والألغام والضرب تحت الحزام الذي يتعرض إليه الحزب مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية ل7 أكتوبر، بل إن بعض القادة لم يترددوا في التعبير عن تخوفهم الحقيقي من عدم حيادية العديد من أجهزة الدولة الخارجة عن سيطرة الحكومة ودعمها لأطراف منافسة لهم، بل الإصرار على إلحاق الضرر بالحزب وتشويه سمعته على أمل إلحاق الهزيمة به في الانتخابات القادمة، وهو تخوف يذهب أبعد من ذلك، وإن كان الملك قد حسم هذا الجدل في آخر خطاب له بمناسبة عيد الشباب، حيث اعتبر أنه على نفس المسافة من جميع الأحزاب المتنافسة، وهو خطاب ربما يطمئن قليلا قادة الحزب وأنصاره الذين يواجهون حربا شرسة من قبل خصومهم السياسيين. ولا يخفي زعيم الحزب أن مستقبله السياسي مرتبط أساسا بوجود توافق تام مع المؤسسة الملكية، ومن هنا يمكن فهم أبعاد السياسة التي قادها بن كيران طوال سنوات تواجده على رأس السلطة الحكومية، إذ لم يتعب من ترديد أنه لا يمكن المراهنة عليه إذا رغب أحد في دخوله في صراع مع الملك، أمام تزايد الضغوط عليه بأنه يبتعد عن تحمله مسؤولية إعطاء تفسير ديمقراطي لمضامين الدستور وممارسة صلاحياته الكاملة على رأس الحكومة. موقف بن كيران لم يتردد في تكراره أمام قيادة البيجدي وخلال مؤتمر شبيبة الحزب بأنه سيكون أول معارض إذا غير الحزب موقفه من المؤسسة الملكية، وهي رسالة إلى من يهمه الأمر بأنه هناك قطيعة كاملة بين التفسيرات التي تروج إعلاميا من قبل خصوم البيجدي وواقع وقناعات الحزب، وأنه ليس هناك ما يدعو للشك في ولاءات وقناعات الحزب اتجاه المؤسسة الملكية. ويدرك بن كيران جيدا أن خصوم الحزب طالما حاولوا على مدى 5 سنوات من تواجد الإسلاميين في السلطة ضرب علاقاته مع المؤسسة الملكية، وكان هذا واضحا في تفسيرات خطاب الملك حول الإرهاب وادعاء بعض الأطراف احتكارها للدين والحقيقة، وهي العلاقة التي طالما استثمر فيها بن كيران كثيرا وتحمل الكثير الضغوط ليس فقط داخل الحزب، وإنما أيضا من قبل العديد من الأطراف الخارجية. وإذا كان بن كيران قد نجح شيئا ما في إدارة الشأن العام طوال 5 سنوات من تواجده في السلطة، فإنه بإرادته للعلاقة مع القصر قد استطاع تجاوز كل الألغام التي زرعت أمامه وفي طريق كانت كلها ملغومة، في الوقت الذي كان حديث عهد شخصيا وحزبيا بإرادة الدولة، في الوقت الذي كانت فيه بعض الأطراف تراهن على قلة تجربته للإطاحة به في الطريق، هذا دون الحديث عن الصراعات السياسية التي خاضها طوال هذه السنوات، والتي كانت في كثير من الأحيان كفيلة بإسقاط حكومته وهو أمر لم يخفه الرجل المثير للجدل، حيث عبر صراحة قبل أسابيع عن أن بقاء حكومته بعد خروج الاستقلاليين كان بإرادة ملكية، إذ كشف لأول مرة تدخل الملك لتقريب وجهة النظر مع زعيم الأحرار لما فيه مصلحة الدولة، وأنه كان بالإمكان إسقاط الحكومة في هذه الظرفية. وإذ كان البيجدي يصارع على الكثير من الجبهات في هذه الظرفية مع اقتراب موعد 7 من أكتوبر، فإنه يدرك جيدا بأن رأسه مطلوب لأكثر من طرف من خصومه السياسيين، لكن يحاول إبعاد المؤسسة الملكية عن توظيفها لضربة في هذا الوقت الحساس بالنسبة له، ومن هنا يمكن إدراك أيضا رسائله والتنازلات التي قدمها خلال هذه السنة ليس فقط على مستوى حلفائه السياسيين، وإنما أيضا بالنسبة للمؤسسة الملكية الخائفة كذلك من هيمنته على الحياة السياسية، وهو تخوف لم يتردد بن كيران إزاءه في طمأنة كل الأطراف بأن حزبه لا يرغب في الهيمنة على الحياة السياسية، وأن كل ما يراهن عليه هو ضمان تواجد سياسي قوي له يبقيه رقما صعبا وأساسيا في اللعبة السياسية ضمانا لمستقبله السياسي، وهو ما يدرك أن تاريخ 7 أكتوبر القادم هو ما سيضمنه أو يبدد كل السيناريوهات الممكنة لبقاء تعايش تاريخي بين الطرفين، يراهن عليه البيجدي وأنصاره للاستمرار في ما يصفونه بأول توافق وتعايش تاريخي بين حزبهم والمؤسسة الملكية، التي يرغب بن كيران في بقائها قوية وحاكمة لتقود وتضمن توافق المغاربة في هذه الظرفية التاريخية والحساسة بالنسبة لمستقبل المغرب واستقراره السياسي.