يشعر رئيس الحكومة وزعيم البيجدي بقلق كبير من عملية التسويق والماركوتينغ التي تعمل عليها عدة جهات لصالح غريمه السياسي إلياس العماري، مع اقتراب موعد الانتخابات في 7 أكتوبر القادم، خصوصا وأن الزعيم الإسلامي يدرك جيدا أن الصراع مع البام أو الدولة العميقة، كما يحلو لزعماء حزبه إطلاقها على البام، هو مسألة وجود ليس فقط لشخصه وإنما لحزبه ولتجربة تواجد الإسلاميين في السلطة، ومن هنا يمكن إدراك أبعاد الغزل الجديد مع شباط من أجل إعادة نوع من التوازن للصراع السياسي الحالي. ابن كيران والصراع القاتل مع البام كان ملفتا للانتباه صدور بلاغ الأمانة العامة للحزب الإسلامي كرد سريع على الخروج الذي قادته رئيسة الباطرونا ورئيس البنك المغربي للتجارة الخارجية عثمان بنجلون ورئيس البنك المركزي المغربي الجواهري، حيث اعتبر مصدر من حزب رئيس الحكومة بأنه تحالف غير مقدس، ويستهدف التشكيك في التجربة الحكومية وإنجازاتها طوال السنوات الأخيرة، خصوصا يضيف المصدر، أن هذه الأوساط هي نفسها اعترفت منذ شهور بأن السياسة المالية التي قادتها حكومة ابن كيران استطاعت إعادة التوازنات المالية، وإنقاذ الدولة من حبل مشنقة صندوق المقاصة. لكن ما الذي حدث حتى يقود هذا الثلاثي انقلابا حقيقيا ضد ابن كيران، وفي سابقة من نوعها، حيث لم يسبق أن تحالفت رئاسة الباطرونا والأبناك ورئيس البنك المركزي من أجل انتقاد حصيلة وسياسة الحكومة اقتصاديا وفي ظرفية سياسية بامتياز، حيث تستعد حكومة ابن كيران لخوض معركة مصيرية على مستوى وجودها السياسي على الأقل بالنسبة للإسلاميين المتواجدين في السلطة منذ خمس سنوات؟ الجواب من نفس مصدر حزب رئيس الحكومة، إن نجاح الحكومة برئاسة الإسلاميين يقلق العديد من الأوساط، التي ترغب في رحيل الإسلاميين من رئاسة الحكومة وتدبير الشأن العام، ويضيف نفس المصدر أن هذه الأوساط وغيرها تقدم مشروعا سياسيا جديدا يتم تعبيد الطريق له للوصول إلى السلطة بشكل رسمي رغم كونه يسيطر على جزء هام من مفاصل السلطة والدولة، بعد التمكين له منذ سنوات قبل أن تعصف به رياح الربيع المغربي، وهي إشارة واضحة لحزب البام وزعيمه إلياس العماري، الذي أصبح كثير الحضور في وسائل الإعلام، وحتى في نشاط خططت له الحكومة، ويتعلق الأمر باتفاقية الشراكة مع الصينيين، حيث كشف رئيس الحكومة أن المشروع هو مشروع حكومي كان من المفترض أن يتم إنجازه في مدينة أسفي قبل أن ينقل إلى طنجة، لكن وجه الاستغراب حسب رئيس الحكومة أن يتم تسويقه على أساس أنه من إنجاز إلياس العماري باعتباره رئيس الجهة، وهو ما يطرح حسب البيجيدي أكثر من علامة استفهام. ويدرك جيدا رئيس الحكومة أن الحرب الدائرة مع زعيم البام هي حرب وجود ليس فقط بالنسبة لحزبه، الذي حملته رياح الربيع المغربي للسلطة إلى جانب القصر والملك محمد السادس، في أول تجربة من نوعها في الحياة السياسية للمملكة، وهو نفس الوضع بالنسبة لزعيم البام، الذي يعتبر استحقاقات 7 أكتوبر القادم بالنسبة له مسألة وجود، فمستقبله السياسي مرتبط بنتائج هذه الانتخابات، والمعادلة داخل البام ومربع العماري تتلخص في هزم ابن كيران وحزبه من أجل ضمان مستقبله ومستقبل النخب السياسية والأعيان الذين التحقوا به، فمن المستحيل حسب المراقبين أن يستمر البام في المعارضة لخمس سنوات قادمة، خصوصا أن الذين التحقوا به لهم مطامح سياسية واضحة. ومن هنا يمكن فهم أبعاد التحركات السياسية ليس فقط لحزب الأصالة والمعاصرة، وإنما أيضا وخصوصا بالنسبة لرئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، الذي يبحث عن تحالفات سياسية يمكن بواسطتها تكسير التحالفات التي يقيمها إلياس العماري، والضغط الممارس من قبل حزب الأصالة والمعاصرة، وربما يكون هذا السيناريو جزءا من الغزل المتزايد من قبل ابن كيران نحو غريمه السابق حميد شباط، زعيم الاستقلاليين.
تحالف البيجيدي والاستقلال والسيناريو الممكن اختار رئيس الحكومة قبة البرلمان ليوجه رسالة غزل واضحة لغريمه السابق حميد شباط من أجل التحالف ضد ما سماه رئيس الفريق البرلماني للاستقلاليين بالتلوث السياسي، وإذا كان ابن كيران قد عبر عن قمة سعادته بالتحول الجاري داخل حزب الاستقلال من أجل تكسير القطبية الحالية مع البام وتحالفات هذا الأخير، فإنه يدرك جيدا أيضا بأن نجاحه في هذه الاستراتيجية يمكن أن يغير معادلة الصراع القائم، خصوصا أنها قامت حسب البيجيدي على عزل الحزب الإسلامي وكشف ظهره طوال السنوات الأخيرة، ومع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي ل 7 أكتوبر القادم، وهو ما ترجم على مستوى تفجير العديد من الملفات أمام حكومة ابن كيران، ومحاولة دفع الشارع وشرائح اجتماعية إلى التمرد على سياسة حكومة ابن كيران، وكلما اقتربت الانتخابات ازداد الضغط، حسب مصادر البيجيدي، ومن هنا يمكن فهم الرسائل المتبادلة بين البيجيدي وحزب الاستقلال في هذه الظرفية السياسية المعقدة، فالكل مسكون بهاجس الانتخابات، وإن كان الضغط أكبر على الإسلاميين المتواجدين في السلطة والبام، الذي يخوض هو بدوره حرب وجود مع الإسلاميين ولا يخفي زعيمه أن هدف حزبه ومشروعه السياسي هو إزاحة الإسلاميين وكسر شوكتهم، لكن ذلك لا يعني أن زعماء الأحزاب الأخرى بعيدون عن هذه الهواجس، فالزعيم الاستقلالي يدرك هو نفسه أن الانتخابات القادمة ستكون فرصته الأخيرة بخصوص مستقبله السياسي، وهو نفس الوضع بالنسبة لزعيم الاتحاديين ادريس لشكر الذي يوجد في وضع لا يحسد عليه، بعد التراجع المرعب للتواجد السياسي للاتحاديين، الذين لم يعودوا يطمحون للعب دور سياسي كبير في زمن زعامة لشكر، وأقصى ما يبحثون عنه حسب المراقبين هو إقامة تحالف مع المنتصر في الانتخابات القادمة، ومن هنا يمكن إدراك أهمية التحالف الذي يبحث عنه ابن كيران وشباط في الانتخابات القادمة، وإن كان كل طرف مازال حذرا مما يمكن أن يفرزه الصراع الحالي. حميد شباط اختار العودة إلى قلعته القديمة فاس لتوجيه رسائل نارية ضد الدولة ووزارة الداخلية والمجلس الدستوري الذي أطاح ب 7 مستشارين في الغرفة الثانية ورئيس جهة الداخلة أوسرد، وهي ضربة موجعة بكل المقاييس بالنسبة للاستقلاليين، الذين لم يتردد زعيمهم في توجيه نقد لاذع إلى حزب البام، واتهامه صراحة بأنه يقف وراء الضربات التي توجه لحزبه. غضب الاستقلاليين وصل حد توجيه مدفعيتهم نحو المجلس الدستوري ووزارة الداخلية، باعتبار أن هذه الأخيرة هي التي تقف وراء الإطاحة برئيس جهة الداخلة الخطاط، ويبدو أن الصراع بين الاستقلال وأركان الدولة وصل إلى مستوى غير مسبوق، مما ينذر بأزمة سياسية لا يمكن التحكم في تطوراتها المستقبلية، وهو ما جعل حزب علال الفاسي يعيد حساباته حسب المراقبين بحثا عن تحالف مع الإسلاميين في الانتخابات القادمة، وربما يكون أحد مؤشراته الحالية هو ما يروج حول اتفاق ضمني بين الإسلاميين والاستقلاليين لإعادة المستشارين الاستقلاليين الذين تمت الإطاحة بهم إلى قبة البرلمان بواسطة من نبيل بنعبد الله. ويبدو أنه في حالة نجاح إقامة تحالف بين البيجيدي والاستقلاليين بعد تمرد شباط على البام وبعد التصريحات النارية لزعيم الاستقلاليين بأن المعطيات السياسية قبيل انتخابات 7 أكتوبر يمكن أن تشهد انقلابا حقيقيا يخدم مصالح الإسلاميين بالدرجة الأولى، حيث يراهن ابن كيران على تفكيك تحالفات غريمه البام مقابل إعادة تكوين تحالفه وتوسيعه ليشمل حزب الاستقلال ولِمَ لا الاتحاد الاشتراكي، وفي حالة نجاح ابن كيران في ذلك فإن الزعيم المثير للجدل سيكون قد ضمن جزءا هاما من إعادة تشكيل المشهد السياسي وربما ضمن أيضا بقاءه في الحكم لولاية ثانية.