اختار الزعيم الإسلامي ورئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران اجتماع منتخبي حزبه، والكتيبة التي سيقود بها انتخابات أكتوبر القادم، ليوجه مدفعيته الثقيلة نحو غريمه السياسي إلياس العماري وحزبه الأصالة والمعاصرة. ابن كيران، الذي يدرك جيدا أن المعركة الفاصلة القادمة ستكون مع حزب العماري، اختار بعث رسائله في جميع الاتجاهات، من أجل نقل المعركة إلى قلب المكون الذي يري فيه الخصم الأساس الذي يهدد بقاء الإسلاميين في السلطة، واستمرار ابن كيران على رأس الحكومة القادمة. على بعد أقل من 5 أشهر من المعركة الحسم لانتخابات 7 أكتوبر القادم، اختار ابن كيران مواجهة غريمه إلياس العماري، ومحاولة نقل الصراع إلى داخل حزب غريمه لكن أيضا إلى قلب الرأي العام حيث المواجهة الفصل بين الطرفين. ويدرك الزعيم الإسلامي أن مشروع البام، الذي أعيد إحياؤه في الشهور الأخيرة بعد النتائج الباهرة التي حققها الإسلاميون في انتخابات 4 شتنبر 2015، هو الذي يمكن أن يحول دون استمرار الإسلاميين في السلطة، حيث يسود اعتقاد واسع لدى أوساط العدالة والتنمية أن أطرافا متعددة تدفع في هذا الاتجاه خوفا من اكتساح إسلامي جديد في انتخابات 7 أكتوبر القادم، وهو اكتساح إذا حدث يمكن أن يربك إلى حد بعيد بعض صناع الخرائط السياسية بالمغرب والعقل المشغول بترتيب البيت الداخلي بشكل هادئ، دون إخلال كلي وعنيف بالتوازنات التي بنيت على أنقاض ما قبل الربيع المغربي الذي قفز بالإسلاميين للسلطة. ومن هنا يمكن أن ندرك أبعاد ازدياد حدة الصراع بين الطرفين، دون إغفال الإرباك الذي يمكن أن يكون قد أحدثه خطاب الملك في قمة الخليج بين المغرب وبلدان التعاون الخليجي، حسب المراقبين، فلأول مرة يعبر الملك عن رؤيته الخاصة حول أحداث الربيع العربي والمآلات التي وصلت إليها، وقد جاء وصفه بأنه تحول إلى خريف عربي ليلقي ظلالا كثيفة على رؤية العقل السياسي للنظام حول مستقبل الانفتاح السياسي المحدود الذي أفرزته هذه الأحداث. ولاشك أن الإسلاميين المتواجدين في السلطة منذ 2012 يجدون أنفسهم أول المعنيين بما صرح به الملك، وهذا سيزيد من الضغط على الزعيم الإسلامي وحزبه الذي استثمر كثيرا طوال السنوات الخمس لبناء علاقة استراتيجية مع المؤسسة الملكية، تقوم على معادلة الولاء التام مقابل ضمان عدم الانقلاب على المشاركة السياسية للإسلاميين بشكل يضمن المستقبل السياسي للحزب ولأجياله القادمة، على الأقل في ظل التوازنات التي أفرزتها أحداث الربيع العربي، الذي وصفه الملك في خروج مثير بأنه تحول إلى خريف عربي. ازدياد الضغط على ابن كيران وحزبه في الشهور الأخيرة، والرسائل الواضحة التي وصلت لقياداته في هرم قيادة الحزب، لا تترك مجالا حسب مصادر حزبية للشك في أن الهدف من كل الضربات التي توجه له هو إرباك الحزب وتخويفه من أجل دفعه نحو التراجع عن تشكيل ما يعتبره البعض تهديدا لتوازنات سياسية يراد التحكم فيها وفي نتائجها قبل الوصول لمحطة 7 أكتوبر القادم. ويعتبر الزعيم الإسلامي أن البام هو أداة لتنفيذ هذا المخطط، وما عجز رئيس الحكومة عن التعبير عنه بشكل أكثر وضوحا ترك للوجه المشاغب داخل الحزب عبد العزيز أفتاتي للتعبير عنه بأن إلياس العماري ما هو إلا "كركوز" لأطراف أخرى تحركه من وراء الستار، وهي رسالة واضحة أيضا حول كون العقل السياسي للإسلاميين داخل البيجيدي يعتبر أن البام والدفع بشكل سريع بإلياس العماري إلى واجهة الحدث السياسي ما هو إلا أحد أدوات المواجهة المراد لها قطف رؤوس إخوان ابن كيران وهذا ما عاد ابن كيران للتركيز عليه في هجومه على غريمه العماري بأن إخراجه للواجهة السياسية يطرح أكثر من تساؤل حول من يقف وراءه، ومن يدعمه، ومن يوفر له الملايير لإنشاء إمبراطورية إعلامية تكون ذراعا لمواجهة حزبه على بعد أشهر قليلة من الانتخابات التشريعية. الموقف نفسه عبر عنه الرجل الثاني في الحزب رئيس المجلس الوطني للعدالة والتنمية سعد الدين العثماني، الذي كان في فترة سابقة أكثر المرشحين لتولي السلطة في حالة نجاح الإسلاميين، بأن الحزب التحكمي يراد التمكين له، وبأن الحزب لن يستسلم لأن في ذلك خطراً على مستقبل المغرب، والعملية السياسية برمتها. وهذا الموقف عبر عنه صراحة طبيب الحزب، الذي اعتبر أن كل القضايا التي تم تفجيرها في طريق الحزب بدءا بملف عمدة الرباط الصديقي، ودفع الداخلية للتحقيق في اتهامات محمد يتيم، الزعيم النقابي السابق، ورئيس الذراع الإعلامي للحزب حاليا، بخصوص تمويلات خليجية للبام، هي ذات خلفية سياسية الهدف منها إرباك الحزب، وزرع ألغام في طريقه، وخلق بلبلة وتشويش لدى الرأي العام، خصوصا بعد تصريحات زعيم البام العماري حول كون فوز البيجيدي في انتخابات 2011 قد خطط له، وطلب من حزبه المساهمة في هذا التخطيط من أجل مواجهة عاصفة الربيع المغربي التي كانت تشكل تهديدا حقيقيا للوضع السياسي بالمغرب. الخروج الإعلامي للعماري، في قضية جد حساسة، زاد من تعقيد أبعاد الصراع بين الطرفين، خصوصا وأن كل المؤشرات تؤكد على أن البلاد ذاهبة في اتجاه إحداث قطيعة سياسية يمكن أن تكون قاتلة في حالة عدم التحكم فيها، فهل ينجح الإسلاميون والنظام السياسي وذراع البام في ضمان عبور سالم نحو واقع سياسي متوافق عليه، في انتظار قرار سياسي يجعل الصندوق هو صاحب الكلمة الفصل، وليس ترتيبات سياسية تضمن توازنات يراد لها الاستمرار في رسم معالم الخريطة السياسية لمغرب ما بعد 7أكتوبر 2016؟