إعلان إلياس العماري، بعد صعوده لرئاسة حزب الأصالة والمعاصرة، بأن حزبه جاء لمواجهة الإسلاميين، أعاد إلى الأذهان أول تصريح لمؤسس الحزب فؤاد عالي الهمة أثناء أول خروج إعلامي له في القناة الثانية، وهو ما جعل المراقبين يعيدون رسم خريطة مشروع البام، بعيدا عن تصريحات الزعيم الجديد، التي حاول فيها بعث رسائل للزعيم الإسلامي ورئيس الحكومة بأنه يبحث عن هدنة مع البيجيدي تتيح لابن الريف إدارة مرحلة الصراع الحاسمة على بعد 10 أشهر من الانتخابات التشريعية التي ستحدد مستقبل الإسلاميين في السلطة ومستقبل مشروع البام برمته. الإسلاميون والبام: صراع الوجود
حضور الإسلاميين في مؤتمر البام يختزل العلاقة بين الطرفين، فقد غاب كل الطيف الإسلامي عن مؤتمر حزب صديق الملك -سابقا- باستثناء الوزير الداودي، الذي كان صريحا بقدر ما كان اختياره رسالة للبام عن قيادة البيجيدي بأنه لا تغيير في الموقف من هذا الحزب، ومن مشروعه السياسي.
العدل والإحسان كانت أكثر صراحة، وبعيدا عن اللباقة الديبلوماسية، أعلنت دائرتها السياسية بأن حزب ومؤتمر البام لا يعني الجماعة في شيء، نفس الملاحظة بالنسبة لباقي الحساسيات الإسلامية التي غابت عن مؤتمر البام، باستثناء حضور بعض الوجوه التي التحقت بحزب الفضيلة، وفي مقدمتها أبو حفص.
أثناء انعقاد مؤتمر البام اختار رئيس الحكومة وزعيم البجيدي بعث رسائله الخاصة ليس فقط نحو البام، وإنما أساسا للرجل الذي كان يدير مشروع البام من الخلف قبل أن يبرز للعلن، ويأخذ القيادة بشكل مباشر، وهو ما ينذر بصراع قاتل بين الطرفين. كلمات عبد الإله ابن كيران كانت واضحة وهو يخاطب أطر حزبه بأن مشروع البام السياسي كارثة على الشعب المغربي، وبأنه امتداد لنخبة تقاسمت نهب خيرات المغرب على مدى 60 سنة، بل إن مدفعيته الثقيلة توجهت مباشرة للعماري وذمته المالية، ليسائله عن مصدر ثرائه وملاييره التي أسس بها إمبراطوريته الإعلامية، التي يدرك الإسلاميون أن مدفعيتها ستكون موجهة أساسا لهم، وأن إعادة تكرار مقولة زعيمه السابق فؤاد عالي الهمة بأن هذا المشروع جاء لمحاربة ومواجهة الإسلاميين إنما تؤكد شكوك هؤلاء في مشروع صديق الملك، الذي سلمه لأصدقائه بعد هزة 20 فبراير ومطالبة الشارع برحيله، قبل أن ينقذ الملك الموقف ويتم ترحيله إلى رئاسة الدائرة الضيقة للقرار حول الملك.
لكن ما معنى أن يعيد الزعيم الجديد إنتاج خطاب الزعيم السابق؟ وهل ذلك رسالة حول عنوان المرحلة الجديدة بعد تولي إلياس العماري رئاسة حزب البام في ما يشبه البيعة، حيث غاب صندوق الانتخاب وصعد الرجل بدون منافس، في الوقت الذي كان يقول الرجل قبل وأثناء انعقاد المؤتمر بأنه غير معني برئاسة حزب "البام"، مما طرح العديد من الأسئلة من قبل المراقبين، حول من كان وراء القرار لقيادة الانقلاب في آخر لحظة ودفع رجل الظل إلى الشمس الحارقة كما وصفه بذلك لحسن الداودي الذي مثل البيجيدي في مؤتمر البام.
هاجس البيجيدي ورئيس الحكومة كان حاضرا بقوة في المؤتمر بقدر ما كان البام حاضرا في الاجتماع الأسبوعي لقيادة الإسلاميين داخل "البيجيدي"، ولم يتأخر رد هذا الأخير من قبل أكثر من وجه قيادي داخل الحزب، حيث وصف صعود إلياس العماري بأنه تعبير عن النظام السلطوي، الذي يبشر به حزب البام ومشروعه السياسي، حيث لم يجر أي انتخابات وفتح الطريق المعبد لصعود العماري مما يزيد من غموض الموقف ويطرح السؤال حول الرسالة المراد إيصالها للإسلاميين بدفع رجل الظل للعلن وأن يقول ما قاله بعد صعوده مباشرة، مما دفع البرلماني المثير للجدل داخل حزب رئيس الحكومة إلى وصف ما وقع ببدء تنفيذ مخطط عودة التحكم إلى العمل علانية، وهو ما سيفرض على الإسلاميين، حسب المراقبين، الاستعداد لمواجهة قاتلة مع "البام" وأنصاره.
كما أن إلياس العماري عرض ما يشبه تحالفا جديدا يمكن أن يقود المرحلة المقبلة إذا تم هزم الإسلاميين في الانتخابات القادمة وصعد "البام".
تسريبات قيادة البيجدي ورئيس الحكومة تفيد أنه بقدر ما أصبح يزعج صعود العماري، فإن المهمة أصبحت سهلة أمام ابن كيران وقيادات الإسلاميين في المواجهة، حيث كان يتم التركيز على الرجل وهو يقود الحزب في الظل، بينما سيكون اليوم من السهل مواجهته وهو يقود البام بشكل مباشر، ومن هنا يمكن فهم أبعاد الرسالة التي حرص على بعثها العماري في أول ندوة صحفية له بعد صعوده لقيادة حزب صديق الملك.
فالرجل حسب المراقبين يرغب في سلم ولو مؤقت مع رئيس الحكومة من أجل التفرغ لإدارة الحزب في الأشهر القادمة، حيث يدرك جيدا أن نتائج الانتخابات هي التي ستحدد مصيره ومستقبله السياسي، فإما تأكيد زعامته ووصوله لقمة السلطة بمباركة كل الأطراف المتخوفة من هيمنة الإسلاميين، أو نهاية مشوار سياسي لزعيم صنع في زمن قياسي وعبد الطريق أمامه في زمن قياسي أيضا، من أجل ما صرح به هو شخصيا، وهو مواجهة الإسلاميين، وهي رسالة واضحة بأن مهمة البام المستقبلية هي محاولة سد القوس الذي فتحه الربيع العربي وحركة 20 فبراير، مما مهد الطريق نحو صعود الإسلاميين للسلطة في أول تجربة في عهد مملكة محمد السادس، وهو ما يدركه رئيس الحكومة وزعيم إسلاميي البيجيدي، الذي فضل الصمت بعد صعود العماري، العدو اللدود لهذا الأخير، ربما في انتظار الاستيعاب الجيد لهذا الصعود وأبعاده السياسية، خصوصا بعد رسالة الملك والأوصاف التي أطلقت على الرجل وجعلت منه رجل دولة بامتياز، وسيكون على الإسلاميين سواء داخل الحزب الذي يقود الائتلاف أو الذي يختلفون مع تجربته السياسية بعد تحالفه مع الملكية أن يقرأوا جيدا تعقيدات وأبعاد المرحلة المقبلة بعد انقلاب "البام".