“تحالف تنموي“، بتعبير النائب الأول للامين العام لحزب العدالة والتنمية، سليمان العمراني. “حزب البؤس مكانهمزبلة التاريخ وينبغي أن نشتغل ونعمل على ذلك“، يردّ القيادي وعضو الأمانة العامة للمصباح، عبدالعزيز أفتاتي. “ليس هناك أي تقارب مع العدالة والتنمية ومن يقول بذلك يروج كلاما لا أساس له من الصحة” برأي القيادي في حزبالأصالة والمعاصرة العربي المحرشي، و“الغرض هو تطبيع العلاقات ونحن نريد حوارا من أجل احترام متبادل” يردّقيادي آخر في الحزب نفسه، هو النائب البرلماني عبداللطيف وهبي. كمّ هائل من التناقضات قفزت إلى الواجهة متم أكتوبر الماضي، حين استيقظ المراقبون على تحالف مفاجئ وغيرضروري، بين حزب العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، لتشكيل مجلس جهة الشمال، إثر استقالة الغريم اللدودلإسلاميي المؤسسات، إلياس العماري، من رئاستها. فحزب الجرار الذي تمكّن عام 2015 من جمع الأغلبية اللازمةللحصول على رئاسة هذه الجهة ومنحها لزعيمه السابق، لم يكن بحاجة إلى أصوات مستشاري العدالة والتنمية. تحالف جاء بغاية وحيدة، هي بعث رسائل سياسية مفادها الاستعداد لقلب الصفحة وبدء مرحلة جديدة، يراد لها أنتكون بعنوان “تنافس دون قطيعة“. تحوّل لم يكن هضمه يسيرا على كلّ من تابع تطوّرات الحقل السياسي في العقدين الماضيين، حيث جاءت ولادة حزبالأصالة والمعاصرة على يد رفيق دراسة الملك ومستشاره الحالي، فؤاد عالي الهمة، بغاية التصدي لصعودالإسلاميين الذين كانت مناظير الدولة ترى بوادر اكتساحه للمشهد الانتخابي منذ أكثر من 15 عاما. فيما جاءصعود حزب العدالة والتنمية في العقد الأخير بفضل قفزة كسرت وتيرة صعوده البطيء في العقد الأول من حكم الملكمحمد السادس، وهي القفزة التي وقعت عام 2011 في سياق الربيع العربي، وبفضل قوة الدفع التي تولّدت عنخروج الغضب إلى الشارع رافعا حزب ال“بام” في لافتات الاحتجاج. هل هي أعراض التحوّل الذي فُرض على الحزبين بعد انتخابات 2016 التشريعية؟ البيجيدي في اتجاه إضعافقوته الانتخابية والسياسية لحمله على إخلاف موعد الصدارة، وحزب البام في اتجاه “معاقبته” لفشله في مهمتهالأصلية التي هي هزم الإسلاميين؟ بيداغوجيا التحضير يعتقد المحلل السياسي، مصطفى السحيمي، في حواره معنا ضمن هذا الملف، أن من بين ما تغير في العلاقات بينالعدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، مقارنة بما كانت عليه ما بين 2007 و2009، هو كذلك مغادرة كل من عبدالإلهبنكيران وإلياس العماري للساحة السياسية. “فالنقاش السياسي طيلة تلك الحقبة كان قد أخذ طابعا شخصانيافي ظروف مفرطة؛ مما أضر بمشاكل أخرى ذات طبيعة أعمق، وهي لازالت مطروحة بحدة“. قيادة حزب العادلة والتنمية، وبعد الضجة التي أحدثها تحالف ممثليها في مجلس جهة الشمال مع رئيسة من حزبالأصالة والمعاصرة، دخلت في ما يصفه محمد جبرون في حواره ضمن هذا الملف، “بيداغوجيا” ستجعل قواعدالحزبين على استعداد للتعاون والتشارك في المستقبل. “نحن بصدد تحالف تدبيري في جهة طنجة ولسنا في إطارتحالف سياسي، لأن التحالف السياسي هو الذي يتم في إطار الحكومة أو بين أحزاب سياسية“، يقول سليمانالعمراني، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، مضيفا أن هذا التحالف التدبيري ليس جديدا “بل سبق أنشاركنا مع البام في تسيير جماعات محلية منذ 2015، إما بالتحاقهم بالأغلبية في جماعات نسيرها أو التحاقنابأغلبية يسيرها البام“. القيادي في صفوف الحزب الإسلامي، يقرّ بأن الجديد هذه المرة هو أنها تتعلق بأول تحالف في إطار الجهة، “وقدجاء هذا الطلب منهم وتفاعلنا إيجابيا معه وفوضنا لجنة للتفاوض وهذا أمر عادي لا يمكن تحميله أكثر ما يحتمل“. وشدّد العمراني على أنه في السياسة لا توجد اختيارات حدّية، بما في ذلك احتمال التحالف حكوميا، “فنحن نقدرالمصلحة في كل سياق محدد، والمصلحة تتقلب حسب السياقات. مبدئيا كل شيء ممكن. وأنا لا أقول إننا حتماسنتحالف مع البام، كما لا أقول حتما لن نتحالف مع البام. المعطيات السياسية والسياقات هي التي تحدد مواقفنا“. قيادي آخر في صفوف الحزب الإسلامي، هو عمدة مدينة مكناس عبدالله بوانو، خرج عبر موقع هيسبريس، الذياستضافه في برنامج تلفزيوني، ليقول إن حزبه “يلمس أن البعض في الأصالة والمعاصرة يتجه إلىمعالجة التشوهات، وسيصبح حزبا وطنيا كباقي الأحزاب“، وأكد بوانو أنه “إذا انتفت فيه العناصر التي جعلت منهحزبا للتحكم فلا مشكلة لنا في التحالف معه“. بوانو دعا البام في المقابل للقيام أولا “بنقد ذاتي” ومعالجة ما وصفهاب“تشوهاته الخِلقية“، أي معالجة ظروف نشأته في حضن السلطة وتوجهاته القائمة على محاربة البيجيدي. شبكة للقراءة هذه المواقف جاءت متزامنة ومتتالية بشكل يراد منه التعبير عن حدوث تطور في توجهات البيجيدي الذي كان يعتبرالتحالف مع البام “خطا أحمر“، بسبب الصراع الذي عاشه الحزبان منذ تشكيل البام سنة 2008، ورفعه شعارالحرب ضد الإسلاميين، والمواجهة الحامية التي دخلها الطرفان، في انتخابات 2009، و2015 و2016. قراءة هذا التطور في الموقف تثير ثلاثة تطورات فرعية، أولها، تراجع قوة حزب الأصالة والمعاصرة وتفككه وانشغالهبصراعاته الداخلية التي وصلت إلى القضاء، وتراجع تنافسيته للبيجيدي، وظهور توجهين داخل الحزب، الأول يدعوإلى التحالف مع البيجيدي والقطيعة مع معاداته، ويمثله عبداللطيف وهبي وفاطمة الزهراء المنصوري، والثانيمتشبث بإيديولوجية معاداة البيجيدي ورفض التحالف معه، ويمثله الأمين العام حكيم بنشماش. أمام هذا التراجع لم يعد البيجيدي يرى في البام خطرا عليه، وربما يفكر في دعم توجه داخله يميل إلى التصرفببراغماتية، خاصة بعدما تلقى حكيم بنشماش منتصف هذا الأسبوع، ضربة موجعة حين قضت محكمة الاستئنافبالرباط برفض طلبه القاضي بالطعن في شرعية اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحزب التي يرأسها غريمه سمير كودار. وأعلنت المحكمة، بذلك، إلغاء الحكم الابتدائي الذي صدر لصالح بنشماش في أكتوبر الماضي، معمقة جراح الحزبالذي فقد عُرّابه إلياس العماري. ومباشرة بعد صدور هذا الحكم، سارع عبداللطيف وهبي، البرلماني والقيادي فيتيار المستقبل، إلى التعبير عن سعادته للحكم، وقال ل“أخبار اليوم” إن المحكمة قضت بإلغاء الحكم المستأنف، مايعني “الاعتراف بشرعية اللجنة التحضيرية” التي يرأسها سمير كودار، وكذا “شرعية القرارات الناتجة عنها“. أما التطور الفرعي الثاني، فهو قرار الأمانة العامة للبيجيدي التحالف مع البام لتشكيل مجلس جهة طنجة، في 28 أكتوبر، وهو حدث له أكثر من دلالة، لأنه أتى بعد ابتعاد إلياس العماري عن تسيير مجلس الجهة، بعد استقالته منقيادة البام، وبالتالي، طَي صفحة إحدى الشخصيات المثيرة للجدل التي شنت حربا لا هوادة فيها ضد البيجيدي منذتأسيس البام، وأيضا لأن الدعوة إلى التحالف أتت باقتراح من البام، وتحديدا من تيار عبداللطيف وهبي. الموقف الجديد، الذي عبّرته عنه قيادة البيجيدي، يمكنه من ضرب عصفورين بحجر واحد، فهو يدعم تيار وهبي منجهة، ويضمن من جهة ثانية، المشاركة في تسيير إحدى أكبر الجهات وأغناها في المغرب، بعدما تم إبعاده عنها، رغمالنتائج المهمة التي حصل عليها في انتخابات 2015. أما التطور الثالث، فهو بروز منافسة قوية للبيجيدي من طرف التجمع الوطني للأحرار ورئيسه عزيز أخنوش، الذيدخل منذ أشهر في حملة انتخابية سابقة لأوانها. فالخطر لم يعد قادما من البام، وإنما من الأحرار الذين يلوحون منالآن بأنهم سيفوزون بالرتبة الأولى في انتخابات 2021، فرغم تحالفهما الحكومي إلا أن البيجيدي يراقب تحركاتالأحرار وحملاته واستقطابه للأعيان، ساعيا إلى المواجهة بتكثيف لقاءاته عبر الجهات وبالتلويح بالتحالف مع البامفي 2021، لكن هذا التحالف سيبقى رهينا بالتطورات داخل هذا الحزب وبنتائجه في الانتخابات المقبلة. دور الدولة قبيل انتخابات أكتوبر 2016 التشريعية، نشرت “أخبار اليوم” ملفا حول السيناريوهات المحتملة لما بعد تلكالانتخابات، وكان من بينها احتمال تحالف الغريمين، البام والبيجيدي. الباحث والأكاديمي، كمال قصير، استبعدفي حواره معنا حدوث هذا التحالف وقتها، خاصة مع صعود إلياس العماري إلى زعامة البام ليواجه بنكيران، الذيكان حينها يقود البيجيدي. وعندما سألناه عن الشروط اللازمة لحدوث مثل هذه الخطوة، قال إن هناك شقّا مهما فيحدوث مثل هذا التقارب يتعلّق بالدولة ودورها السياسي. “للتفاهم هنالك حاجة إلى أن تصل الدولة أو جزء منها إلىالقناعة والقبول باستمرار حزب العدالة والتنمية في تدبير الشأن العام مستقبلا، وأنه ليس صفحة تطوى قريبا، لكنمقابل ذلك، لا بد أن يدخل، أيضا، لاعبون جددا“، يقول قصير، مضيفا أنه من غير الممكن أن يظل حزب الأصالةوالمعاصرة خارج لعبة تدبير السلطة، “ولا يمكن أن يستمر فقط، من خلال أحزاب أو شخصيات مفوضة في حكوماتلا يوجد هو بداخلها“. وتوقّع حينها قصير أن يخوض إلياس العماري معركة ضارية ضد العدالة والتنمية، “لكنه سوفيدرك، مع مرور الزمن أن التفاهم ولو في الحد الأدنى ضروري مع حزب العدالة والتنمية من باب الخيار البراغماتي“. كلمة السرّ ومفتاح أي تقارب بين الغريمين المهيمنين على الصراع الحزبي في عهد الملك محمد السادس، هي برأيكمال قصير في الحوار نفسه “البراغماتية“. “صحيح أن حزب الأصالة والمعاصرة آلة مالية وانتخابية كبيرة، ولهعلاقات وامتدادات وتأثير في الإدارة والدولة“، يقول قصير، ثم يضيف مستدركا: “لكن ذلك لا يعني أن لديه قدرة علىضبط الاستقرار السياسي والاجتماعي في المغرب، مقارنة مع حزب العدالة والتنمية، وهو يدرك هذه الزاوية جيدا،خاصة أنه كان معنيا بالشعارات التي رفعتها الاحتجاجات عام 2011″. وينبّه المتحدّث نفسه، إلى أن البراغماتيةوحدها ليست كافية، بل لا بد من “مراجعات سياسية أو مواقف معلنة يمكن البناء عليها في هذا الشأن“. “هل يحتمل العقل السياسي المغربي بمثل هذا التعايش بعد الحرب الكبيرة التي دارت بين الحزبين؟“، سألنا كمالقصير، فكان جوابه أن “السياسة تسمح بما لا تسمح به الإيديولوجية والأطر الفكرية“، وقدّم نموذجا اعتبره مشابهالما يجري في المغرب، كان يقع حينها في تونس، “ذلك أنه عندما تفاهم الشيخان السبسي والغنوشي، لم يحتج الأمرإلى كثير من العناء بالنسبة إلى القاعدة من حيث تقبل الوضع الجديد، وهي علاقة كانت تعتبر أمرا مستحيلا من قبل،لكن هذا التفاهم هو ما يمنح تونس الاستقرار السياسي حاليا“. وشدّد محدّثنا على أن مواجهة الإسلاميين “تعتبرآلية وليست مشروعا ولا مبدأ ثابتا، ويمكن التخلي عنها في أي لحظة“. المصالح وليس الإيديولوجيات أكاديمي آخر هو المتخصص في علم الاجتماع السياسي، محسن الأحمدي، قال ل“أخبار اليوم” عندما طرحتسؤال احتمال تحالف حزبي البام والبيجيدي، إن النموذج التقليدي القائم على التقابل بين أحزاب الكتلة وأحزابالوفاق، أو بين أحزاب الحركة الوطنية والأحزاب الإدارية، أو الأحزاب التقدمية والأحزاب الرجعية، كلها مفاهيم نظريةتُجوزت. وأضاف الأحمدي أن “التموقعات السياسية لم تعد تحدد على أساس إيديولوجي أو طبقي، بل من خلالتكتلات حزبية وتنظيمات تعتمد على الوصول إلى مصالح معينة للنخب المسيرة للأحزاب، وباستثناء حزب العدالةوالتنمية الذي يتوفر على عمق إيديولوجي ديني، فإن حزب الأصالة والمعاصرة لا يتوفر على هذا العمق والمرجعيةالإيديولوجيين“. وقدّم الأحمدي وقتها كحجة عن إمكانية حدوث تحالف بين البام والبيجيدي، بالتحالف القائم وقتها بين العدالة والتنميةالإسلامي والتقدم والاشتراكية اليساري “على أساس مصالح معينة، وحدّ أدنى من التوافق وليس على أساسبرنامج“. وعن الإشكال الأخلاقي الذي يمكن أن يطرحه تقارب الحزبين بعد حروبهما الطويلة، قال الأحمدي إنه“عندما تدخل عالم السياسة يغيب مفهوم الأخلاق، فهي، أساسا، مصالح وإملاءات بعيدة عن الوازع الأخلاقي“. لكن الباحث المتخصص في علم الاجتماع السياسي، عاد ليقرّب كون مثل هذا التقارب يغيّب البعد الديمقراطيلصالح البراغماتية و“الميكيافيلية“، وخلص إلى أن مثل هذا التحالف “لن يبقي للديمقراطية معنى، وإن كانالسياسيون لا يستحضرون هذا البعد كثيرا لأنه يحول بينهم وبين الوصول إلى السلطة“. حرب النشأة دواعي الجدل الذي يثيره التقارب بين حزبي البام والبيجيدي، تتمثل في كون الصراع بينهما أصبح ومنذ سنوات،الفرز الوحيد الذي يمكن للمرء أن يجازف بكل ثقة. فال“بام” تأسس لمحاربة البيجيدي بالدرجة الأولى، والإسلاميونلم يدخروا جهدا لمحاربة “الوافد الجديد” ومهاجمته في كل فرصة وحين. وصعود أحدهما إلى المرتبة الأولى فيالانتخابات التشريعية لما بعد دستور 2011، كان كافيا للجزم باستحالة صعود الآخر إلى الحكومة، أي أنها معركةوجودية. فقد بدا منذ اليوم الأول لانتخاب فؤاد عالي الهمة نائبا برلمانيا عن دائرة الرحامنة في تشريعيات 2007 كمرشحمستقل، إثر استقالته من وزارة الداخلية، أن الإسلاميين يتصدرون قائمة أولويات الوافد الجديد على الحقلالانتخابي، ويشغلون الحيز الأكبر في أجندته الجديدة. وبمجرد الإعلان عن اكتساح اللائحة “المستقلة” التي حملترمز “التراكتور“، نتائج الانتخابات في دائرة بنجرير، وحصدها للمقاعد البرلمانية الثلاثة بتلك الدائرة، ظهر الهِمّة فيخروج إعلامي شهير عبر القناة الثانية التي استضافته ضيفا خاصا، كي يقول إن حزب العدالة والتنمية حزبهامشي وإقصائي. مهمة أساسية لتحجيم الصعود القوي للإسلاميين، تصدى لها حزب الأصالة والمعاصرة بعد عام واحد من تأسيسه،حين تصدّر نتائج أول انتخابات يخوضها في تاريخه، أي استحقاقات 2009 المحلية. بل إن “الوافد الجديد” نزلبكامل ثقله وحمولته لمنع الإسلاميين من المشاركة في تدبير أي من المدن الكبرى، وكاد يومها حزب العدالة والتنمية يجدنفسه خارج تحالف الأغلبية المشكلة لمجلس مدينة الدارالبيضاء، رغم أنه تصدر نتائج الانتخابات الجماعية فيها،ورغم الاتفاق الأولي الذي توصل إليه الحزب محليا مع عمدة المدينة، محمد ساجد. فقد دخل “الوافد الجديد” على الخط والتقى، قياديين في حزب الاتحاد الدستوري، بينهم الأمين العام للحزب محمدأبيض ومحمد ساجد، وعرض عليه تشكيل تحالف جديد للأغلبية، يستبعد إسلاميي العدالة والتنمية والتجمع الوطنيللأحرار، يمنعهم من تولي تدبير أكبر مدينة في المغرب. إخوان عبدالإله بنكيران، فجّروا خلال عملية التصويت مفاجأةكبرى بحصولهم على مقعد النائب الثاني للعمدة، بعدما بات في حكم المؤكد انتماء منتخبي الحزب إلى المعارضة. سيناريو مماثل تكرر في العاصمة الرباط، حيث عقد قياديو الأصالة والمعاصرة ندوة صحافية، خصصت للإعلان عنقرار الحزب عدم التحالف مع العدالة والتنمية في إطار عملية تشكيل المجالس الجديدة للمدن. لتحدث المفاجأة مرةأخرى، ويتّحد حزبا العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وينتخبا فتح الله والعلو عمدة للعاصمة، فيما تكرار لسيناريو مدينة سلا، حيث تدخل حزب ال“بام” وعلى أعلى المستويات الحزبية، من أجل تفكيك تحالفتشكلت أضلعه الأساسية من منتخبي العدالة والتنمية والأحرار، وهي المحاولة التي أفشلها صمود التحالف، والتحقالإسلاميون بالأغلبية المسيرة لمدينة سلا… منعطف الربيع العربي زحف “الجرار” هذا وإمعانه في قص أجنحة الإسلاميين، سوف لن يوقفه إلا اندلاع الربيع العربي، وخروج الشبابوقتها رافعا صور مؤسسي ال“بام” مطالبا برحيلهم، مفشلا بذلك مخطط صنع حزب أغلبي على غرار ما كان يتم فيالعقود السابقة، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. وبتاريخ 16 ماي 2011، أي اليوم الذي يصادف ذكرىالأحداث الإرهابية بالدارالبيضاء، 16 ماي 2003، كان أعضاء المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرةيجتمعون للنظر في القنبلة غير المتوقعة التي ألقى بها مؤسس الحزب إليهم، فؤاد عالي الهمة، بإعلانه استقالته منرئاسة لجنتين من لجان حزب “الجرار“. انتقال المملكة إلى عهد الدستور الجديد، وجلوس بنكيران على مقعد رئيس الحكومة لم يغيّر كثيرا قاعدة العلاقة بينزعيم إسلاميي المؤسسات وحزب الأصالة والمعاصرة. وهي العلاقة القائمة على المدّ والجزر بثابت واحد هو الصراعالوجودي، أي الحرب من أجل القضاء على الطرف الآخر. ومع توالي الأسابيع والشهور، واصل حزب الجرار تغييرجلده تفاعلا منه مع موجة الربيع العربي، وعقد مؤتمرا انتخب فيه أمينا عاما “تكنوقراطيا” ووجها مقبولا هو مصطفىبكوري، وانتخب مجلسه الوطني في دورته الأولى بعد المؤتمر الاستثنائي، أعضاء المكتب السياسي الذي سيعملإلى جانب الأمين العام الجديد مصطفى بكوري. لكن، وشهورا قليلة بعد تولّيه رئاسة الحكومة، سيتأكد أن حرب بنكيران مع راكبي “الجرّار” لن تضع أوزارها، فقدتحوّلت هذه العلاقة إلى عقدة ولغم يفجّر الجلسات الشهرية التي عقدها رئيس الحكومة في مجلسي البرلمان، وسرعانما دخل في مواجهة مباشرة مع مستشاري ال“بام” في الغرفة الثانية للبرلمان، وذهب إلى مخاطبتهم من منصةالبرلمان بالقول إن الرجوع إلى التحكم انتهى “وتصوّر هؤلاء أنهم يستطيعون العودة إلى التحكم في سدة الحكم غيرممكن لأن المغاربة بغاو الملك والإصلاح والاستقرار“. لعب الأوراق الأخيرة رغم أن طبول الحرب التي دقّت باستمرار بين المصباح والجرار في عهد الحكومة الأولى للعدالة والتنمية، فإن إشاراتجسّ النبض وانتظار مؤشّر التهدئة لم تغب عن كواليس هذه العلاقة التي عنوانها: “إما أنا أو هو“. “خلافنا مع تيّارمعيّن داخل حزب الأصالة والمعاصرة، أما الباقون فهم مواطنون مغاربة لا مشكلة لدينا معهم“، يقول بنكيران، في أحدخطاباته. لكن التصعيد سرعان ما عاد ليسود علاقة الطرفين مع فوز حزب العدالة والتنمية بانتخابات 2015 المحلية،مكتسحا جلّ المدن الكبرى والمتوسطة، ما ردّ عليه حزب الأصالة والمعاصرة وما يمثّله من أطراف في الدولة، بدفعإلياس العماري إلى قيادته لخوض معركة كسر العظام مع بنكيران. “لو نظّموا مؤتمرهم وأعطونا شخصا أفضل منبنكيران لما غيّرنا بكوري ولا اخترنا صعود إلياس العماري لقيادة المواجهة“، يقول مصدر قيادي سابق في حزبال“بام“، مشددا على ارتباط صعود العماري بالتمديد لبنكيران كأمين عام للبيجيدي، بهدف تمكينه من قيادة معركةالانتخابات التشريعية الأخيرة. “جينا نساهمو في مواجهة الإسلاميين ودفاعا عن المسلمين، لأن المغرب بلد مسلم، وسبق لنا أن قلنا عند تأسيسالحزب حذار من خوصصة المشترك، وقلنا إن عدم الفصل بين السياسة والدين سيؤدي لشي حوايج خايبة“، يقولإلياس العماري، في أول كلمة له بعدما أصبح أمينا عاما لحزب “الجرار” بداية العام 2016. وهو ما فتح الباب أماممعركة وجودية بين الحزبين في انتخابات 7 أكتوبر من ذلك العام، حيث حدث تقاطب على أساس شخصي بينزعيمي الحزب، أي بعد التمديد لبنكيران، وانتخاب العماري. “خطوة الإعلان عن تنظيم المؤتمر في بداية 2016، أي قبيل موعد الانتخابات، كانت رسالة موجهة إلى الأحزابالأخرى، وبالدرجة الأولى حزب العدالة والتنمية“، يقول مصدر قيادي في حزب “الجرار“، وعن طبيعة الرسالة التيحاول البعض إبلاغها من خلال عقد ذلك المؤتمر وانتخاب إلياس العماري أمينا عاما، يوضح المصدر نفسه، أن ما كانينتظر بعد الإعلان عن تنظيم المؤتمر في ذلك التوقيت، هو اختبار نوايا حزب العدالة والتنمية، “فلو أن نيتهم كانتبالفعل سليمة وتميل إلى إنهاء الصراع، لبادروا أيضا إلى عقد مؤتمرهم ليعطونا بالتالي شخصا أفضل من عبدالإلهبنكيران، وبما أنهم هربوا من هذه المعركة، فإلياس هو رجل المرحلة“. إرباك دون صدمة هذا التقاطب هو ما كان قد دفع “أخبار اليوم” إلى طرح سؤال ما إن كان أي تحالف بين الحزبين بعد الانتخاباتالماضية، سيدفع شرائح كبيرة إلى الكفر بالسياسة والديمقراطية بالمغرب. الأكاديمي، كمال القصير، أجاب وقتهابأن تغير الحسابات السياسية والتحالفات والولاءات والتصورات يربك بلا شك “ليس فقط، الرأي العام، لكنه يصدمفي كثير من الأحيان حتى المشتغلين بالسياسة من الأحزاب نفسها، ويربك النخب السياسية والثقافية كذلك“. قصير عاد ليستدرك بالقول إن الذي يدفع إلى الكفر بالسياسة حقيقة، هو قلة الإنجازات وضعف المردود السياسيللسياسيين حين يتولون السلطة. “في تقديري الرأي العام المغربي يعرف تقدما من حيث درجة التسييس والقدرة علىفهم وتفسير كثير من مجريات السياسة المغربية، ذلك أنه عندما يتطور السياسيون ويتطور خطابهم يتطور معهمإدراك الناس أيضا“. ودفع كمال قصير بحجة على هذا التحليل، تتمثل في تمكن جزء مهم من الرأي العام من تفهمدخول حزب الأحرار للحكومة بعد الصراع الذي كان بين حزب العدالة والتنمية وتجمع أحزاب الثمانية عام 2011 وبشكل خاص مع صلاح الدين مزوار، “ولم يؤثر ذلك على شعبية العدالة والتنمية. وحتى حضور السيد لحسنالداودي لمؤتمر حزب الأصالة والمعاصرة، وهو قيادي في العدالة والتنمية، لم يكن له وقع سلبي على مستوى الرأيالعام“.