أثار الرحالة ابن بطوطة فضول الصحفي الألماني فولات الذي قرر تقفي خطاه وزار 12 مدينة وصفها أشهر رحالة في التاريخ الإسلامي. إيريك فولات، 67 عاماً، وهو مراسل صحفي لمجلة دير شبيغل الألمانية في الشرق الأوسط لعدة سنوات، بدأ رحلته عام 2015 لتقفي أثر الرحالة الأشهر في التاريخ الإسلامي. وفي كتابه "عبر كل الحدود"، الذي نشر في 22 شباط/ فبراير 2016 تناول فولات رحلات ابن بطوطة، كما حاول كشف أسباب اختلاف العالم الإسلامي اليوم عن العالم الإسلامي في زمن ابن بطوطة من خلال تجربته سفره الشخصية.
ابن بطوطة.. مراسل بين الشرق والغرب
يرى المراسل الصحفي إيريش فولات، أن شخصية الرحالة ابن بطوطة وطريقة سرده لما شاهده عبر تنقله بين عواصم عديدة في الشرق والغرب كان الدافع الأكبر وراء فكرة قيامه بهذه الرحلة، التي حاول من خلالها تقفي خطى الرحالة، ويقول ل DW عربية: "خلال عملي كمراسل صحفي وتنقلي عبر العديد من البلدان العربية والإسلامية، سمعت الكثير عن الرحالة المسلم ابن بطوطة، الذي يتفوق بعدد رحلاته على الرحالة المعاصر له في ذلك الوقت ماركوبولو. ويضيف فولات: "ابن بطوطة شخصية ظلت إلى حد بعيد غير معروفة لدى الغرب، لكن حديثي المتواصل مع زملائي عن هذه الشخصية جذبني إليها كثيراً، وعندما قرأت كتابه "الرحلة" أدركت أن هذه الشخصية تخفي ورائها الكثير".
في عام 1325 ميلاديّ بدأ أبو عبد الله محمد ابن بطوطة (1304-1377) -المعروف بابن بطوطة والمزداد في طنجة بالمغرب- رحلته إلى مكةالمكرمة لأداء فريضة الحج، إلا أن تلك الرحلة امتدت إلى 29 عاماً، لتشمل معظم ما يُعرف ب "بدار الإسلام" آنذاك، بداية من شمال وغرب إفريقيا وجنوب أوروبا وشرقها في الغرب، وصولاً إلى الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا والصين في الشرق، وهي مسافة وصلت إلى 120 ألف كيلومتر تقريباً، بحسب فولات.
اعتمد الصحفي الألماني في رحلته على مذكرات ابن بطوطة ومنها كتابه الشهير،الذي يسرد رحلاته بشكل مفصل، والمسمى "بتحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، ويُعرِّف فولات برحلة ابن بطوطة قائلاً: "كتب ومخطوطات ابن بطوطة، من بينها كتابه "الرحلة" تحتوي على الكثير من التفاصيل مقارنة بمذكرات الرحالة الإيطالي ماركوبولو، لأن ابن بطوطة كان مهتماً بكل شيء تقريباً، فقد تطرق إلى جميع المواضيع وفي جميع المجالات، وركز بشكل كبير على البلدان التي زارها وأيضا على المدن والطبيعة والناس العاديين، الذين قابلهم خلال رحلاته".
ويؤكد فولات أن ابن بطوطة استطاع تدوين كل ما شاهده من تفاصيل في البلدان والمدن التي زارها كعادات الأكل والنباتات وكذلك وصفه للجنس الآخر المرأة ولكن ما أدهشه هو طريقة سرده، التي تطابق طريقة سرد المراسل الصحفي والتي تخلوا أيضاً من الأحكام المسبقة والصور النمطية".
الحدود عبر العصور
ويرى فولات أنه بغض النظر عن مشقة السفر قديماً، إلا أن رحلته عام 2015 ربما كانت أصعب: "رحلة ابن بطوطة كانت في محيط مألوف بالنسبة له سواء من ناحية اللغة العربية أو الوصول إلى العديد من الدول ولم يكن عليه الحصول على تأشيرة دخول إلى أي بلد زاره في ترحاله الذي دام لعقود، في حين احتجت إلى الحصول على 12 تأشيرة لزيارة 13 مدينة"، وحول اختياره للمدن، التي زراها، أضاف فولات قائلاً: "اخترت هذه المدن لأنها تمثل أهم المدن في رحلة ابن بطوطة والتي تطرق إلى وصفها بشكل مفصل و بدقة متناهية في مذكراته وكتبه، كما أنه سبق لي وأن زرت شخصياً هذه المدن خلال عملي كمراسل صحفي في الشرق الأوسط والعديد من البلدان الأخرى قبل أن أقرر تقفي آثار ابن بطوطة ومقارنة تجاربه بتجاربي منذ سنوات في نفس المدن".
الديكتاتوريات..سبب تغير صورة الإسلام وتدهور الحضارة الإسلامية
بعد مرور 700 عام على وفاة ابن بطوطة، شهدت البلدان والمدن التي زراها تغيرات كبيرة ليس فقط من الناحية الجغرافية وإنما شملت هذه التغيرات صورة الإسلام والحضارة الإسلامية. ويقول فولات: "وصف ابن بطوطة العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر كرحلة عبر الأمة أو كما ذكر في مذكراته "دار الإسلام"، لكن ما أدهشني أكثر هو وصفه لعولمة القرن الرابع عشر والتسامح والانفتاح في الدين الإسلامي آنذاك".
ومن خلال مقارنته لما جاء في مذكرات ابن بطوطة عن الدين الإسلامي مع الواقع لاحظ فولات تغيراً في طريقة ممارسة الدين ويرى أن السبب في ذلك راجع بالأساس إلى الديكتاتوريات في العالمين العربي والإسلامي، واختلاف الوعي والتصور للعديد من المفكرين والحكام المسلمين في الماضي عن الحكام الحاليين الذي يتصف أغلبهم بالأنانية وحب السلطة".
ويقول المراسل الألماني: "في الدول التي زرتها والتي يمثل الإسلام الدين الأساسي فيها لاحظت وجود اختلافات في ممارسة الدين بين بلد وآخر كمصر والسعودية و إيران مثلاً، العديد من الناس يمارسون عقيدتهم بشكل عملي، وبما يتناسب مع حياتهم اليومية والأشياء الأساسية مثل كرم الضيافة ظلوا محتفظين بها كما تعلموا من القرآن".
ويضيف : "بشكل عام لاحظت أن الإسلام يمارس كنمط للحياة اليومية ومنهاج للأخلاق والتربية وهذا شيء إيجابي، لكن في بعض الدول يستخدم الإسلام كإيديولوجية سياسية أو لتبرير الإرهاب و الإسلام أكثر الديانات التي تم استغلالها من طرف الجماعات الإرهابية ، ابتداءً من طالبان مروراً إلى بوكوحرام وتنظيم الدولة الإسلامية المعروف بداعش".
الشباب.. أملا لتغيير
بالرغم من ذلك يرى فولات أن هناك أيضا العديد من الجهود في العالم الإسلامي والعربي للتصدي لهذه النزعات،على سبيل المثال في مصر، وحتى في السعودية بالرغم من وجود الإيديولوجية الوهابية المقترنة بالأسرة الملكية الحاكمة، التي تفرض حكمها المطلق على الشعب وإيران التي تشكل دولة دينية.
ويقول: "بطبيعة الحال، يتحمل الغرب من خلال سياسة التحالف مسؤولية مشتركة، من خلال حديثي مع الناس، الذين قابلتهم في هذه البلدان، اكتشفت أن هناك حركة مضادة ومعاكسة تتزايد. والشباب هم محركوها". ويضيف فولات: "في إيران والسعودية مثلا، تُسجَّل أعلى النسب لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ك تويتر وغيرها، وهذا يدل على أن هؤلاء الشباب يعيشون شخصيتين مختلفتين واحدة في العلن وأخرى على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا الوضع من المحتمل أن يتطور لكن آمل ألا يتحول إلى صراع دامٍ في المستقبل، كما يحدث في بعض الدول في الوقت الحالي. الوعي والتصور للعديد من المفكرين والحكام المسلمين في الماضي يختلف عن الحكام الحاليين الذين يتصف أغلبهم بالأنانية وحب السلطة".
وفيما يتعلق بحقوق الإنسان في البلدان العربية والإسلامية، يصف الصحفي الوضع يالسيِّء، قائلاً :"بحسب تقارير المنظمات العالمية، وبالأخص فيما يتعلق بحرية الصحافة فلا توجد مؤشرات إيجابية في أي دولة إسلامية أو عربية، وهذا ليس له علاقة بالدين ولكن في مصر مثلا بسبب الانقلاب العسكري تدهورت وضعية حقوق الإنسان بالأخص فيما يتعلق بحرية الصحافة والتعبير".
صورة متنوعة
وعن أهم المواقف التي تعرض لها في رحلته، وتركت أثراً في نفسه يقول الرحالة الألماني أن هناك مواقفَ إيجابية وأخرى صادمة: "في جزر المالديف مثلا اختلفت الصورة كثيراً عما كنت أتصوره فالمنطقة المعروفة كأشهر وجهة سياحية للأثرياء، تنتشر فيها العصابات الإجرامية ويعاني شبابها التهميش والمعاناة بسبب البطالة ومنهم من توجه إلى سوريا للانضمام إلى صفوف القتال مع داعش. من جهة أخرى لاحظت في إندونيسيا والهند والمغرب المغربي، كتونس مثلا مبادارات واعدة لتطوير الأنظمة السياسية التي تلبي احتياجات المواطنين، وتضمن لهم حرية ممارسة الشعائر الدينية".
ويضيف: "باختصار كونت صورة متنوعة عما شاهدته ووصلت إلى نتيجة مفادها أن ما يعشيه العالم العربي والإسلامي اليوم ليس له علاقة بالدين كما نعتقد هنا في الغرب، ولكن الدين استعمل من قبل الحكام وبشكل متطرف من داعش كأداة لفرض السلطة وقمع النساء ووأد الآراء المخالفة لهم ولسياساتهم".
رحلة المراسل الصحفي إيريش فولات، والتي استغرقت سنة كاملة، كانت بتمويل خاص من مجلة "دير شبيغل" الألمانية وشملت 12 مدينة من المدن، التي تطرق ابن بطوطة لوصفها في مذكراته.
* ينشر هذا المقال بالاتفاق مع الدوتشه فيله الألمانية