بهر الرحالة والكاتب الانكليزي تيم ماكنتوش- سميث جمهور معرض أبوظبي الدولي للكتاب وهو يتتبع المسار الذي سلكه الرحالة العربي أبن بطوطة بالصور الفوتغرافية واللغة التعبيرية الرشيقة. وتحدث سميث بعربية واضحة في ندوة اقيمت على هامش فعاليات المعرض وضمن الاحتفاء بالثقافة البريطانية بصفتها ضيف شرف في الدورة الثانية والعشرين. وجال الكاتب الانكليزي الذي صدر له أكثر من كتاب باللغة الانكليزية عن ابن بطوطة وفاز بجائزة "توماس كوك" 1998 وجائزة صحيفة "دايلي تيليغراف" لأدب الرحلات، ما بين اسيا وافريقيا ليستعيد المسار المذهل للعربي الاول في الجغرافيا الاسلامية. وعرض ماكنتوش- سميث الذي وصفته "ذي ناشيونال" بأحد أعظم كتاب الرحالات في العالم، للجغرافيا المعاصرة وقارنها برحلات ابن بطوطة بالصور الفوتوغرافية حيث زار تلك الاماكن والمدن في رحلات امتدت على ثلاثين عاماً. وقال في اجابة على سؤال ل"ميدل ايست اونلاين" عما اذا كان واثقا من المواقع والاماكن المعاصرة وهو يقارنها بجغرايا ابن بطوطة المستلة من الكتب، انه لا يزعم بانه من علماء الجغرافيا، لكنه يحاول ان يكتشف الاماكن التي مر بها ابن بطوطة ويجد المعادل التاريخي والجغرافي بين الزمنين وطبيعة البشر والاحفاد المفترضين للرحالة العربي. وأكد بقوله ان الرحالة العربي ابن بطوطة كان يترك من ذريته في كل مدينة يزورها، لانه يتزوج ويصاهر قبائل واسر من مختلف الاعراق. وسرد سميت لسيرة أبو عبد الله محمد ابن بطوطة المولود في طنجة عام 1304م وهو ابن لقاض ينتمي إلى المدرسة المالكية في الفقه الإسلامي، اتجه نحو الشرق وعمره 21 عاما، إذ يبدو أنه كان ينوي الحج. ازدادت سعة اطلاعه وأفقه وهو مسافر إلى الشرق. في عام 1341م أرسله السلطان محمد بن تغلق محملا بهدايا في مهمة إلى إمبراطور الصين لكن ابن بطوطة أضاع هذه الهدايا في ساحل ما ليبار، وبدلا من المخاطرة بالعودة إلى دلهي أقام في جزر المالديف الإسلامية وعمل فيها كقاض. وزار سميث المدن الصينية التي مر بها ابن بطوطة والتقى بصيني مسلم ينتمي الى قبيلة "ما" وهي كلمة محورة عن العربية، وحاول ايجاد الدلائل عن ان هذا الرجل من احفاد الرحالة العربي. وبعد أكثر من سنة اتخذ طريقه نحو الصين عن طريق سيلان والبنغال وسومطرة. وعاد ابن بطوطة إلى المغرب وإسبانيا عبر دول فتك بها مرض الطاعون ثم قام برحلة إلى منطقة الصحارى ثم مملكة مالي حيث انتهت رحلته في عام 1353م. وقام بقطع مسافات تعادل ما قطعه ماركو بولو قبل عشر سنوات منه، لكن ابن بطوطة، لا يعتمد في أسفاره على معلومات غير مؤكدة أو ثانوية. وكتب المختصر لرحلاته ابن جزي نيابة عن السلطان المغربي في عام 1356م، ولا يعرف أحد تفاصيل أخرى عن حياته بعد ذلك التاريخ إلا فيما ندر. كان ابن بطوطة وماركو بولو محظوظين في حياتهما إذ إن كليهما عاشا في الفترة التي عرفت ب"سلام المغول" حيث اتخذ الخلفاء الذين جاؤوا بعد جنكيز خان بعد تدميره للشرق الإسلامي ممثلاً في بغداد مبادئ تدعو إلى السلام وذلك بفتحهم لطرق التجارة، وكانت خبرة ابن بطوطة في الفقه الإسلامي تساعده في العمل في المناطق التي دخلت الإسلام حديثا في ذلك الوقت، كما فعل أبو لو في التراث الإيطالي عندما نقله إلى الشرق. واعتبر سميث في محاضرته التي قدمتها عائشة بالخير ابن بطوطة مقتنعا بعلو شأن الثقافة التي ينتمي إليها وهي هنا الإسلام والمدرسة المالكية، وكان لديه في الوقت نفسه حب استطلاع لمعرفة المدارس الأخرى والحضارات الأخرى غير الإسلامية. وقال تيم ماكنتوش- سميث انه واجه صعوبات في تتبع مسار ابن بطوطة في ايران وافغانستان بسبب الظروف السياسية في البلدين، وعبر عن أمله في ايجاد فرصة قريبة للعودة الى هذا الطريق. ونشر ماكنتوش الذي يعيش في اليمن منذ ثلاثين عاما كتابا عن رحلاته في نفس الاتجاه الذي أخذه ابن بطوطة في العالم الإسلامي الشرقي وسماه "رحلات مع الماندرين". وكتاب آخر عن ابن بطوطة، وصف فيه الاماكن الفردوسية لما شاهده في جزر المالديف وقصته حول اللصوص الذين أمسكوا به بالقرب من مدينة اليقارا في عام 1342م. ويروي ابن بطوطة قصته عندما كاد أن يموت من العطش وهو فوق بئر لا يجد ما يستطيع أن يشرب به، "أخذت قطعة من القماش الذي كنت ألفه فوق رأسي وربطتها في حبل وأنزلته في البئر ورفعته لكي امتص الماء العالق بها لكن هذا لم يرو عطشي، ربطت بعد ذلك الخف الذي كنت أستعمله بحبل وأنزلته وسحبت الماء به لكن هذا أيضا لم يرو الظمأ، ثم سحبت الماء مرة أخرى بالخف لكن الحبل انقطع وسقط الخف بالبئر، ثم ربطت الخف الآخر وشربت حتى ارتويت". وعرض مع هذا النص صورا لآبار في نفس المكان الذي مر به ابن بطوطة توقع سميث ان تكون مشابهة لما سرده الرحالة العربي. كرس تيم نفسه لتتبع رحلات ابن بطوطة في القرن الرابع العشر بين قارات العالم. وبالإضافة إلى ذلك وضع ثلاثة كتب رحلة وسلسلة تلفزيونية لصالح هيئة الإذاعة البريطانية، وقام بتحرير رحلات ابن بطوطة. ويحاضر تيم حول أدب الرحلات العربية في جامعة هارفرد وفي الجمعية الجغرافية الملكية، لندن وقد لعب دور المستشار التاريخي لفيلم “رحلة إلى مكة”. وقد أدرجت دراسته عن ابن بطوطة في موسوعة أكسفورد للعالم الإسلامي. وفاز كتابه الثالث من ثلاثية ابن بطوطة، بجائزة أولدي لأفضل كتاب رحلات 2010. وفي عام 2010، منح جائزة ابن بطوطة الفخرية من قبل المركز العربي للأدب الجغرافي. وقد أدرجته مجلة نيوزويك أخيراً كأحد أفضل اثني عشر كاتب رحلات خلال القرن الماضي. وتيم حاصل على ماجستير في الدراسات الشرقية من جامعة أكسفورد. وقد قام بترجمة الكثير من الأعمال من اللغة العربية. وقد كان زميل الجمعية الأسيوية الملكية لبريطانية العظمى وزميل الأبحاث الفخري في مركز دراسات الشرق الأوسط والإسلامية في جامعة دورهام.