هي حرب دامت شهوراً (ما بين 1979 و1980) بعدما انسحبت موريطانيا من إقليم وادي الذهب وكان مسرحها جبال الوركزيز الاستراتيجية التي تطل على تندوف من جهة وعلى التراب المغربي في الصحراء من جهة ثانية. وقد جاءت هذه الحرب بعد 4 سنوات على المسيرة الخضراء الذي دخلت التاريخ كأضخم مسيرة تحريرية سلمية في العالم، وفيها انهزم المغرب بداية مع فرقة «الزلاقة» التي انخدعت بسبب عدم تقدير مخطط العدو، وبعدها سيأتي الحسم مع فرقة «أحد» التي ستنظف بشكل نهائي الجبال وستفك الحصار عن الزاك وستسجل أسماء أبطال كبار ساهموا بدمائهم في استكمال وحدتهم الترابية. إنها أكبر معركة خاضها الجيش المغربي في تاريخه الحديث، رغم ذلك فهي لم تحتل الصدى اللائق الذي كان يجب أن تخلفه مواجهة عسكرية غيرت مسار الحرب بين المغرب ومقاتلي جبهة البوليساريو. كانت بمثابة معركة المصير بالنسبة للمغرب وللجبهة على السواء، لم تفرح هذه الأخيرة كثيرا بنصر مؤقت خلال الجولة الأولى فيها، حيث سرعان ما أعد الجيش المغربي العدة وعقد العزم لرد الثأر وحرر سلسلة جبال الوركزيز من سيطرة ما يزيد عن 7 آلاف مقاتل صحراوي انفصالي.
«الأيام» تعيد تركيب سيناريو هذه المعركة عبر مشاهدات حية لضباط مغاربة شاركوا فيها وتنقل جزءا من هذه الحرب التي امتدت على مدار أكثر من سنة وفق جولتين، أولاها كانت الغلبة فيها لصالح مقاتلي البوليساريو والثانية كانت بمثابة رد الاعتبار للقوات المغربية التي استطاعت أن تحسم معارك حرب الصحراء قبل الانتقال إلى المرحلة الأخيرة من عمر هذه الحرب، وهي معارك بناء الجدار الأمني.
عندما زلقت مجموعة الزلاقة
الوركزيز عبارة عن سلسلة جبلية يمتد جزء منها في عمق التراب الجزائري المطل على منطقة تندوف حيث توجد مخيمات البوليساريو، ويمتد جزء منها على المناطق الصحراوية المغربية. تمتاز هذه السلسة الجبلية بشساعتها وصعوبة مسالكها وبمناخها القاري الحار والجاف صيفا وشدة البرودة شتاء. منطقة غير آهلة بالسكان، رغم ذلك فإن الجزائر توظفها حاليا في مشاريع سياحية، بينما على الجانب المغربي تبقى هذه المنطقة مجرد نقطة جغرافية.
وظفت جبهة البوليساريو هذه المناطق الجبلية الصعبة من أجل شن هجومات على عدد من المدن الصحراوية المغربية إبان حرب الصحراء. تطورات هذه الهجومات ستصل إلى حد فرض حصار على بعض المدن الصحراوية الواقعة تحت النفوذ المغربي، خاصة مدينة الزاك باعتبارها نقطة حدودية استراتيجية من يسيطر عليها يسيطر على خطوط الإمدادات وبالتالي السيطرة على كافة المناطق الصحراوية.
القيادة العسكرية المغربية في تلك الفترة التي كانت تحت إشراف الكولونيل عبروق قائد المنطقة الجنوبية، لم تكن أمام خيار آخر سوى خوض معركة المصير، ومواجهة التهديدات التي فرضها مقاتلو البوليساريو نهاية السبعينيات. ولأن المهمة كانت مستعجلة سيتم تكليف مجموعة الزلاقة تحت قيادة الكولونيل بنعثمان من أجل مباشرة هذه المهمة.
قوام هذه المجموعة كان يضم 7 آلاف مقاتل موزعين على مختلف الوحدات العسكرية، مشاة ومدرعات وهندسة...تم تجميع هذه الوحدات من عدد من الثكنات العسكرية من الرباط ومراكش وخريبكة ، غالبية جنود هذه المجموعة كانوا حديثي العهد بالالتحاق بصفوف القوات المسلحة الملكية، لذا كان عليهم أن يخضعوا لتداريب مكثفة لتهييئهم للالتحاق بأرض المعركة.
كان على مجموعة الزلاقة وهي تعد نفسها لهذه المواجهة المجهولة أن تدخل في سلسلة مناورات عسكرية تحاكي طبيعة المعركة وأيضا صقل المهارات القتالية للجنود الذين كانوا يوصفون بلغة العسكر ب «الباجدة».
أول وجهة قصدتها مجموعة الزلاقة قبل النزوح صوب جبال الوركزيز كانت هي مدينة طانطان التي قضوا فيها مدة شهر، في انتظار وصول التعليمات من أجل التحرك نحو الهدف.
الخطأ الجسيم الذي سترتكبه مجموعة الزلاقة وهي تقبل على مغامرة الهجوم على جبال الوركزيز أنها لم تكن مسلحة بالمعلومات الكافية عما تخبئه لها الأقدار. وتصرفت وكأنها تعيد تجربة معركة بئر انزران التي خرجت منها منتصرة.
طبوغرافية المنطقة لم تكن تتجاوب وطبيعة العتاد العسكري الذي زودت به المجموعة، كما زاد من تعقيدات هذه العملية عدم المعرفة المسبقة بما كانت تخبئه جبال الوركزيز من مفاجآت ستكتشفها المجموعة في ما بعد لكن بعد أن تدفع الثمن غاليا.
ليلة ما قبل النزوح نحو جبال الوركزيز كانت استثنائية، القادة الميدانيون للفرق المشكلة منها مجموعة الزلاقة قاموا باستدعاء جميع الضباط وضباط الصف ومسؤولي الفصائل العسكرية، داخل خيم عبارة عن غرف عمليات مصغرة.
القيادة العسكرية تحت إشراف الكولونيل عبروق قائد المنطقة الجنوبية حددت الساعة الصفر، لهذا كان على هؤلاء القادة الميدانيين ومسؤولي الفصائل العمل على تنزيل التوجيهات العليا للقيادة المباشرة للجيش على أرض الواقع والتحرك صوب الميدان «غدا على الساعة X الجميع يكون راكب». كانت هذه العبارة الموحدة التي فاه بها القادة الميدانيون كافية لخروج الجميع متوجهين نحو مجموعاتهم وتم إخطارهم بأن يكونوا على استعداد وأن يكونوا داخل ناقلاتهم في الوقت المحدد.
مع بزوغ شمس صبيحة اليوم المحدد للنزوح توزع الجنود على مجموعات صغيرة كل مجموعة تتكون من أزيد من 50 شخصا على رأسهم منسق ، وبعد 3 ساعات من السير وصلوا إلى مدينة الزاك، وبعد أن ساروا حوالي 10 كلمترات في شكل قوافل متقاربة فوجئوا بإطلاق نار كثيف من جميع الجهات، لتعم حالة من الاضطراب داخل هذه الفرقة بحكم أن عناصرها لأول مرة يجدون أنفسهم وجها لوجه مع إطلاق النار وقاذفات لم يروها خلال فترات تدريبهم ومناوراتهم العسكرية.
حالة من الارتباك ستعم المعسكر، فأولى مفاجآت الطريق ستظهر عند هذه النقطة، لم يكن يخطر ببال قائد المجموعة الكولونيل بنعثمان أن يكون العدو قد تمكن من بسط هيمنته على المنطقة بهذه الصورة وأعد الأرض بشكل جيد لاصطياد أي دخيل عنها. فالعدو أقام شبه قاعدة عسكرية بالمنطقة مزودة بأحدث الأسلحة الهجومية والدفاعية، على رأسها راجمات صواريخ سطالين كراد الروسية التي يصل مداها إلى عشرات الكلمترات. أمام هذا المعطى كان على عناصر مجموعة الزلاقة تجنب وقوع إصابات وسط الجنود، كل جندي كان عليه أن يحتمي بأقرب حاجز صخري من أجل اتقاء طلقات البوليساريو. وأعطيت تعليمات صارمة بعدم الرد على الطلقات النارية إلى حين صدور الأوامر بذلك.
مكثوا على هذه الحالة بضع ساعات، حيث صدرت الأوامر مجددا من أجل التقدم نحو أقرب جبل يتحصن فيه مقاتلو البوليساريو. وأمام كثافة القصف اضطر عناصر هذه الفرقة إلى التوزع على مجموعات صغيرة حتى لا تكون هدفا مباشرا لقصف العدو. من حسن حظ المجموعة التي كان محدثنا مكلفا بها أنه لم يصب أي عنصر منها بأذى خلال المواجهة الأولى.
تولت فرقة المدرعات والمدفعية الرد على طلقات البوليساريو، بغية فسح المجال لفرقة المشاة للتقدم إلى الأمام. وفي مساء نفس اليوم ستتمكن الفرقة من بلوغ أحد جبال الوركزيز بعد قطع مسافة تمتد إلى أكثر من 100 كلمتر كلها مفاجآت وكمائن أقامها العدو. ومن أجل تفادي انفجارات الألغام، كان عليهم أن يسيروا خلف الشاحنات العسكرية الأمريكية الصنع، بحكم قدرتها على تحمل تلك الانفجارات. وكان يتعين عليهم تعقب نفس مسار عجلاتها، وأي انزياح عنها ولو بسنتيمترات كان يكلف صاحبه غاليا.
كان على هذه الوحدة العسكرية أن تقضي الليلة بكاملها متيقظة ومنتبهة، ولم يسمح لأحد بإطلاق أية قذيفة، وأي تهور كان يكلف عناصر المجموعة كاملة غاليا. وبحسب تعبير محدثنا فإن ليل المجموعة كان يتحول الى نهار بسبب كثافة القصف. لم يكن لدى مجموعة الزلاقة من خيار سوى الصمود، وانتظار تعليمات القيادة العليا للمنطقة الجنوبية من أجل التقدم إلى الأمام. وكان التنسيق بين القيادة العليا والقيادات الميدانية يتم عبر جهاز الراديو اللاسلكي. وكان عليهم أن يجدوا وسيلة للسيطرة على جبل يسمى بجبل «النكب» يطل على الزاك، وهو جبل عالٍ جدا كان الرهان عليه قويا من أجل حسم معركة الدخول للوركزيز. نظرا لصعوبة المسالك فقد أعطيت الأوامر لتتحرك المجموعة على شكل كثائب صغيرة، كل كثيبة مكونة من 150 عنصرا، عبر سيارات روندروفر الخاصة بالسير في المسالك الوعرة، بعد أن قصف الطيران الحربي بعض الأهداف لفتح الطريق، إضافة إلى دعم خلفي لفرقة المدفعية.
لكن مع كل تقدم كانت المفاجآت تتوالى، فأخبار سقوط القتلى وعدم حل مشاكل الاتصالات ستساهم في تفكيك خطوط مجموعة الزلاقة. ولم يكن العديد منهم يعلمون طبيعة المسالك، مما سهل مأمورية مقاتلي البوليساريو، الذين يخبرون الأرض جيدا، لاصطيادهم الواحد تلو الآخر.
أسندت لوحدات التدخل السريع مهمة إنجاد الجرحى وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن إقحام هذه الفرق وسط الظروف التي كانت عليها أرض المعركة واشتداد القصف وغزارته سيعرض بعض الفرق للإبادة، ومن ينجو منهم كان يسقط في الأسر.
داخل ردهات القيادة العليا للجيش بالمنطقة الجنوبية حيث قيادة أركان الحرب، كان الضباط وهم يتتبعون ما يقع بجبال الوركزيز عبر جهاز الراديو، يرددون في ما بينهم «الزلاقة زلقت» بسبب الخسارة الفادحة التي منيت بها القوات المغربية والتي لم تكن متوقعة.
أمام هذه النكبة والأخبار التي لم تكن تبشر بخير، صدرت تعليمات للفوج الثالث من أجل التحرك لدعم مجموعة الزلاقة والحيلولة دون تقدم مقاتلي البوليساريو لبسط سيطرتهم على مدينة الزاك التي كانت محاصرة لمدة فاقت 3 أشهر.
يحكي ضابط كان ضمن الفوج الثالث ممن أسندت لهم مهمة دعم مجموعة الزلاقة والعمل على تسهيل خروجهم من الوركزيز، أنهم قضوا أياما صعبة في مواجهة مقاتلي البوليساريو، الذين كانوا يعمدون إلى إنهاك الجنود المغاربة ومواصلة القصف لمدة 24 ساعة.
الفوج الثالث الذي أنيطت به حماية مدينة الزاك كان متحصنا داخل خنادق شيدها الجنود بمساعدة وحدة الهندسة، كان عليه أن يقسم يومه إلى ثلاثة أجزاء، ثلث للرد على نيران العدو، وثلث لصيانة المعدات والعتاد، وثلث للراحة والتناوب على الحراسة.
شكل الفوج الثالث حاجزا بين مجموعة الزلاقة وعناصر البوليساريو، كما هيأ هذا الفوج الظروف لتحرير طرق الإمدادات التي تم قطعها من طرف البوليساريو، وكانت الوسيلة الوحيدة لنقل الإمدادات هي طائرات الهيلوكبتر التي أصبحت توظف أيضا في نقل تقارير وضعية الجنود على الأرض بعدما فطنت قيادة الجيش إلى أن مقاتلي الجبهة يخترقون جهاز اللاسلكي ويتنصتون على المكالمات التي تتم بين القيادة المحلية والقيادة المركزية.
نقل التقارير اليومية عبر طائرات هيلوكبتر سمح لهذا الضابط بلقاء القيادات العليا للجيش في تلك الفترة، وفي مقدمتهم الجنرال الدليمي الذي كان حينها برتبة كولونيل، كما صادف هناك الكولونيل الغجدامي الذي لقب بثعلب الصحراء والكولونيل عبروق، حيث كانوا مجتمعين لتتبع تطورات الوضع ميدانيا.
عناصر الفوج الثالث كان أمامهم تحدٍّ كبير، وهو الاستمرار في التواجد في الأرض التي يبسطون سيطرتهم عليها مهما كلفهم ذلك من ثمن. فقيادة البوليساريو كانت تعتقد أن مدة ثلاثة أشهر من حصارهم للزاك كفيلة بإنهاك الجنود المغاربة ودفعهم نحو الاستسلام، خاصة بعد الهزيمة المرة التي تعرضت لها مجموعة الزلاقة.
وكانت أهم الصعوبات التي عانتها عناصر الفوج الثالث داخل مدينة الزاك هي الظروف المناخية الصعبة المتمثلة في الحرارة نهارا والبرد القارس ليلا، إلى جانب نقص مواد التموين والبنزين بسبب ظروف الحصار وقطع خطوط الإمدادات، حتى صار الحصول على علبة سجائر من ثالث المستحيلات.
فرقة أحد ..والثأر
بعد هذه الجولة التي لم تكلل بالنجاح، ارتأت القيادة العليا للجيش توقيفا شاملا للعمليات العسكرية بجبال الوركزيز، وتقييما شاملا للمرحلة السابقة، وذلك قبل الشروع في عملية تمشيط استدراكية، وتكليف مجموعة «أحد» هذه المرة بهذه المهمة تحت قيادة احمد الدليمي الذي كان حينها برتبة كولونيل. هذه المجموعة ستدخل لواد الذهب في أكتوبر 1979، وكانت قيادتها متمركزة بالداخلة في الوقت الذي كانت فيه الوحدات التابعة للمجموعة منتشرة في جميع ربوع إقليم واد الذهب المسترجع حديثا في تلك الفترة.
مجموعة «أحد» سيتم تقسيمها إلى مجموعتين وسوف تمنح معدات عسكرية جديدة ومناسبة لطبوغرافية المنطقة. الدليمي في تلك الفترة كان منصبه الرسمي هو مدير ديوان المرافقين الشخصيين للملك ورئيس الاستخبارات العسكرية، حيث ساهم عنصر قربه من الملك بأن يكون الآمر والناهي في شؤون الجيش، حتى إنه كان أكثر حظوة من رئيسه المباشر قائد المنطقة الجنوبية الكولونيل عبروق. لذا لم يكن من الصعب عليه أن يقنع القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية الراحل الحسن الثاني بمنحه عتادا حربيا وعناصر بشرية متدربة لخوض هذه المعركة المصيرية.
في يناير 1980 ستتوجه المجموعة باء التابعة لفرقة أحد بقيادة العرشي صوب الوركزيز انطلاقا من الداخلة التي شرعت في عملية التمشيط وفك الحصار عن الزاك، وكللت هذه العملية بالنجاح، حيث تمت تنقية جبال الوركزيز ورفع الحصار عن الزاك، وكان هذا الإنجاز العسكري بمثابة تحول ونقطة فاصلة للنزاع في شقه العسكري مع البوليساريو. لم تستغرق هذه العملية سوى أيام معدودة، لعب فيها سلاح الجو المغربي دورا مهما بعد أن استفاد من الأخطاء السابقة.
مجموعة «أحد» ساهمت بشكل كبير من حيث هيكلتها وعتادها وخبرة عنصرها البشري الذي كانت تتألف منه في تحويل مسار الصراع العسكري.
الضابط الطبجي في كتابه «ضباط صاحب الجلالة» يكشف جزءا من عيوب الهيكلة القديمة للجيش ما قبل معركة الوركزيز. «كل الجنود كانوا مجرد أسرى حاملين للسلاح. فالقيادة العامة التي حرمت عليهم تلك الحركة الضرورية التي تكسر الروتينية القاتلة وتحث على تحصين مواقع الدفاع، كانت بأوامرها تلك تترك للبوليساريو حرية المبادرة ليقترب منها متى شاء، ويفترس الطرق التي يشاء، باسطا سيطرته على مساحة شاسعة دون أن يكون مرغما على احتلالها». ويضيف معلقا على الهزيمة التي كان يتكبدها الجيش «وبهذا، خلا له الجو، وأصبح واثقا من نفسه، يستدعي الصحفيين الأجانب متبجحا أمامهم بسيطرته على الميدان، ومسهلا لهم عملية مراقبة المعارك وتغطيتها تغطية تستجلب له أكبر قدر ممكن من الدعاية والإشهار».
فرقة «أحد» ساهمت في حسم الصراع بعد أن تغلبت على الروتينية العقيمة وجو الانتظارية الذي يفقد الجنود جاهزيتهم، حيث كانت القوات المرابضة بالصحراء تنتظر فلول البوليساريو إلى حين شنهم لهجوم ومن ثم الاشتباك معهم.
مقاتلو البوليساريو كان يعتمدون على نمط قتالي يعتمد على حرب العصابات عبر الدهم المفاجئ وإلقاء القنابل اليدوية وسلب ونهب ما يجدونه في متناولهم من ذخيرة ومؤونات.
فرقة «أحد» ستحل لغز هذه المعادلة عبر إعادة هيكلة نفسها على نفس النمط الذي يوجد عليه مقاتلو البوليساريو، حيث تم إحداث ما يسمى ب DIR، وهي عبارة عن كتائب صغيرة اختصت في مطاردة مقاتلي الجبهة أينما وجدوا عوض الانتظار داخل الخنادق الثابتة.
وقد ساهمت الاستعانة بمرشدين من أبناء المنطقة لهم دراية كبيرة بطبوغرافيتها في عدم تكرار أخطاء مجموعة الزلاقة.
خلال الجولة الثانية من حملة تنقية جبال الوركزيز ستمنى جبهة البوليساريو بخسائر فادحة في الأرواح، وكانوا يحرصون على ألا يسقطوا في قبضة الجيش المغربي كأسرى.
يوضح الضابط الطبجي الطريقة التي كان يلجأ إليها مقاتلو الجبهة للمداراة عن هزائمهم الميدانية « فخلال سنوات الحرب، لم يكن لدينا عمليا أي أسرى، إلا قرابة عشرين فردا.. أما القتلى في صفوف العدو، فلم يكن لهم أثر إطلاقا، وكأني بنا كنا نواجه أشباحا وليس آدميين. وقد كانت سياسة البوليساريو واضحة في هذا المجال، حيث استطعت أن أتحقق منها بنفسي لمرات عديدة. ذلك أنه كان يعمد إلى تعليق جثامين موتاه على حديدة معقوفة على شاكلة حدائد الجزار، ثم ينطلق بها بعيدا ليواريها تحت الرمال. وعند الاستحالة، كان يتركها وراءه لكي تتحلل سريعا تحت أشعة الشمس الحارقة».