أثارت المذكرة التي أصدرتها قيادة حزب العدالة والتنمية، والتي تروم تقييد نشاط الحزب على وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما عرف إعلاميا ب"كتائب الابيجيدي الالكترونية"، ردود فعل واسعة بين أعضاء الحزب ونشطائه من الشباب خاصة، الذين اعتبروها تلجيما لحريتهم في التعبير ومصادرة لحقهم المشروع في إبداء الرأي في المشهد الحزبي و الوطني. و هناك من اعتبرها تدخل في إطار الضوابط التنظيمية العادية و المؤطرة للعمل الحزبي. لكن يبدو لنا أن الأمر أعمق من هذا وذاك، فهو مرتبط بثقافة جديدة لا تعترف بحواجز الجغرافيا ولا التاريخ، ما أطلق عليه المفكر محمد عابد الجابري Netoyen مقابل citoyen. فالمواطن (بمفهوم المواطنة الحزبية) يمكن إخضاعه لمنطق القوانين المقيدة لنشاطه الفيزيائي أو الافتراضي، أما ال Netoyen فهو نتاج ثقافة لا تعترف بالحواجز يستفيد من وفرة المعلومة وسهولة الولوج إليها مما يدفعه إلى التفاعل معها بسرعة اكبر وهو الأمر الذي ينتج هذا الكم الهائل من التعليقات والتفاعلات مع الأحداث في وقت قياسي وبسرعة قادرة على التأثير في مجريات الأحداث. لعل من تمظهرات هذه الثقافة السيبيرنة cyber culture، تغير منطق الاختيار السياسي ومعالم الخطاب السياسي، أصبح الناس أكثر نزوعا نحو خطاب سياسي سهل ومباشر وبسيط وأكثر يمينية، ولعل هذا قد يشكل مدخلا لتفسير نتائج الانتخابات الأمريكية، بل إن بنكيران نفسه من حيث يدري أو لا يدري يمتح من هذه الثقافة السيبرانية المبنية على الخطاب السهل والمباشر والتي ما كان لها أن تنتشر لولا وسائل التواصل الحديثة. إن القيادة السياسية الناجحة هي التي تحاول أن تستوعب التحولات السلوكية وفهمها سوسيولوجيا والتعاطي معها سياسيا وليس عبر مذكرات تنظيمية وفق منطق إداري، وإلا ستحول نفسها من ضمير إلى سلطة، ومن قيادة إلى ادارة. إن السياسة في الديمقراطيات الغربية تقوم على حرية أفراد التنظيم السياسي في إبداء آراءهم واستعداد المسؤولين لتلقي النقد اللاذع، فلا يمكنك أن تكون خبازا وتشتكي من حرارة الفرن.