سؤال الاستمرارية الذي يطرح بشكل قوي في كواليس التنظيمات السياسية من قبل القيادات الحزبية بشكل خفي حيث لا تظهر هذه المخاوف والهواجس لأسباب موضوعية وتنظيمية. مرد هذه المخاوف هو العقم الفكري و النضالي لمنخرطي هده التنظيمات، فالنضال النظري له أهمية قصوى لكل الأحزاب السياسية، فانضمام العديد من الأفواج للأحزاب تعرف ضعفا من حيث الإعداد النظري، فلا وجود لمشروع حداثي ديمقراطي بدون نضال فكري ونظري في المرجعيات الفكرية لهده التنظيمات. كيف لهذه الأحزاب أن تستمر وهي تتسم بضعف المبادرة والإبداع و تعرف مشاكل تنظيمية عديدة لتهافت أعضائها على المواقع والمصالح الشخصية وعدم كفاية الوعي, فيجب علينا أن نطرح السؤال اللينيني ما المسائل الملحة الآن على التنظيمات السياسية الحداثية؟ فالواجب علينا الآن العمل على التربية النضالية على جميع المستويات فالعمل السياسي ليس مهنة وإنما قدرة تكتسب وتصقل وتستوجب تمرسا بدءا من إثراء المرجعية الفكرية وصولا إلى التأهل للنضال الميداني والقدرة على الإقناع واكتساب أدوات الحوار وتقنياته وأساليب الخطابة والمحاججة بالمنطق بعيدا عن كل أشكال الانغلاق الفكري والتعصب الإديولوجي لكن لا يجب صقل المناضلين على أسلوب بافلوف مع كلابه كما هو الوضع الآن. في المسائل الجماعية: إن التفاعل بين الثقافة التنظيمية والثقافة الفكرية في البنيات الحزبية عرفت على مر العصور اتجاهين: الأول محافظ يتسم بالتفاف المناصرين على أعيان وبورجوازيين على مبدأ الانتخابات الصرف هذا الاتجاه لا يهتم للحياة السياسية بل بالمصالح الشخصية والتقرب إلى الحاكمين, وتبرز في الغالب خصومات بين أعيان على مواقع انتخابية مشتركة وتعرف عراقيل تنظيمية مع وطأة التوجيه الشخصي وغياب الإدارة على مستوى الجهات. واتجاه آخر تقدمي وغير واقعي في بعض الأحيان يهتم بالتأطير السياسي للعقيدة الحزبية ولا يهتم كثيرا بالتعبئة للانتخابات مع بروز تيارات فكرية تصادمية مما يخلق أزمات تنظيمية دورية. وفي رأيي الشخصي المتواضع يجب التوفيق بين الاتجاهين فلا سلطة بدون انتخابات ولا حداثة بدون ترسيخ عقيدة الحزب، فيجب استقطاب أعيان مستنيرة ذات حس سياسي وتؤمن بعقيدة الحزب، وعمل حزبي منظم على المستوى الأفقي والعمودي أكثر اتساعا وأكثر انفتاحا حيث يحتل فيها التثقيف السياسي مكانا كبيرا إلى جانب النشاط الانتخابي الصرف، فارتفاع عدد المنتسبين واستيفاء الاشتراك الإلزامي يقضيان بإنشاء إدارة تتسم بحكامة جيدة في تحرير الطاقات الحزبية تفصل فيه بين السلطات ويتجاوز فيه الحزب الإطار السياسي الصرف لكي يتدخل في الحقل الاقتصادي والاجتماعي تفعيلا للمرجعية الفكرية. فالحزب ككل هو مجموعة من الوحدات مرتبطة بأجهزة تنسق فيما بينها، وهو أيضا مجموعات صغيرة منتشرة في البلاد تربط فيما بينها، فيترك مفهوم النخبة التقليدية الموروثة أو المنتقاة على الطبيعة لمصلحة مفهوم نخبة "مؤسسة" متوجة بالثقة الممنوحة لها من الجماهير المنظمة, والصعوبة الكبرى تقوم في الفصل الحتمي بين المبادئ وتطبيقها اليومي في الحياة الحزبية فإذا قدمنا للجماهير الشعبية أفكارا عامة ومغرية جدا من دون أن نبين لها النتائج المباشرة فإنها تتنكر لها بسرعة, فبالنسبة إليها لا تشكل السياسة أمورا ترفية بعكس ما يراه قسم كبير من الطبقة الوسطى، فالتأطير السياسي بالمغرب عرف إشكالية الاتصال المباشر بين السياسة العامة بتنفيذ مشاريع مجاري المياه واستصلاح الطرق وتوفر الخبز أو نزاع بين الأفراد وبالعكس فهي على علاقة وثيقة بمستوى الأجورواستقرار التوظيف و شروط العمل و تنظيم المشاريع, فالسياسة هي التركيب الفوقي للاقتصاد كما يبين ماركس، وهذا ما يجب تأطير الشباب والنساء وعامة الشعب عليه، فيجب ربط كل مطلب خاص بمبدأ عام وإلحاق كل إشكالية خاصة بمجموع سياسة الحزب. وهنا يجب الحسم في التنظيم بين مستووين: التركيب العمودي المستنبط من اللجن للأحزاب المحافظة من مكتب سياسي ومجلس وطني إلى المكاتب المحلية والمجلس المحلي ولجن الأحياء... هذا التركيب هو الأساس في البنية الحزبية لما يلعبه من دور في إعطاء التوجهات العامة وطنيا ومحليا ولإنتاجه لمشاريع السياسات العمومية وإعطائه للقرارات السياسية، ومستوى أفقي ذو تركيب فئوي مستوحى من عمل الخلايا بالأحزاب الاشتراكية الأوروبية يتمثل في القطاعات الموازية مثل الشباب، النساء، الطلبة، المنتخبين، المحامين، أساتذة التعليم العالي..إلخ، دورها تكويني وتأطيري خاص بكل فئة وآلة استقطابية فئوية لما تتيحه من فرصة لتحرير الطاقات وأيضا مشتلا للنخب السياسية لإطعام الحزب عموديا بالعناصر البارزة. بين هذا وذاك لا يمكن إغفال المحطة الانتخابية كما قلنا سابقا فترسيخ الحداثة يحتاج للسلطة ولا يتأتى أي حزب سياسي للحصول على السلطة بدون نجاح انتخابي, يأتي دور خلايا التضامن دو اصول الشعب في الاحزاب الشيوعية هذا الجهاز يجب أن يكون مخصصا للاستيلاء على الأصوات ولربط المنتخبين بالفئة الناخبة ولإقامة الاتصال الدوري فيما بينهم فيصبح هذا الجهاز مكينة انتخابية دائمة وأداة عمل ودعاية وسيطرة وعند الاقتضاء أداة عمل تكون الانتخابات و المناقشات البرلمانية بالنسبة إليه وسيلة عمل من مجموعة وسائل وبل وسيلة ثانوية فيتم الفصل بين النظام السياسي العمودي للحزب وهذا الجهاز ليؤمن سيره ويحافظ على موقعه الانتخابي والسياسي للوصول إلى السلطة السياسية محليا أو وطنيا. فحتى نمط الاقتراع باللائحة يوجب على التنظيم ان يكون محكم و مترابط من حيث العلاقات التنظيمية وان يكون جميع الفاعلين في الحزب على درجة عالية من التضامن وهو أحد مبادئ الديمقراطية الاجتماعية وهذا يسهل بشكل كبير في تشكيل اللوائح الانتخابية والمساهمة الجماعية في تسويقها عند عامة الشعب بكل فئاته هذا التضامن يقوي أثر الأفكار ويوهن تأثير الأشخاص ويعطي للبرامج العامة سيطرة على الخلافات التافهة ويدفع بالأحزاب إلى تنظيم قوي على المستوى الوطني و المحلي عموديا وأفقيا، حتى يعطي الحزب مفهومه للحداثة داخليا قبل أن يرسخها مجتمعيا ولا يبقى هذا المشروع الحداثي شعارا فضفاضا للترويج الإعلامي فقط. هذا الترابط القوي والهيكل المعقد للتنظيمات السياسية مرده للسمات العقلانية في التدبير الحزبي مما يضطر بنا إلى فصل السلط بشكل حازم، بين السلطة التشريعية للاستراتيجيات للمؤتمرات الوطنية والإقليمية والجهوية وبين السلطة التقريرية للمكاتب والأمانات العامة وبين السلطة التنفيذية على مستوى القطاعات والتنظيم الافقي، وأيضا يجب العمل على تنظيم الاتصال العمودي والأفقي فالأول مرتبط بيروقراطية إدارية محضة دائمة الاشتغال اليومي والثانية تتسم باتصال مذبذب عن طريق التوجهات السياسية العامة الفوقية ولهذا تتسم العلاقة التنظيمية للقطاعات الموازية بشكل مباشر مع الهيآت التقريرية على المستوى الوطني وتنخفض وتيرة الاتصال محليا مما يعطي للقطاعات استقلالية نسبية على المستوى المحلي ويكون في غالب الأحيان الاتصال بين هذه التنظيمات الأفقية منعدما وهذا كله مع الحفاظ على توازنات القوى بين المركزي و المحلي لان كل القضايا الحزبية و السياسية التي تكون نضرية و مستنتجة عن طريق التقارير على المستوى المركزي تكون محسوسة وواقعية على المستوى المحلي، حتى لا تكون السياسية المركزية شمولية وعامة لا تعترف بالخصوصيات ولا تكون في نفس الوقت ضيقة الأفق ومقوقعة في خصوصية لجهة ما وتعمم على باقي الجهات الأخرى فيصبح هناك توافق بين المركز والمحلي. في المسائل الفردية: كأفراد يجب الاعتراف رغم أن هذا غير مضمون في القوانين الأساسية والداخلية في التنظيمات السياسية أن هناك أربعة فئات للأفراد. - المناضل: أهم فئة في البنية للحزب، ويجب أن تكون مدربة على التفكير الاستراتيجي وصناعة مشاريع سياسية مجتمعية تسهل على الأفراد الآخرين للعمل من أجل الحزب وهو عمل شاق ومضني ويومي إن لم نقل أن هذه الفئة من الحزب يختلط لديها الشأن العام مع الشأن الخاص فيلبسون ثوب السياسة وتلبسهم السياسة ويتأثرون في أعمالهم الخاصة بالغ التأثر ولتكون أعمالهم دات مردودية لابد لهم من إطار فكري يتحركون بمبادئه وقيمة، لذا يجب صناعتهم بشكل دوري وتأطيرهم وتكوينهم في بعض القطاعات الأفقية كحركة الشباب والنساء والحركة الطلابية والمهندسين والتعليم العالي، مع ملاحظة عدم تمسكهم بالأهداف الإنسانية المثالية، وللأسف يجب عليهم في بعض الأحيان ممارسة الخبث الإنساني الإيجابي لما هو في مصلحة الحزب ومشروعه الحداثي الديمقراطي، وعملهم يكون بالأساس مبني على إعداد واعي للخطوات المتبعة والمتتالية لترسيخ المرجعية الفكرية في التنظيم العمودي والأفقي وفي توجيه المخططات لباقي فئات الحزب (الأعضاء، والمناصرين). مع العلم أن من المستحيل على كل المناضلين أن يكونوا قادرين على عمل كل شيء في آن واحد فلابد من تقسيم المهام بين المخطط والإداري و المنفد وبين ما هو تكتيكي لحظي وارتجالي ليكون عمل المناضل شمولي وكامل وعدم الوقوع في خطأ التركيز على القضايا الصغيرة نسبيا بل المبادرة في التركيز على التحديات الكبرى للحزب محليا ووطنيا وترك القضايا الصغرى لباقي الأعضاء الذين يمثلون الحزب في الأجسام المجتمعية وبطبيعة الحال مع التوجيه الدوري والمستمر لهم في التخطيط. ومفهوم الاستراتيجية هنا يجب أن يكون مقرونا بمفهوم فن التخطيط وأن يكون على درجة عالية من الدراية التحليلية للمعطيات الداخلية في الحزب والخارجية المجتمعية فتبنى الاستراتيجية مخططا كمخطط المهندس المعماري، والتكتيك يرتبط بمهارة استخدام القوى على أفضل وجه في وضع محدد ولحظة محددة وهو عمل محدد لتحقيق هدف محدد فيجب على المناضل أن يكون فنانا مرتجلا على مستوى عالي، والمناضل المنفذ يجب أن يتسم بالانضباط العسكري ودراية عالية بالإطار الفكري المحدد لعمله ومستوعب للقرارات والتوجهات الكبرى للحزب. والمناضل بصفة عامة في التنظيمات الحزبية هو أكبر تجلي للاستخدام الجيد للذكاء البشري وللعقلانية، فقس ذكاء مناضلي حزب ما تقس قوة هذا الحزب، وتختلف الأساليب هنا لذا المناضلين باختلاف الخصوصيات الجغرافية والمجتمعية والفئوية. - المنتسب (العضو) : وهي من اهم الفئات وهي نقطة الصلة بين المشروع الحزبي والمواطن، يجب على هذه الفئة توجيهما في العمل في مؤسسات مستقلة عن الحزب على سبيل المثال : العائلات والمنظمات الجمعوية والتعاونيات والوداديات والمؤسسات الثقافية والأدبية والأندية الرياضية، والمؤسسات الاقتصادية والنقابات والحركات الطلابية ومنظمات حقوق الإنسان .... إلخ، حيث تنبع أهمية هذه الأجسام في ترسيخ المشروع المجتمعي وتاثيره على شريحة كبيرة من المجتمع مما تنعكس على الحزب في النتائج الانتخابية وذلك عن طريق انصهار هذه الفئة من الحزب في المنتديات الأفقية لتتربى على الخطابات والتأثير المتخصص الفئوي. فتواجد الحزب بقوة في هذه الأجسام المجتمعية يسهل على الحزب توجيه المجتمع ليقبل آراء وقرارات الحزب بل يساهم في التعاون مع الحزب العمودي على ترسيخ المرجعية الفكرية. فالأفراد المنتمين للحزب والمنعزلين الذين لا ينتمون لمثل هذه المجموعات لا يمكنهم التأثير على المجتمع وفي الحياة السياسية. -المحبذ والمناصر : هذه الفئة هي المستهلك الأول لقرارات الحزب وبرامجه وأفكاره وهي فئة ليست عضوة في الحزب، هم اشخاص يهتمون للحياة السياسية ولا يمارسون السياسية، يخصصون وقتا بسيطا من حياتهم اليومية لتتبع أخبار الحزب ويشاركون في بعض الأحيان في أنشطة الحزب وكلما كان حضور الحزب إعلاميا ونشاطيا كلما زاد عددهم فيستفيد الحزب من هذه الفئة في نقاشات المقاهي والنقاشات العادية اليومية، فيدافعون عن وجهات نظر الحزب في القضايا التي تخصهم. -الناخب : هذه الفئة هي المؤهلة للسلطة، ويكون اهتمامها بالحزب لحظي مرتبط باللحظة الانتخابية لكن صوته رهين بتراكم الأعمال ونضالات الحزب لسنين، واستقطابهم هو دور خلايا التضامن كما ذكرنا سابقا.