نظم حزب العدالة و التنمية ندوة مصغرة صباحية تحت عنوان "قراءة في راهن و مستقبل التواصل السياسي لحزب العدالة و التنمية" يومه السبت 11 فبراير 2012 بمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية و التكوين، قام بتاطيرها ثلة من المهنيين في ميدان الإشهار و التواصل و الصحافة و بمشاركة وزير الاتصال و الناطق الرسمي باسم الحكومة. و اقتصر منظموا الندوة على أن تكون مشاركة المتدخلين عبارة عن عروض تتبعها تعقيبات الفاعلين دون تقسيم للمحاور، و لئن كان من المحمود أن يقوم حزب سياسي في بداية اضطلاعه بتسيير الشأن العام ببادرة من خلالها يرمي إلى تقييم أداء التواصل السياسي الراهن و استشراف مستقبله، من الضروري تسجيل بعض الملاحظات مفادها أن مجمل التدخلات (باستثناء تدخل مدير جريدة الأيام الذي كان الأقرب إلى موضوع الندوة من خلال رصد طرق "تواصل" الحزب خلال الحملة و بعد توليه تسيير الشأن العام) ركزت على مقاربة الأداء التواصلي السياسي باليات الإشهار و التسويق، و باعتبار الخطاب السياسي كباقي المنتجات التي يتعين تسويقها وفق منطق السوق و عقلية إقناع الزبون باستخدام كل الوسائل الممكنة و المتاحة للرموز الدينية و الاجتماعية ، كما دل على ذلك مداخلات مهنيي وكالات الإشهار الذين استعانوا بأمثلة التواصل السياسي في الولاياتالمتحدةالأمريكية. صحيح أن الفاعل السياسي الأمريكي و حتى الأوربي مؤخرا يتعامل مع الكتلة الناخبة كما لو كان الأمر يتعلق بسوق ذات طاقة و قدرة شرائية مستعدة لاقتناء كل ماتم عرضه في السوق الانتخابية، إلا أنني لا اعتقد أن حزب العدالة و التنمية يرمي إلى أن يكون النموذج الأمريكي في التواصل السياسي، أفقا لتمرير خطابه السياسي خاصة وان تعامل الأحزاب الأمريكية مع الناخب يحكمه منطق الماركوتينغ السياسي حتى لو أدى إلى تسويق بضاعة فاسدة أو مضرة موجهة إلى جمهور طيع إلى حد السذاجة يمكن لمجرد فيلم هوليودي أن يقلب مواقفه بين عشية عرضه و ضحاها. لمناقشة التواصل السياسي يفترض بنا الرجوع إلى الوراء في صفحات التاريخ و تتبع نشأة هذا المفهوم الذي ولد مع تطور أشكال الممارسة الديمقراطية التي تفترض وجود قنوات و آليات لتبادل الآراء و المواقف ، تاريخيا، يرتبط مفهوم التواصل السياسي الحديث بواقعة دريفوس في فرنسا و التي أفرزت نقاشا عاما غير مسبوق تميز بتنوع المتدخلين من سياسيين و مدبري الشأن العام مرورا بالكتاب و الأدباء ،أي أن التواصل منذ نشأته ارتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم النقاش العام –le débat public - و الذي يعتبر شرطا ضروريا لتحقق التواصل الحقيقي ، حيث يتناول موضوعا يهم الشأن العام و تقوم من خلاله الأحزاب السياسية بتمرير مواقفها و طروحاتها للحل في سياق التنافس على المواقع ، هذا التنافس يفترض وجود قنوات للتواصل بين الفرقاء السياسيين من جهة، و مع الجمهور الناخب من جهة أخرى بشكل يتيح تبادل الآراء و المواقف في اتجاهين متفاعلين ، و هو ابعد مايكون عنه النموذج الأمريكي القائم على اتجاه أحادي ووحيد لايمثل بأي شكل من الأشكال مفهوم التواصل ، وإنما يجسد اتصال أحادي الجانب ، يمكن تسميته توتاليتارية الاتصال. إذ أن التواصل يفترض تفاعلا بين المرسل و المتلقي عبر قنوات تؤسس لديمقراطية تواصلية ، في حين أن الاتصال ينبني على فاعل واحد وهو المرسل دون المتلقي ، اللهم رصد درجة تأثر هذا الأخير بالخطاب الموجه إليه قصد إعادة الصياغة و التوجيه. كان التواصل السياسي في البداية يدل على الخطاب الموجه من طرف الحكومة إلى جمهور الناخبين ثم تبادل هذا الخطاب بين المعارضة و الأغلبية ، قبل أن يتوسع إلى فاعلين جدد وهم وسائل الإعلام ودورها في تشكيل الرأي العام وعمليات استقصاء الرأي ، هذا التوسع في المفهوم يأخذ بعين الاعتبار أهم مميزات المجال السياسي الحديث : توسع المجال السياسي و المكانة المتميزة للاتصال و الإعلام في تشكيل الرأي العام . وهكذا يبدو التواصل السياسي كفضاء تتنافس فيه ثلاثة مستويات من الخطاب تختلف من حيث المشروعية و هم رجال السياسي و الصحافة و الرأي العام عبر عمليات الاستقصاء,هذا التعريف يؤكد على فكرة تفاعل الخطابات و تعددها و هي شرط لتحقق ديمقراطية الكتلة- la démocratie de masse – لكن بروز الإنترنت و المنتديات الاجتماعية قد غير من التوازنات التقليدية بين رجال السياسية و الرأي العام ، إذ أن المجال العام كما نعرفه لم يعد كما كان في السابق مما يحتم على الفاعلين السياسيين تغيير طرق تواصلهم و ليس فقط اتصالهم . فقد يمرر رجل السياسة خطابه الرسمي وفق القواعد القانونية و شروط الاحترام الضمني للمجال العام غير أن الخصم السياسي أو مايصطلح عليه بالمناضلين الرقمين –E-militants قد يستعملون طرق أخرى تختلف في منسوبها من الاحترام و الالتزام بالقوانين، أي أن الانترنت و المنتديات الاجتماعية تتحول من مجال للحوار إلى وسائل و أدوات للحرب. إن التعدد الذي يتيحه الفضاء الافتراضي سببه سهولة الولوج الانترنت و ضعف كلفتها حيث يمكن البقاء مدة أطول و بصفة دائمة و مستمرة – le système PIII : Permanent, Instantané Immédiat - و من هنا جاء مفهوم الحملة الدائمة –permanent compagne –الذي تحدث عنه وزير الاتصال أثناء الندوة مع فارق أن هذه الحملة الدائمة أو المستمرة لاتتطلب دعوة لحضور برنامج تلفزي أو حوار في جريدة ما، وإنما يكفي التوفر على شاشة و لوحة مفاتيح و الولوج إلى الشبكات الاجتماعية دونما توجس أو اكراهات الفارق الزمني و المجال المخصص لكل متدخل ، ومن تم التعليقات المتبادلة حول الأحداث و البرامج و الخيارات التي تمررها الحكومة عن طريق تقنية الربط-links-و التشارك-sharing-. وكمثال على ذلك تكفي الإشارة إلى أن الرابطة الشيوعية الثورية LCR في فرنسا تضع على موقعها الالكتروني تحميل مواضيع قطاعية حسب المجال الجغرافي ، بل و يمكن هذا الموقع كل مناضلي الحزب من التعرف على المستجدات و كذلك التكوين في العديد من المواضيع و المجالات السياسية ، وكذلك الأمر بالنسبة للجبهة الوطنية الفرنسية و حزب الخضر و التحاد من اجل الديمقراطية الذي وضع نظام RSS من اجل تتبع كل أخبار و مستجدات الحزب الأمر الذي يفسر كيف اعتمد فرنسوا بايرو على المنتديات الاجتماعية في حملته الانتخابية عن طريق تقنية جمع التوقيعات. في سنة 2007 لم يعد البرنامج الانتخابي في فرنسا مثلا موضوع للخبراء فقط ، وإنما ساهمت الانترنت في توصيل رأي المواطن البسيط إلى المرشحة للرئاسة الفرنسية أنداك سيغولين رويال فيما فضل بايرو وساركوزي طلب تعليقات و أراء روا د الانترنت ، و ظهر ما أصبح يسمى بالتفاعل بين - السيبير-مواطن و السيبير-سياسي. Cyber-citoyen et cyber-politicien. لاشك أن حزب العدالة و التنمية هو اليوم أمام تحدي التواصل السياسي مع ناخبيه أكثر من أي وقت مضى ، فرهان تنزيل مقتضيات الدستور الجديد قد اصطدم مع أول اختبار تمثل في القانون المنظم لصلاحيات رئيس الحكومة في تعيين مديري المؤسسات العمومية وفق لائحة محددة ، حيث تم تمرير القانون-المرسوم بسرعة و دونما أن يكلف الناطق الرسمي باسم الحكومة نفسه بتقديمه للنقاش أمام الرأي العام ، و إلى أي مدى يتوافق هذا القانون مع مقنضيات الدستور من حيث مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بالنسبة لمن تم تعيينهم بظهير وكذا مسطرة الإعفاء خاصة وان الامر يتعلق بمؤسسات عمومية ستكون فاعلة في تنزيل البرنامج الحكومي. وأيضا تدبير التحديات التي مافتئت تواجه هذه الحكومة منذ تنصيبها، ربما سيكون لاكراهات التدبير وقع على السياسة التواصلية للحزب في المستقبل بلحاظ الملفات المهمة التي سيعهد إليه بتدبيرها و ربما تمريرها -بعيدا عن رطانة اجترار مايسمونه بالنموذج الاوردوغاني- فإلى حد الساعة لم نرى أي مؤشر على طرح إصلاح صندوق المقاصة للنقاش عبر ندوة وطنية مثلا ، أو مصادر تمويل صندوق التضامن المقترح و التصور الخاص بالحزب لمشروع البنوك الإسلامية و باقي المشاريع التي حفل بها برنامجه الانتخابي ، كما أن تعامل الحكومة مع أحداث تازة قد طوع شيئا ما من الاندفاع الانتخابي للحزب –برر وزير الاتصال و الناطق الرسمي باسم الحكومة موقفها من الأحداث بكون أن موقع تسيير الشأن العام يتيح الحصول على معلومات ليست في متناول العموم،(أين هي الشفافية التي ركز عليها البرنامج الانتخابي) وعلى أساسها تم اتخاذ موقف الحكومة !!- و هذه ليست سابقة في المشهد السياسي المغربي فقد سبق لحكومة التناوب بقيادة التحاد الاشتراكي و الذي صال و جال بانتقاداته في البرلمان أن تحول من مدافع عن التوازنات الاجتماعية إلى تلميذ نجيب لصندوق النقد الدولي في الدفاع عن التوازنات الأساسية و الماكرو اقتصادية. حزب العدالة والتنمية ،الأصالة، التنمية و الشفافية كانت المفردات المؤسسة لراهن خطابه و تواصله السياسي ، ترى مالمفرادات الجديدة المؤسسة لمستقبل هذا التواصل؟ إنا معكم منتظرون.