في زمن إنتخابوي، حتى لا نقول انتخابي، حرج سمته التناطح السياسوي وفي غياب نقاشات كبرى حول المشاريع السياسية والبرامج والخطط الاقتصادية والتصورات الناجعة للرفع من مستوى التنافسية الاقتصادية وتشغيل الشباب وبكثافة على الطلب على التفاصيل والفضائح وتربص من وسائط تداولية متمثلة في حزب الفايسبوك وإخوانه. وأمام انتخابات تشريعية برهانات تبدو استثنائية، حيث يراها البعض معركة كسر عظم ويراها البعض الآخر معركة اجتثاث، برزت في المشهد التداولي اليومي سرديات خبيثة، و هي سرديات لا علاقة لها بالسرديات الصغرى للفيلسوف الفرنسي فرانسوا ليوتار التي قدمها كأساس لمشروعه الفلسفي الهادف إلى نقض التمركز الأيديولوجي للأفكار الشمولية التي تدعي قدرتها على طرح تفسير نهائي لحركة التاريخ وطبيعة الصراعات في المجتمعات البشرية من خلال تحولها إلى "سرديات كبرى" لا تقبل المسألة والتشكيك. هي إذن سرديات لا تحترم الحريات الفردية ولا الحقوق الأساسية للمواطن قبل السياسي، لا تراعي لمبادئ قرينة البراءة أو لسرية التحقيق ولا تهتم بالضمانات القانونية و القضائية، سرديات تقوم على استغلال ارتفاع مستوى الترابطية في العالم الافتراضي التداولي التي دفع بها الاعلام الجديد والمنتديات التواصلية و على طابعها الفضائحي و انتهاك الأعراض، سرديات تتغدى من ذلك الالتباس المقيت و المقصود بين الشخص العمومي و الحياة الخاصة للناس . صحيح أن المغرب الان يعيش بعض التحولات الكبيرة على المستوى المجتمعي و القيمي والتي يضيق المجال الآن للتفصيل فيها، ومعلوم أن زمن التحول يفرض طرح السؤال الثقافي و الهوياتي و القيمي، لهذا فمن الطبيعي جدا أن نجد القضايا المطروحة في الفضاء العمومي بشكل خلافي واستقطابي هي قضايا من قبيل حرية الإفطار، الاجهاض، حرية اللباس، البوركيني في الشواطئ، العلاقات الرضائية بين الجنسين، حرية المعتقد، الإرث … ولعل هذا ما يدعم هذا التفوق للثقافي القيمي على الاجتماعي و الماكروسياسي كما سبق أن تنبأ الان توران في أطروحته حول نهاية المسألة الاجتماعية . ولكن لا يجب للثقافي أن ينزاح و يوظف لأغراض انتخابوية لاسيما إذا تحول إلى سرديات خبيثة تنهش في أعراض الناس و خصوصياتهم و الأهم من هذا كله، أن الانتخابات ما هي إلا وسيلة و آلية للضمان الحرية وصيانتها ، الشيء الذي لا يمكن أن نتصور معه أن يصبح التنافس الانتخابي القائم على ضمان حرية الناخبين إلى وسيلة للتضييق على الحريات و الحقوق الاساسية للمواطنين . و لعل هذا ما يجعلنا نقول أن بروز و سيادة هذه السرديات الخبيثة من شأنه أن يدعم السياسة الجاهلة القائمة على الاحتيال. الم يكن المعلم سقراط رائعا عندما احتقر السياسة الجاهلة، واعتبرها مجرد حرفة للاحتيال تشبه حرفة الطبخ… .