شملت عملية الافتحاص ومراقبة تسيير عدد من المؤسسات والوزارات التي قام بها المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2018، جامعة محمد الخامس بالرباط، فنفض الغبار على مجموعة من التجاوزات التي تعرفها واحدة من بين أشهر جامعات المغرب. انعدام الشفافية في انتقاء طلبة الدكتوراه رصد المجلس الأعلى للحسابات غياب مسطرة محددة ومعممة على جميع مراكز دراسات الدكتوراه، تحدد معايير انتقاء وقبول الطلبة للتسجيل في سلك الدكتوراه، فكل مركز من مراكز دراسات الدكتوراه يعتمد مسطرته الخاصة به. وهكذا، فقد سجل، على مستوى 14 مركز دراسات دكتوراه العلوم والتكنولوجيا التابع لكلية العلوم، أن عملية انتقاء وقبول الطلبة في سلك الدكتوراه تتم مباشرة من خلال وحدات البحث، وبدون رقابة أو إشراف من مركز دراسات الدكتوراه أو العميد، بينما على مستوى مركز دراسات الدكتوراه العلوم والتكنولوجيا للمهندس التابع للمدرسة المحمدية للمهندسين، فإنه يتم تسجيل طالب الدكتوراه على أساس موافقة الأستاذ المشرف في غياب معايير موضوعية لاختيار المرشحين. كما أنه، على مستوى مركز دراسات الدكتوراه القانون والاقتصاد-أكدال، يعتمد تسجيل طالب الدكتوراه على انتقاء أولي على أساس الملف المقدم من طرف المترشحين متبوعا بمقابلة شفوية فقط. زيادة على ذلك، فقد سجل قضاة إدريس جطو غياب معايير لاختيار اللجان التي تشرف على انتقاء وقبول المترشحين، وعدم خضوعها لأي إشراف سواء من طرف مدير مركز دراسات الدكتوراه أو من قبل العميد. وقد أسفرت عملية فحص ملفات بعض المترشحين على ملاحظات عديدة من أبرزها، تحرير محاضر بالانتقاء وقبول المترشحين على شكل قوائم لأسماء الطلبة المقبولين دون تحديد معايير الانتقاء المطبقة أو الاجراءات وطرق اشتغال لجان الانتقاء، علاوة على عدم الامتثال لمعايير الانتقاء المنصوص عليها في النظام الداخلي لمركز دراسات الدكتوراه والملف الوصفي لطلب اعتماد تكوينات الدكتوراه، والتي تقضي بانتقاء الطلبة الحاصلين على أعلى متوسط النقاط في سلك الماستر، حيث لوحظ، على سبيل المثال في الموسم الجامعي 2015/2016، إقصاء مترشحين حاصلين على معدل نقاط أعلى من مترشحين تم انتقائهم، ثم وجود طلاب مسجلين في سلك الدكتوراه لا تظهر أسماؤهم في قائمة المترشحين الذين تم انتقائهم في الاختيار القبلي. الدكتوراه.. مناقشة مع وقف التنفيذ التقرير السنوي لمجلس الحسابات المرفوع للملك محمد السادس، كشف أيضا عن ضعف مردودية سلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس بعاصمة المملكة، ويتضح ذلك جليا من خلال عدد طلبة الدكتوراه الذين ناقشوا أطروحاتهم، إذ بلغ 388 طالبا من أصل 1781 مسجل من بين أفواج الفترة الممتدة بين السنتين الجامعيتين 2008/2009 و2011/2012. معطى آخر أبرزه التقرير ذاته يتمثل في أنه خلال نفس الفترة لم يتمكن سوى ثمانية طلبة من مناقشة أطروحاتهم في المدة الزمنية العادية، أي ثلاثة سنوات، بينما نوقشت 207 أطروحة في مدة زمنية قدرها ستة سنوات. وتبين أيضا أن نسبة الطلبة الذين لم يستمروا في تهيئ أطروحاتهم على مستوى أربعة مراكز للدكتوراه من بين الخمسة التي تمت مراقبتها، باستثناء مركز دراسات الدكتوراه العلوم والتكنولوجيا التابع لكلية العلوم، خلال الفترة الممتدة من السنة الجامعية 2008/2009 إلى السنة الجامعية 2015/2016،قد بلغت حوالي 34.88 بالمئة من العدد الإجمالي للمسجلين، وترتفع هذه النسبة إلى 49 بالمئة بالنسبة لدراسات الدكتوراه في كل من مركز علوم الحياة والصحة ومركز العلوم والتكنولوجيا للمهندس. المنح.. استفادة بدون مردودية من بين ما توقف عنده تقرير المجلس الأعلى للحسابات، عدم تتبع طلبة دراسات الدكتوراه الممنوحين؛ إذ تبين أن مراكز الدكتوراه التابعة للجامعة لم تضع مسطرة لتتبع الطلبة الممنوحين ومدى جديتهم في تهييئ أطروحات الدكتوراه، وفي الحالات القصوى، وبتنسيق مع الوزارة والمركز الوطني للبحث العلمي والتقني استعادة المبالغ المؤداة للطلبة الذين لم يتمكنوا من إنجاز أطروحاتهم. وكما هو معلوم فإن طلبة الدكتوراه يمكن لهم أن يستفيدوا من منحة وزارة التعليم العالي ومبلغها 1000 درهم شهريا، أو منحة الاستحقاق المقدمة من طرف المركز الوطني للبحث العلمي والتقني ومبلغها 3000 درهم شهريا. ويبلغ عدد الطلبة المستفيدين من هذه المنح بالنسبة للفترة الممتدة ما بين سنتي 2012 و2016 ما يقارب 2507 طالب ممنوح، من بينهم 247 استفادوا من منحة الاستحقاق، و2260 من منحة الوزارة، غير أنه تبين لقضاة ادريس جطو بناء على معلومات بخصوص الطلبة الحاصلين على منحة الاستحقاق قدمها مركز دراسات الدكتوراه في مجال علوم تقنيات المعلومات والمهندس التابع للمدرسة الوطنية العليا للمعلوميات وتحليل النظم، أن 15 طالب دكتوراه استفادوا من هذه المنحة ما بين السنتين الجامعيتين 2008/2009 و2011/2012، بينما أربعة طلبة منهم فقط هم الذين ناقشوا أطروحاتهم. انخفاض الإنتاج العلمي: خلص التقرير فيما يتعلق بالإنتاج العلمي في الجامعة إلى وجود انخفاض في عدد منشورات الجامعة في المجالات العلمية المحكمة من 1398 سنة 2013 إلى 1200 سنة 2015. وقد غطت غالبية هذه المنشورات مجال العلوم والهندسة والطب بنسبة تناهز 54,94 ،% مقابل 4.09 % فقط لتلك التي تغطي مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية. ويعزى ضعف عدد المنشورات في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، وفق التقرير ذاته، إلى انخفاض معدل انخراط الأساتذة الباحثين في وحدات البحث على مستوى المؤسسات الجامعية التي تعنى بالعلوم الإنسانية والاجتماعية. توصيات المجلس: العمل على إحداث مجالس مراكز الدكتوراه وتفعيلها. إمداد مراكز الدكتوراه بالإمكانيات البشرية والمادية الضرورية للقيام بالمهام المنوطة بهم في أحسن الشروط. العمل على احترام شروط اختيار الطلبة المرشحين للتسجيل بمراكز دراسات الدكتوراه، كما هو منصوص عليها بتوصيفات تكوينات الدكتوراه. إلزامية وضع محاضر تبين معايير الانتقاء مع الحرص على توقيعها من طرف كل أعضاء لجان انتقاء الطلبة الناجحين للتسجيل بمراكز الدكتوراه. حصر مسطرة انتقاء طلبة الدكتوراه بيد مراكز دراسات الدكتوراه. الحرص على استكمال كل الطلبة لما مجموعه 200 ساعة تكوين تكميلية قبل السماح لهم بمناقشة أطروحاتهم.