أنهت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، الثلاثاء الماضي، المناقشة التفصيلية لمقتضيات الفصل 256.8 المتعلقة بتجريم الإثراء غير المشروع، المضمنة في مشروع تعديل القانون الجنائي. وتضاربت مواقف الفرق البرلمانية والمجموعات النيابية داخل لجنة العدل والتشريع بشأن ما يتضمنه هذا الفصل من مقتضيات؛ إذ في الوقت الذي تبنى فيه الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية ما جاء في مضامينه، أبدت كل من أحزاب الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، تخوفاتها من أن تجعل منه الحسابات السياسية سوطا على ظهر البعض فيما قد يستثنى منه البعض الآخر، بينما لم يعبر الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية عن موقف واضح حياله. وينص الفصل 256.8 من مشروع القانون الجنائي على أنه “يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بغرامة من 100000 إلى 1000000 درهما، كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقا للتشريع الجاري به العمل، ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية، أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح، عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة انطلاقا من التصريح الذي أودعه المعني بالأمر بعد صدور هذا القانون، مقارنة مع مصادر دَخْله المشروعة، ولم يدلِ بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة”. النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة، مالكة خليل، قالت إنه “من ناحية المبدأ هناك تأييد واتفاق مع روح هذا النص، غير أنه هناك مخاوف من أن يتم استغلاله في تصفية الحسابات السياسية”، مبرزة في حديث مع موقع “الأول”، بأنه يتعين أن تكون المادة واضحة في الشق المتعلق بالصياغة، بما يُمكّن من تجويد هذا النص التشريعي ذو البعد المهم. كما أفادت عضو لجنة العدل والتشريع، أن الإثبات يجب أن يقع على الجهة المتهِمة وليس على المتهَم بالإثراء غير المشروع، عكس ما جاء في الصيغة، مؤكدة أن الفريق النيابي ل”البام” سيقدم تعديلاته عقب إتمام المناقشة التفصيلية. التخوفات التي عبرت عنها مالكة خليل، اعتبرها النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، نجيب البقالي، مشروعة؛ لافتا الانتباه إلى أن هناك فعلا مخاوف من أن يطبق هذا الفصل في غير اتجاهه السليم. وقال عضو لجنة العدل والتشريع، في تصريح لموقع “الأول”، إن فريق البيجيدي بالغرفة الأولى لا يمكنه إلا أن يوافق ويساند هذا الفصل لأنه يحارب الفساد في المغرب، مشددا على أن المغرب ملزم بمواءمة التشريع الداخلي مع الخارجي، مادام أنه صادق على اتفاقيات دولية بهذا الخصوص. وأورد المتحدث أنه عندما ستننتهي المناقشة التفصيلية لجميع الفصول، فإن فريق “المصباح” سيتقدم بتعديلات من شأنها خدمة هذا الطرح، عبر إيجاد صيغة توافقية، موضحا أن التعديل يجب أن يكون في اتجاه تحريك المتابعات، لكن شريطة أن تودع الشكايات لدى الوكيل العام للمجلس الأعلى للحسابات. من جهته، اعتبر أمام شقران، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، أن الأصل في فصول القانون الجنائي هو الوضوح وألا تحتمل أكثر من قراءة، “لذلك، يجب تعديل هذا الفصل بما يضمن للمواطنين قرينة البراءة ويجنب المساس بحرية الأفراد والأشخاص”، يضيف النائب البرلماني، الذي تابع متحدثا ل”الأول”، أنه “من الأفضل التريث في إخراج بنود القانون الجنائي الجديد، لأن الأمر يتعلق بتقييد حريات الناس”. ويندرج فعل الإثراء غير المشروع ضمن خانة الحالات الاختيارية للتجريم، إذ جاء في المادة ال20 من اتفاقية مدريد لمكافحة الفساد أنه تنظر كل دولة طرف تماشيا مع دستورها والمبادئ الأساسية لنظامها القانوني في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم تعمد موظف عمومي إثراء غير مشروع، أي زيادة في ثروته زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياسا مع دخله المشروع، علما بأن هذا المقتضى يتناغم مع الفصل الأول من الدستور المغربي الذي ينص على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وكذا الفصل ال36 الذي ينص على الوقاية من كافة أشكال الانحراف المرتبط بنشاط الإدارات والهيئات العمومية وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها والزجر عن هذه التصرفات. ويرتقب أن تعقد لجنة العدل والتشريع يوم الثلاثاء المقبل اجتماعا جديدا لإتمام المناقشة التفصيلية لباقي بنود هذا المشروع قانون رقم 10.16، وذلك بعدما تسببت بعض مقتضياته خلال الولاية السابقة في توقف مناقشة القانون في الغرفة الأولى وعدم المصادقة عليه، حيث من أصل 100 فصل لم يناقش أعضاء اللجنة سوى 40 منها فقط.