في الجزء الثاني من حوار محمد المسيّح، الباحث المتخصص في المخطوطات القرآنية، يتحدث عم مراحل تدوين القرآن وحقيقة ضياع بعض الآيات من القرآن التي لم تبق موجودة في نسخة القرآن التي تم اعتمادها في عهد الخليفة عثمان بن عفان، كما يتحدث عن أسباب هذا الضياع التي ظهرت من خلال الرجوع إلى المخطوطات القديمة التي اكتشفت مؤخرا وخصوصا من خلال مخطوطة صنعاء، ويعود أيضا المسيّح إلى إشكال غياب التنقيط والتهميز والتشكيل في النسخ الأولى وكيف أدى ذلك إلى تحوير مجموعة من الكلمات، ويتحدث كذلك عن إشكال اللغة في وقت نزول الوحي والاختلاف بين لغة القرآن واللغة التي كانت سائدة في الصحراء العربية التي يعتبرها، الباحث، مختلفة تماما عن اللغة التي كتب بها القرآن. * تتحدثتم في كتابكم عن مرحلة تدوين القرآن، وكيف أنه في مرحلة معينة، تم التخلص من مجموعة من النسخ التي دونت في المرحلة الأولى بحرقها وتوحيد المصحف في عهد عثمان، هل ضاع في هذه العملية في رأيكم الكثير من أجزاء القرآن في هذه المرحلة ؟ المصادر الإسلامية تخبرنا عن الجمع الثاني للقرآن في عهد الخليفة عثمان بن عفان، والسبب هو وجود مصاحف كثيرة مختلفة على الساحة، أهمها مصحف عبد الله بن مسعود، ومصحف أبيّ بن كعب، ومصحف علي بن أبي طالب وغيرها، مما أدى إلى نزاعات بين المسلمين على قراءة المصحف الصحيحة حتى كادوا يقتتلون فيما بينهم، مما دفع الخليفة عثمان لإزالة فتنة الصراع القائم، وقام بأمر تدوين مصحف رسمي للدولة يقبل به الجميع ثم يحرق ويتلف باقي المصاحف، والسؤال المطروح: هل ضاع شيئاً من القرآن بحرق هذه المصاحف؟ فالجواب: بالتأكيد لوجود سورة الأحزاب على سبيل المثال لا الحصر تضاهي سورة البقرة كما أخبر أبيّ بن كعب الصحبي زر بن حبيش، والأمثلة كثيرة لا مجال لذكرها. * هناك الحديث عن آيات أسقطت أو ضاعت من القرآن، هل من عند الرجوع إلى المخطوطات الأصلية الموجودة، يظهر سبب هذ الضياع أو كيفيته ؟ بالفعل من خلال بعض المخطوطات القديمة يظهر آثار الزيادة والنقصان كما هو الحال في طرس صنعاء DAM01.27-1 ، لكن ما ذكره عبد الله بن عمر وغيره عن هذا الضياع في المصادر الإسلامية هو اعتراف ضمني بحقيقة هذا الضياع؛ حيث قال ابن عمر:"لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله. وما يريه ما كله؟ قد ذهب منه قرآن كثير. ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر منه" وأنظر على سبيل المثال الدر المنثور للسيوطي. فهذا الضياع له أسباب عديدة منها ما يتعلق بالحالة العامة التي كان يعيشها الصحابة من استنفار دائم للغزوات وفيما سبق بالإضطهاد الممارس عليهم من قبل خصومهم، فلا توجد مدرسة بمعنى الكلمة يقضي فيها الطالب وقتاً وسط الكتاب، ويحفظ أو يكتب النص كما سارت عليه الأمور في العصر العباسي. المواد البدائية التي كانت يدون عليها النص القرآني لا تقاوم الزمن، وسن الصحابة لم يكن يسمح بالحفظ الراسخ في العقول، وأما قول أن العرب كانوا يحفظون النص بمجرد سماعه فهذا يفنده ما جاء من اعتراف ضمني من بعض الصحابة بضياع جزء كبير من هذا النص المؤسس، كذلك عدم وجود محترفين ونساخ يحيطون بالرسول وقت تأسيس النص، أضف على ذلك أن الحروف التي كتب بها النص؛ كانت قاصر من ناحية التنقيط والتشكيل والتهميز وحروف المدّ المتفق عليها. النسيان كذلك عامل من عوامل الضياع، وغيرها من الأسباب التي أنتجت هذا الضياع. * تتحدثون في كتابكم، أيضا على مسألة التنقيط والتشكيل والتهميز في القرآن، وأن هذه العملية حورت الكثير من المعاني التي كان عليها القرآن كيف ذلك ؟ في غياب التنقيط والتشكيل والتهميز وحروف المدّ، تصبح عندنا فوضى تراكم القراءات المختلفة التي تخضع لرسم واحد، فما بالك بوجود مصاحف أحرقها الخليفة عثمان بن عفان وقضى الحجاج بن يوسف الثقفي على ما تبقى منها؛ فقد كانت على الساحة خمسين قراءة على الأقل اختير منها أربعة عشر قراءة. أنظر كذلك: الكامل في القراءات لأبي القاسم الهذلي. وكشاهد على خطورة هذا الموضوع، فبالرغم من وجود أربعة قراء من خيرة الصحابة والتابعين؛ وهم عبد الله بن مسعود، وأُبَيّ بن كعب، وابن عباس، والضحاك بن مزاحم؛ كلهم قالوا أن الآية 23 من سورة الإسراء تقول:"ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه…" بدلا من "وقضى"! ويعلل ابن عباس هذا الخطأ بقوله: إن أصل الكلمة "ووصى" فالتصقت الواو بما بعدهما فصارت "وقضى" ويبرر قراءته بالقول:"ولو كان على القضاء ما عصى الله أحد قط؛ لأن خلاف قضاء الله ممتنع".انظر تفسير الرازي على سبيل المثال. فلو كان هناك حفظ محكم، وحروف منقطة ما كان لهذه الكلمة "ووصى" أن تنقلب "وقضى" وشتانا بين الوصية والقضاء. * تعود أيضا في كتابك إلى مسألة مهمة جدا، من خلال الخلفية التاريخية، والتقسيم الذي كان تعرفه المنطقة العربية إلى العربية "البتراء"، والصحراء العربية، وشبه الجزيرة العربية، ومن الملاحظات التي دونتها أن مخطوطات القرآن القديمة كتبت بخط غير الخط الذي كان متداولا في الجزء العربي (الصحراء) الذي تتحدث المراجع الإسلامية على أنه مهبط الوحي هل معنى ذلك أن التاريخ يكذب الرواية الإسلامية بهذا الشأن؟ بحسب الأستاذ روبرت كير Robert M. Kerr الإخصائي في اللغات القديمة والنقوش، يذكر شيئاً خطيرًا عن التقسيم الإداري الروماني التي كانت تعرفه بلاد العرب؛ فهناك العربية البتراء Arabia Petraea أي عرب الشمال ، وفي الوسط الصحراء العربية Arabia Deserta ، وفي الجنوب العربية السعيدة Arabia Felix. انظر المجلد السابع لمعهد إنارة الألماني ص: 39- 45. فالغريب أن القرآن كتب بأحرف تنتمي إلى العربية البتراء رغم عجزها ونقصها؛ لأنها لا تحتوي على كل الحروف المنطوقة، في حين يوجد الخط الثمودي الذي ينتمي إلى مكة والمدينة كاملا لا ينقصه سوى حرف الثاء! وبالتالي هذا دليل قاطع على أن القرآن لم يولد في مكة والمدينة كما تقول المراجع الإسلامية وإنما في الشمال، وهذا يؤيد ما توصلت إليه المستشرقة الدنماركية-الأمريكية باتريسيا كرون Patricia Crone من أن مكة لم تكن موجودة في القرن السابع الميلادي، انظر كتاب تجارة مكة وظهور الإسلام.