إدريس زياد لعالم اليوم الدولية الإنقلابيون في السودان يستولون على السلطة ويعتقلون أعضاء الحكومة الإنتقالية المعينة وزعماء الأحزاب السياسية، السودان اليوم بلا مؤسسات، بلا محكمة دستورية، بلا مجلس تشريعي، بلا مجلس قضاء، فالمؤسسة الوحيدة الحاكمة بالحديد والنار هي الجيش، ومهمته الأصلية التي على عاتقه هي حماية البلاد من الإنقسام والإنهيار وحماية الشعب من الإستهداف، لكنه الآن يمارس السياسة التي هي ليست مهمته، فأينما حلّ حكم العسكر فتَمَّ الديكتاتورية والخراب… ففي شرق السودان تتطاول أعناق الأزمة ويواصل "البجا" سكان الشرق إغلاق مناطقهم التي تضم موانئ السودان البحرية والتي هي عبارة عن متنفس كبير للسودان، باحثين عن حل لقضايا منطقتهم، هؤلاء الغاضبون في الشرق يهددون بالإنفصال وتقرير المصير لطول معاناتهم وتهميشهم، الإحتجاج ترتفع وتيرته لنيل الحقوق المنشودة، والأزمة تتفاقم، والغلاء يضرب أطنابه، والقدرة الشرائية تنعدم، والتعليم والصحة في تراجع كبير، والخدمات تنهار، الحكومة الإنتقالية عاجزة محتارة، تتفاخر ببعض إنجازاتها بأنها أعادت السودان إلى الإنفتاح الطبيعي، والجيش يمهد للوصول إلى الإنتخابات، لكن اليسار المدني يريد تطويل الفترة الإنتقالية وتأخير الإنتخابات بحجة تَمَكُّن الدولة العميقة من مؤسسات الدولة، إلا أن العسكر تقدم عليهم في استعجال (الديمقراطية) وإنجاز استحقاقها… لم يفِ رعاة الثورة الذين وضع الشباب الثائر ثقتهم فيهم بالوعود ومساندتهم لإنجاح أهداف الثورة في الحرية والتغيير، ولم يستطيعوا حماية وحدتهم ولا الإيفاء بالتزاماتهم تجاه وثيقة التوافق الدستورية رغم الآمال الكبيرة التي علّقها الثوار على رقبة القوى الثورية التي جسدت الثورة ومثّلتها، فكل ما فعله العسكر هو رفع العقوبات ببطء، والتي كانت بمثابة قيد يخنق عنق النظام السابق، وجدولة الديون المتراكمة التي زادت السودان تأزماً، مقابل التدخل وحشر الأنف في كل التفاصيل الداخلية للبلاد، وبقي شعب السودان محتاراً بين وعود السلام والحرية والعدالة الإجتماعية، وبين واقع مأساوي لا يجد فيه لقمة العيش، فتهدر كرامته على عتبة الوعود وانتظار نتائج الصراع في حلبات السياسة، فالمشهد في السودان معقد وصعب الفهم وصوره موجعة والوضع فيه مخيف جداً، ولا تنفع فيه الأحكام الجاهزة.