لا أحد ينكر أن لكل منتوج مستثمرين ناشطين فيه ، وله متخصصين ذوي التجربة الكاملة ، وتبقى التفاهة المنتوج الشاغل للرأي العام ، حيث تعتبر السلعة الأكثر طلبا في السوق الحالي ، ولها منتجيها ومستهلكيها ، وخلقت رواجا هائلا في سوق التواصل الإجتماعي. وأصبحت التفاهة اليوم طريقا محبوبا عند جمهور اليوتوب ، وتتصدر الكثير من المشاهدات والإعجابات والتعليقات ، مما يجعل لها مداخيل مالية عالية ، وترفعها الى عالم الشهرة والبوز ، وتصنع شخصيات يلتفث اليها الجمهور الناشئ ، ونظرة المجتمع إلى هؤلاء المؤثرين ، جعلتهم يتطورون و يستمرون في الإنتاج. وفي كل ظهور لهم في الساحة ، تعطى لهم قيمة عالية في الحديث أمام الصحافة وأمام الرأي العام ، وتطبق عليهم مقولة المفكر الإيطالي -امبرتو إيكو- "لهم حق الكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل" لهذه الفئة طموح كبير في بناء مستقبلها على أساس التفاهة. ولكن الأمر الذي يخشاه المجتمع اليوم على أبناءه ، هو تغيير أفكارهم الإيجابية إلى أفكار سلبية ، خصوصا أننا في زمن تجد اللوحات الإلكترونية منتشرة في أيادي الأطفال ، رغم قلة جودة السلعة الرذيلة ، إلا أنها مطلوبة عند بعض الفئة من المجتمع ، وهي الطبقة الأكثر عشقا للفضائح. مما يجعل تجار هذه السلعة يربحون السوق ، تاركين لمتابعيهم ومستهلكي منتوجهم ثقافة بطيئة ، تسقط في بطون عقولهم وتخلق هدرا فكريا لديهم ، وظهرت في الآونة الأخيرة نوع من مصنعي هذه التفاهة ، يتدخلون في أمور ذات صلة بالمؤسسات والسياسات العمومية ، مما يجعل المجموعة المستهلكة للمنتوج التافه ، تزيد في رواجه واستثماره عبر مشاركته مع مستهلكين آخرين. وهكذا تنشر الثقافة الفكرية السيئة ، من جيل إلى جيل ، و من بيت إلى بيت ، دون تحمل عناء التوصيل ، و إنما بواسطة الضغط على زر مكتوب عليه كلمة -مشاركة- أو ما يسمى ب "البرطاج" ، في ثوان قليلة يتم توصيل التفاهة مجانا عبر الصفحات و المواقع ، تاركة آثارها السلبي في عقول المتابعين. و بعض المنابر الإعلامية بدورها ساهمت في النشر ، حتى أوصلتهم إلى العالمية ، وأطلقت عليهم نجوما ومثقفين ، تاركة وراءها مثقفين و مفكرين حقيقيين ، و مخترعين عبقريين يصدرون تجاربهم و أفكارهم إلى من يؤمن بالعلم والثقافة. هذه هي الحقيقة المرة والواقع المؤلم ، ولا تكاد تسمع عن التفاهة إلا ولها مؤهلوها و مرتديها ، سحقا لمجتمع يهين أهل العلم والفكر ممن وصلو بجدارة واستحقاق ، ويرفع القيمة لصناع الأوهام والأفكار الخبيثة.