شهداء غزة الصامدة لم يموتوا، بل إنّهم ينعمون بأكمل حياة، ويتمتعون بأحسن رزق. قال الحق سبحانه: «ولا تحْسِبَنَّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربّهم يُرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقُوا بهم من خلفهم ألاَّ خوفٌ عليهم ولا هُم يحزنون، يستبشرون بنعمةٍ من الله وفضلٍ وأنّ الله لا يضيع أجر المومنين الذين استجابوا للّه والرّسول من بعدما أصابهم القرح. للذين أحسنُوا منهم واتّقوا أجرٌ عظيم. الذين قال لهم النّاس إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً. وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء واتّبعوا رضوانَ الله. والله ذو فضل عظيم» [سورة آل عمران: 169/3 - 174]. إن الصهاينة يخطئون حساب الهزيمة والنصر، عندما يظنون أن شهداء غزة قد عُدِموا، أو أهلكوا بآلياتهم الأمريكية الوحشية؛ والحق أنهم في أرفع مستوى يمكن أن يحظى به إنسانٌ من العيش الكريم الهنيِّ، في مقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مقتدِر. إن حبّ الموت، وكراهية الحياة الذليلة تحت نير الاحتلال، هما السبيل الأوحد للفوز بالشهادة وتحرير الوطن في نفس الوقت. فلا خيار إلاّ المقاومة، ولا حلّ إلا الشّهادة: «كَتَبَ اللهُ لأغلبنّ وأنا ورسلي. إن الله قويّ عزيز». [سورة المجادلة: الآية 20] . «أُذن للذين يُقاتَلُون بأنّهم ظُلموا وإنّ الله على نصرهم لقدير. الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حقٍّ إلاَّ أن يقولوا ربُّنا الله . ولولا دفاع الله الناسَ بعضَهم ببعضٍ لهُدمت صوامِع وبيعٌ وصلواتٌ ومساجد يُذكر فيها اسمُ الله كثيرا. ولينصرنّ الله من ينصره. إنّ الله لقويّ عزيز» [سورة الحج: الآيتان 37 38]. هذا وعد الله . والله لا يخلف الميعاد. فماذا ربح العدوّ، وماذا خسِر الشّهداء ، وقتلانا في الجنّة، وقتلاهم في النّار؟! لنُلْقِ السَّمع إلى هذه الأحاديث التي أخرجها الإمام البخاري في صحيحه الذي هو أصحّ الكتب بعد القرآن الكريم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض» (أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه). وقال صلى الله عليه وسلم: «رأيتُ الليلة رجُليْن أتاني فصعِدا بي الشَّجرة فأدخلاني داراً لم أرَ قط أحسن منها قالا: أما هذه الدار فدار الشهداء» (أخرجه البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه). وقال صلى الله عليه وسلم «واعلموا أنّ الجنّة تحت بارقة السيوف» (أخرجه البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى). رائحة دم الشهيد رائحة المسك. عند أوَّل قطرة تقع منه على الأرض يغفر الله له ذنوبه كلها، ويكون (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصّالحين. وحسن أولئك رفيقا) [سورة النساء: 68/4]. قال الله تعالى: (فليُقاتِل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيُقتل أو يغلبْ فسوف نوتيه أجراً عظيما. وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلُها واجعل لنا من لدنك وليّاً واجعل لنا من لدنك نصيراً ) [سورة النساء: 4 / 73 74). لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتنافسون لنيل الشهادة... المقاومة في غزّة اليوم على هذا الدْرب الربّاني تسير.. أطفال غزة ونساؤها ورجالها وشيوخها يسطرون اليوم بدمائهم الزكية صفحات لن ينساها التاريخ، ولن ينساها الصّهاينة وأسيادهم وأذنابهم. صفحات تُرفع إلى العليّ الأعلى لتكون شهادة على رؤوس الأشهاد يوم لن ينفع «بوش» ولا «أولمرت» ولا «بيريز» ولا أمثالهم كرسيُّ رئاسة ولا صواريخ ولا ترفٌ ولا تجبّر. يومئذٍ ستتلألأ هذه الصّفحات بنُورٍ سرمديّ، طوبى لمن سطر فيها شهادته.