شهدت أخيرا مؤسسة أرشيف المغرب بالرباط، حفلا تكريميا للفنان المسرحي الراحل عبد الصمد الكنفاوي، بمشاركة عدد من رواد المسرح المغربي وحضور نخبة من الفنانين المغاربة. وقد أجمعت شهادات الفنانين ورجالات المسرح والمقربين من الراحل على علو كعب المحتفى به الذي طبع بعمق التجربة المسرحية الوطنية، باعتباره أحد الفنانين الأوائل الذين كان لهم دور سباق في إرساء القواعد الأساسية لهذا الفن على المستوى الوطني. و اعترفت هاته الشهادات بمساهمة الراحل الكنفاوي في تكوين أجيال سجلت بصماتها في مجالات الكتابة والأداء والإخراج المسرحي بالمغرب، مذكرين في هذا الصدد، باقتران اسم الكنفاوي بأول فرقة محترفة على الخشبة هي فرقة المسرح المغربي. كما استحضرت الشهادات شخصية الراحل التي تميزت بغناها الثقافي والفني، فالكنفاوي كان مسرحيا وإداريا ونقابيا وباحثا وشاعرا، مؤكدين أن الفنان المسرحي لم يقتصر على التأليف في مجال المسرح، بل تعداه إلى ترجمة الأفلام، وتنظيم المهرجانات، وجمع الأمثال الشعبية، وإعداد الكلمات المتقاطعة، وكتابة القصائد الشعرية. وفي كلمة بالمناسبة، وصف وزير الثقافة، السيد محمد الأمين الصبيحي، الفنان الراحل عبد الصمد الكنفاوي، ب"أحد أعلام الإبداع المغربي" وأحد الأسماء الكبيرة في عالم المسرح المغربي، مبرزا مساهمته في تأسيس الحركة المسرحية المغربية، عبر تجربته الغنية والمبدعة التي جمعت بين السياسي والثقافي والاجتماعي والإنساني. وأضاف أن الاحتفاء بهذا الفنان المبدع هو احتفاء بشخصية وطنية، ساهمت من موقعها في خدمة الفن وتجسيد معانيه الحقيقية، منوها بالدور الذي لعبته مؤسسة أرشيف المغرب في عرض مجموعة من المواد التراثية التي تخلد لمراحل حياة الراحل وأعماله الإبداعية. من جهته، أكد السيد جامع بيضا، مدير مؤسسة أرشيف المغرب، أن تنظيم المؤسسة لمثل هذا الحفل ينم عن رغبة كبيرة في إعادة اكتشاف أحد رجالات المسرح في الإبداع والاقتباس والترجمة، وكنقابي مناضل كرس الكثير من مجهوده دفاعا عن الطبقات الاجتماعية المهمشة، ثم كإنسان مثقف عايش هموم المجتمع وتطلعاته. وأبرز أن الاحتفاء بالكنفاوي يروم الرفع من هذا الاسم المسرحي الشامخ وتخليده كرافد من روافد الذاكرة الجماعية. وبالموزارة مع هذا الحفل، تم افتتاح أول معرض للصور والوثائق للمسرحي "عبد الصمد الكنفاوي : فن والتزام"، فضلا عن تقديم طلبة السنة الثالثة بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، عرضا مسرحيا بعنوان "الكنفاوي..إلى الأبد" تحت إشراف الفنانة لطيفة أحرار. يذكر أن الفنان عبد الصمد الكنفاوي ازداد سنة 1928 بالعرائش، وعمل في أول حياته كقيم على مكتبة، لترتقي بعد ذلك تطلعاته وتبرز مواهبه الفنية في التأليف والتمثيل، وهذا ما ساعد الكنفاوي على الالتحاق بالمعمورة للاستفادة من التداريب التي سهر عليها فرنسيون مثل نوران ولوكا، وهو ما جعل منه أول مدير لفرقة التمثيل التي مثلت المغرب سنة 1956 في مهرجان الأمم بباريس وحصلت على الجائزة الثانية. وتتكون المجموعة الكاملة لأعمال عبد الصمد الكنفاوي، الذي يعتبر رائد المسرح المغربي، بشكل خاص من مسرحيات "سلطان الطبلة" و"بوكتف" ومسرحية "مولا نوبا" و "سلطان باليما" و "سي التاقي"، كما تتضمن أيضا الترجمات والاقتباسات التي قام بها لمسرحيات موليير وبريخت وغوغول وغيرهم من رواد المسرح العالمي . وتجدر الاشارة إلى أن عبد الصمد الكنفاوي شغل عدة مهام حكومية ودبلوماسية منها، منصب الملحق الثقافي لسفارة المغرب بفرنسا، وأمين عام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى حين وفاته يوم 31 مارس 1976.