شيع بعد عصر أول أمس الأحد بمقبرة الشهداء بالدارالبيضاء جثمان فقيد المسرح المغرب الكبير الفنان الطيب الصديقي الذي وافته المنية عشية يوم الجمعة الماضي بإحدى مصحات العاصمة الاقتصادية عن عمر يناهز التاسعة و السبعين ( 79) سنة، وذلك بعد تعرضه لأزمة صحية خطيرة لم تمهله طويلا، بالرغم من التدخلات الطبية المكثفة التي خضع لها الفقيد بالمصحة أثناء فترة العلاج التي كانت تحت العناية السامية لجلالة الملك محمد السادس وبإشراف مباشر من الفنانة والوزيرة السابقة ثريا جبران وأسرة الصديقي الصغيرة.. سجل تشييع جثمان الفقيد الكبير إلى مثواه الأخير حضور حشد كبير من رجال الفن و الفكر و الثقافة والإعلام و السياسة و عموم المواطنين... تقدمهم مستشارا جلالة الملك ياسر الزناكي وعبد اللطيف المنوني.. كان عددهم بالمئات، بل بالآلاف، حلوا بالمقبرة ، التي تواجدت فيها مختلف الأجهزة الأمنية لتسيير وتيسير عملية التشييع، لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على طائر مسرحي نادر طبع مسيرة المسرح المغربي لأزيد من نصف قرن الزمن، مسيرة كانت كلها عطاء وتألق فرجة ومؤانسة وإمتاع.. ، ليس في حدود بلده المغرب، بل في مجموع الوطن العربي وحتى خارج حدودهما ، حيث لأب الفنون مكانة لا تضاهيها مكانة أخرى .. ودع الفنان القدير ذات عصر الأحد، جمع لافت من رجال ونساء دربه الفني الطويل.. كانوا من مختلف الأجيال ، جاؤوا من شمال المغرب وجنوبه ومن شرقه ومدن سواحله..، بل جاؤوا من مطار محمد الخامس الدولي مباشرة إلى المقبرة.. بعضهم أخذت منه السنون ، و البعض الآخر كانت آثار السقم بادية عليه.. لكن أبوا جميعهم إلا أن يحضروا في هذا الحدث الجلل الذي سيودعون فيه أحد الأهرامات الفنية الشامخة، أحد رفقاء الدرب الطويل.. الذي كانت يد الراحل الكبير على بعضهم كنور مصباح أضاء لهم سبل الإبداع في هذا المسار الشائك و المتعب الذي كان فيه المكون و المرشد والمجدد والباحث و الكاشف و المنقب.. باعتراف وتأكيد معظمهم، مهما اختلفت مشاربهم ومناهلهم المسرحية و الفنية..، فقد اتفقوا جميعا على ما يتفق عليه.. هي ذات الصفات وأكثر تلفظ بها الفنانون والمخرجون والكتاب المسرحيون.. في حق الفنان الطيب الصديقي وهم ينتظرون أمام المقبرة، وهو يخطون الخطوات وراء الجثمان، الذي كان أول قبر يصادفه في طريق اللاعودة هو قبر الفنانة المطربة الوديعة رجاء بلمليح.. البعض لم تسعفه الكلمات فكانت الدموع خبر معبر عن الإحساس العميق بالحزن والفراق الفني، بل الروحي كحالة الفنان نور الدين بكر ، الذي كان يعتبر الصديقي كالوالد - ألا يقول له اعزيزي - والبعض التزم الصمت واستسلم ل"جبروت" الذاكرة و الخيال.. ليفعلا فعلهما في هذه اللحظات المؤثرة.. فيما الآخرون أطلقوا العنان لاسترجاع ذكرياتهم مع الفنان الكبير، ذكريات كشفت لمن لم يحتك به مباشرة أنه موسوعة حقيقية في مجالات فكرية وأدبية وفنية كثيرة اعتبروها من الأجدر أن توثق وتدرس للأجيال القادمة للإفادة و الاستفادة.. تم إذن رصد العديد من الوجوه الفنية التي نادرا ما تلتئم بهذه الكثافة و النوعية في حدث جلل .. فنانات و فنانون من قبيل ثورية جبران، خديجة أسد، عائشاه مهماه، نعيمة المشرقي ، بشرى أهريش، نعيمة الياس ، الشعيبية العذراوي، عبد القادر مطاع، عمر السيد، محمد عاطر، عبد الحق الزروالي، منى فتو، عزيز موهوب ، أمين الناجي، سعد الله عزيز وغيرهم كثير كثير.. أخذت " الاتحاد الاشتراكي" من بعضهم تصريحات التعبير عن المشاعر والأحاسيس الحزينة.. ندرجها ها هنا في هذا الخاص عن رحيل هذا فنان شامخ كان له ما قبل في مسيرة العطاء الفني الهادف النبيل..، والأكيد سيكون له ما بعده من أجل تخليده كقامة مسرحية مغربية من طينة نادرة.. n جمال الدين الناجي المدير العام للهاكا: بداية أريد أن أسجل أن الفقيد الكبير الطيب الصديقي كان يمثل جيل والده رحمه الله، الذي كان بحق يعد تحفة نادرة على مستوى التربية والأخلاق والإطلاع.. و من هذه التنشئة الأسرية ادخلنا الصديقي، نحن كمغاربة، منذ سنة1957 إلى المسرح على أساس أنه فن عالمي، ومن ضمن ذلك بعض من الجيل المسرحي الذي لم تكن له دراية بذلك، فاقتبس الصديقي العشرات من المسرحيات من الريبرتوار العالمي، وكان اعتقاد الجميع آنذاك أنه سوف يظل مستلبا بالمسرح العالمي من شكسبير، فولتير وموليير وغيرهم، فإذا به فاجأنا في وقت ما بأن كشف باننا لنا نحن أيضا لنا ذاكرة مسرحية .. فقام بإحيائها من قبيل تراث عبد الرحمان المجدوب ألخ ، ومن هذه الذاكرة والدخيرة التراثية التي نبش فيها الفقيد أفرز لنا موسيقى واغاني وفرق موسيقية ومسرح هواة جديد.... وفي كل ذلك لم تكن لديه اية رغبة في تبني هذه الأشياء، وإنما كان لديه " لسان" يقف على التربية الفنية والأخلاق وحب هذه المهنة.. ثم في جانب ما يمكن أن نطلق عليه " السجل السياسي" فالناس عليها أن تتذكر أن الفقيد الطيب الصديقي منذ سن الثامنة عشرة قام بتأسيس المسرح العمالي .. وأريد أن أضيف إذا كان الكل بفرنسا يهلل بجون فيلار الذي أسس مهرجان أفينيون الشهير، فإن الطيب الصديقي حاول أن يبصم على نفس ورقة التاسيس بمدينة الصويرة التي من بعد ستفرز فكرة مهرجان اصيلة.. الطيب الصديقي، كذلك هو العائلة. هناك الصديقي الوالد الذي كان يدفع أبناءه للإبداع والوالدة " مي زينب" كان لها دور كبير في هذا الإشعاع ، والأخ صديق الصديقي الناحت الكبير الغريب، أما سعيد الصديقي" اعزيزي" فهوالذي ربى اجيالا عديدة في المدرسة المحمدية سواء باللغة الفرنسية او العربية.. أريد ان أثير سجلا آخر في مسيرة الصديقي، ربما أن الناس يمكن أن يقرأوه سياسيا فقد أبدع في مسرحية " مدينة النحاس" التي منعت في اول عرض لها وكذا " سلطان الطلبة" ، وفي هذه المسيرة كانت لديه علاقة روحية مع عبد الصمد الكنفاوي الله برحمه كاتب " بوكتف" .. إذن يمكن أن نقول أن الصديقي قد قام بثورة ثقافية لوحده والناس كانت تعتقد أنه كان يمتهن المسرح وهو يعيش في رخاء وغيره لكنه في الحقيقة كانت لديه حرقة على بلاده لكي تتوهج وتتقدم على جميع الميادين... n الفنانة نعيمة المشرقي: هي لحظة مؤلمة نعيشها الآن مع فقد الصديقي، الله يرحمه، الرجل، الفنان، المبدع والإنسان أعطى الكثير وحقق مبادرات وإنجازات سواء داخل المغرب أو خارجه لصالح شيء اسمه المسرح المغربي. أنا ومجموعة من الزملاء تتلمذنا على يديه ، بل أجيال وأجيال من الفنانينن .. اعتقد أن هذا العطاء والمخزون الفكري و المسرحي كان وراءه إيمان قوي بالمغرب، لأنه يحب بلده . وهو من ساهم في تقديم المسرح المغرب في العديد من الدول الأجنبية. أذكر أنه في آواخر الستينيات من القرن الماضي كان لديه حلم، وقد حقق جزءا منه، وهو أن يضع جسرا للتواصل و التكامل ما بين المغرب و الجزائر و تونس في خلق فرق موحدة وأعمال مشتركة، وهو بالتالي من الفنانين المقتدرين الذين اشتغلوا على التراث المغربي في جميع مقوماته الفنية وخصوصا المسرحية.. وأعتقد أن هذه الاشياء كلها التي تركها ستتركه نجما ساطعا وحاضرا بقوة في المجال الإبداعي الثقافي المغربي. وما يمكن أن يقوله الإنسان في هاته اللحظة أن هذا الفنان العظيم سيلتحق باثنين من إخوته وهما اسمان ساطعان ، سعيد الصديقي، الصحافي، الكاتب، القلم الذهبي، الإنسان، الناقد سياسيا، ثقافيا وأدبيا.. وصديق الصديقي السينوغراف الذي قدم الشيء الكثير للمسرح المغربي و النحات الذي كان لديه حضور قوي خارج المغرب.. n مسعود بوحسين رئيس النقابة الوطنية لمحترفي المسرح: هذا اليوم الساحة المسرحية العربية و المغربية و العالمية تعرف حدادا كبيرا، لأنها فقدت شخصية مسرحية مهمة جدا ، شخصية أعادت قراءة التراث العربي و المغربي مسرحيا وإعطائه معادلات جمالية أصيلة على مستوى الخشبة .. الساحة فقدت شخصية كانت لها رؤية عميقة للمسرح العالمي، واستطاعت أن تعرضه أمام الجمهور المغربي، وفقدت مثقفا كبيرا على مستوى العربي الإسلامي وعلى المستوى العالمي. الساحة كذلك فقدت مؤسسا لمدرسة فنية كبيرة تخرج منها العديد من الفنانين الذي ما زالو مستمرين في العطاء سواء كممثلين او مخرجين .. وباختصار اليوم نفتقد شخصية من أكبر الشخصيات في الثقافة المغربية في كل الأزمنة الذي هو المرحوم الطيب الصديقي، ولا أغالي في هذا الكلام وسيبقى خالدا وأثاره وأعماله ستتحدث عنه. n الفنان محمد خيي: الطيب الصديقي لم تفقده الساحة المسرحية المغربية فقط ولكن الساحة العربية والأوروبية وخصوصا الفرنسية التي كان له بها ارتباط وثيق . فقد افتقدنا رجل فن بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، عملاق مسرحي ترك الشيء الكثير في هذا الميدان في المغرب والوطن العربي. أعتقد أن الطيب الصديقي لم يتوف فنيا، فأعماله المسرحية ستبقى خالدة وسيتحدث عنها وعن تجاربه في جميع التظاهرات و الملتقيات سواء من طرف الأجيال التي تكونت على يديه أو من تتلمذ عليها في ما بعد. فتجارب الطيب الصديقي ليست تجارب عادية، وليس كل شخص باستطاعته أن يكرر ما أنجزه على هذا المستوى أو يسير في الطريق نفسه الذي سار عليه، فقد كانت له شخصية خاص به . فأتمنى ألا يتم نسيان هذه الشخصية العظيمة التي ينبغي تكريمها بما تحمله الكلمة من معنى على الاقل عن طريق تذكر أعماله وتدريسها في معاهد المسرح لكي تطلع عليها الأجيال المقبلة التي بالتأكيد ستستفيد وتفيد من هذه الأعمال.. n الفنان محمد حسن الجند: السي الطيب الصديقي هو أكبر مما يتحدث في حقه الإنسان، لأنه معلمة من معالم المسرح المغربي التي لها بصمات سيسجلها التاريخ، وسيكون أهل الفن من جيلنا ومن الأجيال التي ستأتي.. معتزين بما تركه هذا الفنان العملاق في مجاله وميدانه ، فقد كان رجل كفاءة ورجل علم من أسرة علمية فغفر الله له ولنا.. n الفنان أحمد السنوسي (بزيز): لكل بداية نهاية، فالطيب الصديقي كسائر البشر تأتي لحظات ويموت الإنسان، ولكن الإنسان يمثل الأثر الذي سيتركه سواء كان الأثر فنيا، أو حقوقيا، أو سياسيا،... والأثر قد يكون إبداعا يخدم الإنسان وقضاياه، وقد يكون مواقف سياسية دافعت عن شعب ضد الظلم و الاستبداد.. لهذا فالطيب الصديقي هو فنان مغربي مسرحي درس المسرح وفي المسرح ومن صناع الفرجة المسرحية ، وذكر اسم المغرب في العالم بفضل عروض الطيب الصديقي المسرحية . أعتقد أن الفنان الراحل اطلع على تقنيات أسرار المسرح الحديث وأثرى بتجربته الإبداعية سواء بالنسبة للنصوص التي استوحاها من التراث المغربي ومن تلك التي استوحاها من التراث الامازيغي و العربي .. لهذا نترحم عليه ونتقدم بتعازينا إلى أسرة الطيب الصديقي الصغيرة و الكبيرة، ونتمنى من هذا الجيل أن يستمر في العمل لإعادة إشعاع المسرح لخدمة قضايا الإنسان.. n المسرحي والمخرج شفيق السحيمي: الطيب الصديقي من الشخصيات التي باستطاعتها جمع حشد كبير من الفنانين ما لا يستطيع أحد آخر أن يفعله، ولو كان وزيرا حتى.. بفعل الاحترام و التقدير الذي يكنونه له، فهو أخ كبير كان يجمعنا على الفن وهو ذو ثقافة وتكوين عال وأخلاق مثالية .. وبالنسبة لي فهو حالة خاصة، الصهر و الصديق . في هذه اللحظة لم تؤلمني وفاته، فالموت حق، ولكن ما ألمني هو تهميشه في السنوات الاخيرة، التي انمحى فيها الطيب الصديقي، وهذه جريمة كبيرة لا تغتفر ... n المسرحي عبد الرزاق البدوي: الطيب الصديقي، عميد المسرح المغربي، وعلى جميع الفنانين المغاربة أن يؤمنوا بهذا، لماذا؟ لأن دروسه ومستوى مؤلفاته المسرحية وإخراجه المسرحي وآدائه في التشخيص أشياء يقتدى بها.. وهو باختصار مدرسة لم يستفد من علومها المسرحية المغرب بل العالم العربي أيضا، إذ كثير من الاطروحات المسرحية العربية تشتغل على أعماله والعديد من الفنانين العرب أيضا ينهلون من معين أساليب أنماطه المسرحية كمسرح الحلقة والمسرح داخل المسرح.... فهو علم الكثير من الفنانين الذين أصبحوا من الكبار في المغرب .. كان يفتح ذراعية لكل الفنانين للتعلم و التكوين دون مقابل، وسبق لي أن اشتغلت إلى جانبه في ملحمة " المغرب واحد" كمساعد أول ، وكانت فرصة عظيمة لكي أستفيد من هذه الكفاءة التي قل نظيرها التي كانت تتميز عند التشخيص، بأداء فريد لا يشبه أداءنا، كانت له مدرسة خاصة به في الأداء.. n الفنان والمخرج المسرحي عبد الإله عاجل: الطيب الصديقي كان فعلا طيبا وصديقا في أفعاله وممارساته المسرحية .. أعماله ستظل شاهدة على عظمة هذا الهرم المسرحي الشامخ، والأجيال القادمة هي التي ستخلد ما قدم الطيب الصديقي، فعوض أن نواسيه في الحياة نتركه إلى الممات لكي نتعرف على قيمته الفنية .. الله يرحمك يالطيب الصديقي، ياجبل من جبال المغرب الكبير. n الفنان محمد الشوبي: الطيب الصديقي الهرم، القدوة، الثقافة في أسمى تجلياتها، الطيب هو العلم قبل الموهبة، لأنه كان يؤمن بأن الموهبة موجودة بالفعل لدى الإنسان، لكن العلم يتموقع قبلها، لماذا ؟ لأن الطيب الصديقي ذهب إلى فرنسا لكي يدرس على يد جون فيلار، ثم عاد لكي يقدم لنا المسرح، ومن ضمنه المسرح العمالي. الطيب لم يكن ذلك الإنسان الذي يريدالاحتكاك بالمتفرجين فقط ، بل لكي يقدم رسالة قوية، وهي أن المسرح أنشئ لكي يكون للناس ولأجل الناس، فأسس مسرح الناس،وهذه هي شيء في الطيب الصديقي.. فالآن نحن ندفن "مسرح الناس" وبقينا لدى أناس لا علاقة لهم بالمسرح للأسف، بقينا مجموعة من اليتامي بعد موت الطيب الصديقي.. n الفنان حسن فولان: نبأ وفاة الفنان الكبير الطيب الصديقي، نبأ جد محزن لا يمكن بسهوله استيعابه، ولو أن الموت حقيقة موجودة لا مفر منها، لكن بموته نفقد ركيزة أساسية من ركائز المسرح المغربي التي كانت لها توجهات وأثار إيجابية واضحة على المسرح العربي عموما. فقد كان الطيب الصديقي موسوعة ثقافية، إذا جلسنا إلى جانبه ونستمع إليه وكأننا نقرأ قي كتاب قيم.. ومن النادر جدا أن نعثر على هكذا فنان بهذه القيمة الكبيرة التي لا تقدر بثمن، فهو من القلة القليلة جدا . n المخرج حميد الزوغي: الفنان الطيب الصديقي ضاع فيه كل الفنانين والمغاربة عموما بمن فيهم عائلته الصغيرة. كان بالنسبة إلينا هو الأخ الكبير، والاستاذ، والمرشد والشيخ.. باختصار كنا نحن مريدين له ..فهذه الأشياء التي أشتغل عليها الآن في المجال الفني فهي من فضله تكوينه علي، فلو لم نتعلم على يديه لظللنا في نقطة الصفر. فقد فقدنا الآن هرما رفعت على قمته راية المغرب التي كان إشعاعها في مختلف الأقطار العربية والاجنبية على مستوى العمل المسرحي .. فضل هذا الرجل على هذه الأمة لا يقدر بثمن .. n عمر الدخوش ( تكدة): الطيب الصديقي فقدته الساحة الفنية المغربية، وهو فقد كبير، لأنه هرم من الأهرامات العالمية في المسرح الذي تتلمذنا على يديه ووضع أمامنا تجاربه المسرحية القيمة . فمن مسرح الطيب الصديقي تكونت مجموعة تكدة سنة 1972 وكنا وقتها تلاميذته من سنة 1968 إلى غاية 72 أي منذ مدرسة " محترف اليوم" ونحن نشتغل لديه تعلمنا منه الكثير من الأشياء والقواعد المسرحية من قبيل كيفية التحرك فوق الخشبة، اللباس، تقنيات الإضاءة وغيرها المخرج لحسن زينون: "الفن تحارب في هذه لبلاد..، والفنانة حاربهم الزمان" جلاله الملك محمد السادس لأسرة الطيب الصديقي: فقدنا أحد رواد المسرح المشهود له بالجرأة والتألق بعث الملك محمد السادس، برقية تعزية إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان الطيب الصديقي، الذي توفي يوم الجمعة عن سن تناهز 79 سنة. وحسب وكالة المغرب العربي، فقد عبر جلالة الملك، في هذه البرقية، عن عميق التأثر وبالغ الأسى لوفاة الفنان المسرحي المرحوم الطيب الصديقي .كما أعرب لأفراد أسرته ولكافة أهله وذويه ولأسرة الفقيد العزيز المسرحية والفنية الكبيرة ، ولسائر أصدقائه ومحبيه، عن أحر التعازي وصادق المواساة في فقدان أحد رواد الفن المسرحي بالمغرب، المشهود له بالتألق والابداع ، والجرأة في التجديد، وبالتعريف بالمسرح المغربي عربيا ودوليا. واستحضر الملك بكل تقدير، ما كان يتحلى به الراحل الكبير من حميد الخصال، ومن حس إبداعي رفيع ، جسده على مدى نصف قرن ، في أعمال مسرحية خالدة ، سواء ككاتب أو كمخرج أو كممثل ، حيث ظل رحمه الله، حريصا على استلهام مواضيع مسرحياته من عمق التراث الثقافي المغربي الأصيل، مما أكسبه إعجاب وتقدير جمهور واسع من عشاق فن المسرح في المغرب وفي الخارج. سيرة حياة مسرح ولد الطيب الصديقي سنة 1937 بالصويرة، وتابع بها دراسته الابتدائية، ثم رحل إلى الدارالبيضاء لمتابعة دراسته الثانوية، وبعد حصوله على شهادة الباكالوريا، شارك بالصدفة في تدريب مسرحي بالمعمورة، سنة 1954 نظمته وزارة الشبيبة والرياضة تحت إشراف الفرنسيين اندري فوازان وشارل نوك، حيث انضم إلى فرقة التمثيل المغربي التي ضمت خيرة الذين شاركوا في تلك التداريب، وقد شارك ضمنها في مهرجان باريس لمسرح الأمم عام 1956 بمسرحية «عمايل جحا « المقتبسة عن «حيل ساكابان « لموليير، ولفتت مشاركته أنظار المهتمين، وبفضل هذا الاهتمام أتيحت له فرصة المشاركة في تدريب بالمركز المسرحي لغرب فرنسا تحت إشراف هوبير جينيو، حيث عمل كمساعد للمكلف بالمحافظة العامة بالمسرح الوطني الشعبي لجان فيلار من فاتح فبراير إلى 31 مارس 1957 . بدأ الطيب الصديقي ممثلا، ثم اقتبس بعض المسرحيات العالمية، وقام بإخراجها قبل أن يؤلف مسرحيات تستمد مواضيعها من التراث أو من التاريخ، سواء بالاشتراك مع مؤلفين آخرين، أو بمفرده . بدأ الطيب الصديقي ممثلا بفرقة التمثيل المغربي، التي ستسمى فيما بعد فرقة المركز المغربي للأبحاث المسرحية، وبطلب من نقابة الاتحاد المغربي للشغل، إثر عودته من فرنسا كون فرقة «المسرح العمالي « سنة 1957 بالدارالبيضاء، حيث قدمت في موسمها الأول مسرحية «الوارث» من اقتباس أحمد الطيب العلج في نونبر 1957، ثم مسرحية « بين يوم وليلة « لتوفيق الحكيم، ثم مسرحية « المفتش « وهي مقتبسة عن غوغول في مارس 1958 بمناسبة الذكرى الثالثة لتأسيس الاتحاد المغربي للشغل، وفي شتنبر 1959 قدم مسرحية «الجنس اللطيف» من اقتباسه عن «برلمان النساء» لأريستو فان، وكانت هذه آخر مسرحية قدمتها الفرقة، بعد أن أتاح للعمال الاطلاع على روائع المسرح الأوربي من خلال اقتباس الأعمال العالمية .وأثناء انشغال الطيب الصديقي بالمسرح العمالي، استمر بشكل عرضي، داخل «فرقة التمثيل المغربي»، حيث شارك في مسرحية «مريض خاطرو» التي مثلت المغرب رسميا في مهرجان الأممبباريس سنة 1958 . وبعد التوقف النهائي لتجربة المسرح العمالي، عاد إلى فرنسا ليتمم تكوينه التقني، ثم التحق بعد ذلك بمصالح وزارة الشبيبة والرياضة، واقتبس وأخرج لها مسرحية «فولبون « لبن جونسون سنة 1960. وقد حاول بعد ذلك الابتعاد عن فرقة المركز المغربي للأبحاث المسرحية .. وفي بداية موسم 60-61 طلب مدير المسرح البلدي بالدارالبيضاء روجي سيليسي من الطيب الصديقي أن ينشئ فرقة تتخذ من المسرح البلدي مقرا لها، وهكذا أصبحت تحمل اسم «فرقة المسرح البلدي» ، حيث قدمت في موسمها الأول مسرحية «الحسناء» التي اقتبسها الصديقي عن «أسطورة ليدي كوديفا» لجان كانول، ثم «رحلة شونغ لي» لساشا كيتري، ف «مولاة الفندق» المقتبسة عن «اللوكانديرة» لكولدوني، وبعد ذلك مسرحية «محجوبة» المقتبسة عن «مدرسة النساء» لموليير، كما أن هذه الفرقة أعادت مسرحية «الوارث» التي قدمها المسرح العمالي . ومن روائع المسرح الطليعي قدمت الفرقة خلال موسم 61 - 62 مسرحية «في انتظار مبروك» التي اقتبسها الصديقي عن مسرحية «في انتظار غودو» لبيكيت، قبل أن يضع حدا لنشاطه في المسرح البلدي في مارس 1962 . وفي سنة 1963 أنشأ الصديقي فرقة تحمل اسمه، واستقر في إحدى القاعات السينمائية (سينما الكواكب) في أحد الأحياء الشعبية بالدارالبيضاء، حيث قام بإخراج مسرحية مقتبسة عن «لعبة الحب والمصادفة» للكاتب الفرنسي ماريفو . وفي فبراير 1964 قام الصديقي بإعداد وتقديم مسرحية «حميد وحماد» لعبد الله شقرون، ليعود مرة أخرى إلى الاقتباس من خلال مسرحية «مومو بوخرصة» المقتبسة عن «اميدي أو كيف نتخلص منه ؟ « لأوجين يونسكو.. لقد لجأ الصديقي للاقتباس لغياب النصوص، لأن المسرح المغربي لم يرسخ تقاليد مسرحية بعد في تلك الفترة، ونظرا لكونه يحسن اللغة الفرنسية، ما أهله للاطلاع على النصوص الفرنسية والمسرحيات المترجمة إلى الفرنسية . وفي بداية سنة 1965 سيتم تعيينه مديرا للمسرح البلدي بالدارالبيضاء، لتعود فرقته إلى حمل اسمها السابق «فرقة المسرح البلدي»، وفي هذه المرحلة سيوقع على أعمال هامة، ابتدأت بمسرحية تراثية تستلهم فرجة شعبية مغربية وهي ظاهرة سلطان الطلبة التي عرفتها مدينة فاس، أثناء حكم السلطان العلوي مولاي الرشيد (1666 - 1672)، وقد قدمت مسرحية « سلطان الطلبة « من تأليف عبد الصمد الكنفاوي بالاشتراك مع الصديقي في موسم 65 - 66، كما ستعرف بداية سنة 1966 تقديم أول مرة مسرحية من تأليفه وهي «في الطريق» التي سيحولها هو نفسه إلى فيلم سينمائي بعنوان «الزفت»، وهي مسرحية اجتماعية، تعالج ظاهرة الأولياء، وفي نفس الموسم قدم مسرحية «مدينة النحاس» من تأليف أخيه محمد السعيد الصديقي، وهي مسرحية اجتماعية أيضا.. اهتم الطيب الصديقي بالتاريخ ومسرح أحداثا عظيمة وحياة شخصيات مشهورة، وهكذا جسد أطوار واقعة «وادي المخازن» في مسرحية «معركة الملوك الثلاثة»، كما قدم في نفس الإطار، صيف 1965 مسرحية تاريخية بعنوان «المغرب واحد» بميدان لمصارعة الثيران بالدارالبيضاء، كما قدم مسرحية «المولى إسماعيل «.وبعد ذلك قدم مسرحية «مولاي إدريس» من تأليف أحمد عبد السلام البقالي، في مارس 1974 بمناسبة عيد العرش، كما قدم «تاريخ مدينة» . انطلاقا من سنة 1967 سيسعى الصديقي إلى توظيف التراث، فقدم رائعته «ديوان سيدي عبد الرحمان المجذوب» وهي مسرحية تتعرض لحياة وأزجال شاعر شعبي هو الشيخ عبد الرحمان المجذوب (1503- 1569)، ثم قدم مسرحية «الحراز» التي تستلهم أدب الملحون الذي يعتبر أحد الأنماط الغنائية الشعبية، في بنائها الدرامي كمادة لها صلة عميقة بالوجدان الشعبي المغربي. وفي أكتوبر 1971 قدم مسرحية «مقامات بديع الزمان الهمداني».. ثم واصل اعتماده على التراث من خلال مسرحية «كان يا ما كان» تأليف محمد السعيد الصديقي ، ثم قدم رائعة أخرى معتمدة على التراث العربي الإسلامي ، سنة 1976 وهي «الغفران» عن «رسالة الغفران « للمعري، كتبها الكاتب التونسي عز الدين المدني . وبعد ذلك عاد إلى التراث مرة أخرى من خلال تقديمه «الإمتاع والمؤانسة» عن حياة أبى حيان التوحيدي.. وبعد فترة توقف، عاد إلى تجاربه، من خلال الاعتماد على فرجة البساط التي ظهرت في بداية القرن الماضي، وترتكز على (التنكر الكرنفالي، كما تقوم على نصوص مخططة سابقا وعلى فعل الارتجال والحركة والغناء) . وقد قدم الصديقي في إطار هذا الفن مسرحيات : «الفيل والسراويل» سنة 1997 ، «ولو كانت فولة»، «جنان الشيبة»، «المطعم البلدي» «الشامات السبع»، «قفطان الحب»، «السحور « ...