فقد المسرح المغربي، مساءالجمعة بالدارالبيضاء، رائده الفنان الطيب الصديقي عن سن يناهز 79 سنة، بعد مرض عضال ألزمه الفراش، وبعد حياة مليئة بالشغف بأب الفنون والإبداع فيه، تشخيصا وإخراجا وكتابة وتكوينا لأجيال من المسرحيين. وتجاوز صيت الطيب الصديقي، الذي رأى النور في بيت علم بمدينة الصويرة عام 1937، أرض وطنه المغرب إلى البلاد العربية جمعاء من خلال أعمال تستلهم التراث العربي منها بالخصوص "مقامات بديع الزمان الهمداني"، وإلى بلدان أخرى بعد تشخيصه أدوارا في عدد من الأفلام الأوروبية والعالمية، منها فيلم "الرسالة" للمخرج مصطفى العقاد. وشكل الفنان الراحل، الذي تولى منصب مدير فني للمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط ثم مديرا للمسرح البلدي بالدارالبيضاء (1965-1977)، مدرسة فنية كاملة الأركان، إذ تخرج على يديه فنانون عديدون أغنوا المشهد المسرحي والغنائي المغربي بإبداعاتهم، إذ من تجربته الثرية تخرجت، على سبيل المثال، فرق ناس الغيوان وجيل جيلالة وتكادة وغيرها. من أشهر أعمال الطيب الصديقي المسرحية "ديوان سيدي عبد الرحمان المجذوب"، و"مولاي إدريس"، و"عزيزي" التي كانت آخر عمل درامي قدمه عام 2005 قبل أن يقعده المرض. ترجم الطيب الصديقي واقتبس أكثر من ثلاثين عملا دراميا، وكتب أكثر من ثلاثين نصا مسرحيا باللغتين العربية والفرنسية، وأخرج العديد من الأعمال المسرحية والسينمائية والأشرطة الوثائقية، اهتم بالفن التشكيلي، وساهم في تأليف كتاب حول الفنون التقليدية في الهندسة المعمارية الإسلامية. يذكر بأن الصديقي بدأ مساره الفني ممثلا بفرقة التمثيل المغربي، التي سميت يعد ذلك "فرقة المركز المغربي للأبحاث المسرحية"، وبعد عودته من فرنسا ، الذي حصل فيها على الإجازة في الآداب وتلقى دورات تكوينية مسرحية، أسس فرقة "المسرح العمالي" سنة 1957 بمدينة الدارالبيضاء، وذلك بطلب من نقابة "الاتحاد المغربي للشغل". وبالفعل، قدمت الفرقة في موسمها الأول مسرحية "الوارث" عام 1957، ثم مسرحية "بين يوم وليلة" لتوفيق الحكيم، فمسرحية "المفتش" عام 1958، وفي سنة 1959 قدم مسرحية "الجنس اللطيف" المقتبسة عن أريستو فان. وضمن "فرقة التمثيل المغربي"، شارك في مسرحية "مريض خاطرو" التي مثلت المغرب رسميا في مهرجان الأمم بباريس عام 1958. وأنشأ في بداية موسم 1960-1961، بطلب من مدير المسرح البلدي بالدارالبيضاء، روجي سيليسي، فرقة أصبحت تحمل اسم "فرقة المسرح البلدي"، قدمت في موسمها الأول مسرحية "الحسناء" التي اقتبسها الصديقي عن "أسطورة ليدي كوديفا" لجان كانول، ثم "رحلة شونغ لي" لساشا غيتري، و"مولاة الفندق" المقتبسة عن"اللوكانديرة" لكولدوني. وأعادت الفرقة أداء مسرحية "الوارث" التي قدمها المسرح العمالي، قبل أن يضع حدا لنشاطه في المسرح البلدي في مارس 1962، وينشئ فرقة تحمل اسمه في العام الموالي. استقر في إحدى القاعات السينمائية (سينما الكواكب) في أحد الأحياء الشعبية بالدارالبيضاء، وبها قام بإخراج مسرحية مقتبسة عن "لعبة الحب والمصادفة" للكاتب الفرنسي ماريفو. ألف عام 1966 أول مسرحية "في الطريق" التي سيحولها هو نفسه إلى فيلم سينمائي بعنوان "الزفت"، وهي مسرحية اجتماعية، تعالج ظاهرة الأولياء (الأضرحة)، وفي نفس الموسم، قدم مسرحية "مدينة النحاس". حصل الطيب الصديقي على عدة أوسمة، منها وسام العرش عام 2008، وتم تكريمه في محطات عديدة داخل المغرب وخارجه.