شهدت تونس يوم الاثنين 7 مارس أعمال عنف غير مسبوقة تسببت بمقتل 68 شخصا بين من يسميهم البعض وخاصة الإعلام الغربي جهاديين وعناصر أمن ومدنيين، بعدما هاجمت مجموعات ارهابية فجرا ثكنة عسكرية ومركزيْ أمن بمدينة بن قردان الحدودية مع ليبيا والتي يقطنها نحو 60 ألف شخص. وذكرت وزارتا الداخلية والدفاع في بيان مشترك أن قوات الأمن والجيش قتلت 49 إرهابيا وألقت القبض على 7 آخرين، وتابعتا أن المواجهات أسفرت أيضا عن استشهاد 6 من عناصر الدرك و3 شرطيين، وعسكري واحد، وعنصر جمارك واحد، و7 مدنيين، وإصابة 5 عناصر أمن و7 عسكريين و3 مدنيين. وفي تعليقه على الهجوم قال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في تصريح نقله التلفزيون الرسمي "هذا هجوم غير مسبوق ومنظم ومنسق، وكانوا يقصدون منه، ربما السيطرة على الأوضاع في هذه المنطقة والإعلان عن ولاية جديدة". وأضاف ان عناصر قوات الأمن والجيش "كانوا يترقبون عملية مثل هذه، ربما ليس بمثل هذه الأهمية لكنهم كانوا يترقبونها". وذكر أن المواطنين "الآن في حالة حرب ضد هذه الهمجية والجرذان الذين سنقضي عليهم (...) نهائيا". وكان الرئيس التونسي قد صرح قبل ذلك ويوم الأربعاء 2 مارس بعد قيام وحدات مشتركة من الجيش والأمن بقتل خمسة مسلحين برشاشات كلاشنيكوف، تسللوا من ليبيا، ان "تواصل تدهور الأوضاع في ليبيا يمثل تهديدا مباشرا لتونس التي تعد أكثر البلدان عرضة لتداعيات الأزمة في هذا البلد". في الأيام التالية تواصلت عمليات مطاردة المجموعات المسلحة ويوم الأحد 13 مارس ذكرت إذاعة "موزاييك اف ام" التونسية أن تبادلا لإطلاق النار جري بين الفرقة الوطنية لمكافحة الإرهاب ومجموعة إرهابية تتحصن في منزل وسط مدينة بن قردان. خبراء عسكريون أشاروا إلى أن حجم هجوم يوم الاثنين 7 مارس لم يسبق له مثيل في تونس.. فالمقاتلين كانوا منظمين تنظيما جيدا في مجموعات تحاصر المقرات الأمنية والعسكرية وأخرى توزع الأسلحة لعناصرهم من سيارة متنقلة في المدينة التي يعرفون أرجائها بشكل جيد. وصرح صبري بن صالح وهو أحد سكان المدينة لرويترز "الإرهابيون من بن قردان. نحن نعرف ملامحهم. كانوا يعرفون بيت رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الذي قتلوه أمام بيته. وقال شاهد آخر اسمه حسن طابي لرويترز "عندما خرجنا الفجر اعترضنا إرهابيون يحملون أسلحة كلاشينكوف في مفترق الطريق وقالوا لنا: لا تخافوا لن نستهدفكم نحن تنظيم الدولة". الخلايا النائمة يوم الأحد 13 مارس ذكرت صحيفة الشروق التونسية إنه وبعد حجز حاسوب عنصر إرهابي من ضمن العناصر الذين نفذوا الهجوم المسلح على مدينة بن قردان عثر على وثيقة سرية تبين التركيبة التي كان تنظيم "داعش" يخطط لها في المنطقة. وحسب مصدر أمني فإن هذه الوثيقة تضمنت أسماء القيادات الإرهابية التي كانت تخطط للسيطرة على المدينة التابعة لمحافظة مدنين وقد عين التنظيم أميرا على "الإمارة" وهو شاب تونسي يلقب ب"أبي محمد" 30 عاما كما عين 3 مساعدين له. وخطط التنظيم أيضا لاستهداف منازل وحدات من الأمن والجيش التونسيين بهدف اغتيالهم، وقال المصدر الأمني إن التنظيم وضع قائمة بأسماء الأمنيين. وفي شمال غرب تونس، أوقفت القوات الأمنية في مركز العبور ملولة داخل منطقة طبرقة جزائريا اجتاز الحدود خلسة. وقالت مصادر أمنية إنه وأثناء التحقيق معه أفاد بأنه قدم من منطقة عين مليلة الجزائرية ودخل التراب التونسي للالتحاق ببن قردان من أجل "الجهاد". وأفادت صحيفة الشروق نقلا عن مصدر أمني لم تسمه إن من بين المهاجمين في عملية يوم الإثنين 7 مارس عشر نساء أربعة منهن شاركن في عمليات إطلاق النار على الأمنيين والأخريات تولين مهمة التنسيق بين المجموعات الإرهابية التابعة لتنظيم داعش وبث معلومات عن مراحل المخطط وساعة التنفيذ وموعد تسليم الأسلحة. وبحسب المصدر ذاته فإن ثلاثة أرباع عناصر المجموعات خلايا نائمة بينما تسلل الآخرون من ليبيا عبر مسالك صحراوية وأخرى وعرة وتم ايواؤهم في منازل تابعة للخلايا النائمة التي قامت بدورها بتوفير الدعم اللوجستي لهم وبمراقبة الأمنيين في المدينة. وأوضح المصدر الأمني بحسب الصحيفة أنه تم اكتشاف مشاركة الارهابيات العشرة في الهجمات بعد أن تمكنت قوات الأمن من اعتقال اثنتين منهن. وكشف المصدر أن خمس قيادات بارزة في التنظيم المتطرف تولت في البداية تدريب العناصر التي شاركت لاحقا في الاعتداءات ومن ثمة قيادة الهجمات وتنسيقها وأن من بينهم ثلاثة تونسيون قدموا خصيصا من سورياوالعراق وليبيا لتنفيذ المخطط . وأشار إلى أن من بين المشاركين في الاعتداءات الارهابية إلى جانب الارهابيين التونسيين جنسيات من ليبيا والجزائر وأن نحو 150 من العناصر الارهابية من الخلايا النائمة بينما تسلل 50 من ليبيا. وكانت وزيرة المرأة التونسية سميرة مرعي قالت وفي وقت سابق إن تنظيم داعش جند 700 فتاة تونسية التحقن بمعاقله في سورياوالعراق وليبيا. ومنذ العام 2014 يركز التنظيم المتطرف على استقطاب النساء في صفوفه خاصة منهن المتخصصات في علوم الكيمياء والفيزياء للتدرب على استخدام المتفجرات ومختلف أنواع الأسلحة. وتظهر قراءات أن تجنيد التونسيات من قبل الخلايا الجهادية أخذت خلال عامي 2014 و2015 نسقا تصاعديا تزامنا مع تمدد تنظيم داعش إلى ليبيا. وفي أكتوبر 2015 فككت الأجهزة الأمنية التونسية أول خلية نسائية تضم 5 جهاديات ينشطن في مناطق الجنوب وتتولى تجنيد الفتيات وتسفيرهن إلى بؤر التوتر. وتعتبر تلك الخلية الجناح الإعلامي لتنظيمي أنصار الشريعة وكتيبة عقبة بن نافع وكانت تشرف عليه طالبة متخصصة في الطب تدعى فاطمة الزواغي التي لا يتجاوز عمرها 20 سنة. وبعد عشرة ايام من تفكيك الجناح الإعلامي لأنصار الشريعة شاركت 5 ارهابيات في هجوم تبنته كتيبة عقبة بن نافع. وفككت الأجهزة الأمنية خلال العام 2015 أكثر من 50 خلية تابعة لتنظيم داعش تضم في صفوفها العديد من النساء. وبحسب السلطات التونسية فإن التونسيين الذين نفذوا في 2015 ثلاث هجمات دامية بتونس تبناها تنظيم داعش، تلقوا تدريبات في معسكرات جهاديين بليبيا. واسفرت تلك الهجمات عن مقتل 59 سائحا أجنبيا و13 عنصر أمن وكبدت تونس خسائر اقتصادية كبيرة بعدما أسفرت عن شل جزء كبير من السياحة الأجنبية. وتقول مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة حول استخدام المرتزقة ان أكثر من 5500 تونسي غالبيتهم تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما التحقوا بالجهاديين في الخارج لاسيما في سورياوالعراق وليبيا. وأضافت المجموعة ان هذا العدد هو "ضمن الأكبر بين الذين يتوجهون إلى الخارج للمشاركة في نزاعات". بعد ثلاثة أيام على الموجة الرئيسية للهجوم الإرهابي، أعلن تنظيم "الدولة الاسلامية" يوم الخميس 10 مارس تبنيه ما أسماه هجوم "غزوة بن قردان". وبالرغم من تكبد التنظيم خسائر فادحة في العتاد والأرواح، إلا أن مؤسسة "البتار" الفرع الإعلامي لتنظيم داعش أصدرت بيانا جاء فيه إن هذه الأحداث هي "معركة العقيدة" التي أكدت أنها بداية الحرب التي لا هوادة فيها وأنها تمثل جزءا يسيرا من فاتورة تنتظر تونس، متوعدا الجنود التونسيين الذين وقفوا ضدهم وتصدوا للهجمات. وخصص الجزء الأكبر من البيان بالتوجه إلى الجيش والأمن، حيث تمت دعوتهم إلى "التوبة"، بحسب ما ورد في البيان. تمدد الفوضى الليبية جاء يوم 8 مارس في تقرير لوكالة فرانس برس: "تمثل الهجمات الجهادية الدامية في مدينة بن قردان امتدادا للفوضى الليبية نحو هذه المنطقة الحدودية، وتعكس ما تواجهه تونس من صعوبات في تأمين حدودها البرية الطويلة مع جارتها والبالغة حوالي 500 كيلومتر. ويرى المحلل الرئيسي لشؤون تونس في "مجموعة الأزمات الدولية" مايكل العياري ان هجمات بن قردان تعكس "توسع منطقة الصراع المسلح الذي اقتصر حتى الآن على ليبيا". ويلفت إلى أن جهاديين من تنظيم داعش "يعتقدون ان بن قردان يمكن ان تكون مركزا استراتيجيا لمنطقة "محررة" تشمل الجنوب الشرقي التونسي ومنطقة طرابلس" العاصمة الليبية. ويربط محللون بين الهجمات الاخيرة في بن قردان وقصف جوي أمريكي استهدف في 19 فبراير 2016 مقرا لتنظيم داعش في صبراتة في غرب ليبيا التي تبعد نحو 100 كلم عن الحدود التونسية. وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في حينها أن الغارة الجوية حالت دون وقوع هجوم كان التنظيم الجهادي يعد على الأرجح لتنفيذه في تونس وقتلت قياديا تونسيا. بعض المحللين أثاروا شكوكا بشأن التصريحات الأمريكية، مشيرين إلى أن واشنطن أطلقت بينات مماثلة منذ سبتمبر 2014 عندما بدأت عمليات قصف داعش في العراقوسوريا ضمن ما سمته تحالفا يضم 60 دولة، غير أنه ورغم ذلك توسع التنظيم الإرهابي وهاجم مناطق جديدة وسيطر عليها. ويشار إلى أنه بعد خمسة ايام من الغارة الأمريكية في صبراتة، احتل نحو 200 جهادي لساعات وسط هذه المدينة قبل أن تطردهم منها مجموعات مسلحة. ويقول الباحث في مركز كارنيغي حمزة المؤدب "بعد القصف الأمريكي في صبراتة، قال عدد من الجهاديين المصابين أن الدولة الإسلامية تريد الانتقام بشن هجمات في تونس، وتحدثت تقارير عن تحركات مشبوهة على الحدود". ولم يستبعد الصحافي الفرنسي المتخصص في الشبكات الجهادية ديفيد طومسون ان تكون هجمات بن قردان "عملا انتقاميا لتونسيي صبراتة"، لكنه لم يستبعد أيضا أن يكون مخططا لها قبل ذلك، لأن تنفيذ مثل هذه الهجمات يحتاج إلى "أسابيع أو أشهر من التحضير". ورجح كل من حمزة المؤدب وديفيد طومسون وجود "خلايا نائمة في تونس" شاركت في تنفيذ هجمات بن قردان. ويقول ديفيد طومسون "عاد بعض المسلحين الذين قاتلوا في العراقوسوريا إلى تونس وحلقوا لحاهم وإختبأوا. وإن أضفنا إليهم آخرين ما زالوا يجتازون المعابر الحدودية دون أن يتم رصدهم، فهذا يجعل مسألة تعزيز أمن الحدود أمرا غير فعال". ويبدو انه من المستحيل على السلطات أن تغلق الحدود بشكل دائم لأن جنوبتونس يعيش منذ عقود على التجارة غير الرسمية والتهريب مع ليبيا. وبحسب البنك الدولي، فإن التهريب والتجارة غير الرسمية يمثلان "أكثر من نصف المبادلات التونسية مع ليبيا" وأن 328 ألف طن من السلع المهربة تمر سنويا من معبر رأس الجدير قرب بن قردان. واعلن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير الاثنين "إنه أمر ملح لكل المنطقة (..) الا يجد تنظيم داعش بعد اليوم قاعدة خلفية آمنة" في ليبيا، داعيا إلى التركيز على تعزيز أمن الحدود التونسية. وفي 29 فبراير، اعلن وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون ان بلاده سترسل فريقا تدريبيا من نحو 20 جنديا إلى تونس للمساعدة على الحد من دخول الأشخاص بشكل غير قانوني من ليبيا المجاورة. وفي أكتوبر 2015، وعدت فرنسا بتعزيز التعاون مع تونس في مجال المكافحة المشتركة للارهاب، مع اعطاء اولوية للاستخبارات التي تعتبرها تونس "عصب الحرب". ويقول المحلل جوف بورتر المختص في الأزمات في شمال أفريقيا "وقوع معركة بن قردان على بعد 20 كيلومترا من الحدود مع ليبيا، دليل على أن تنظيم الدولة له خلايا في كل مكان. ولكن ماذا يمكن لهذه الخلايا أن تقوم به وكيفية توجيهها من قيادة الدولة الإسلامية في سرت أمر غير معروف". الأمر الذي يعترف به البعض هي أن هجمات بن قردان تشكل نقلة نوعية في المخططات الإرهابية التي لا تمس تونس وحدها بل كل الشمال الأفريقي من البحر الأحمر شرقا حتى المحيط الأطلسي غربا وكذلك منطقة الساحل، وهي جزء صغير من قمة جبل الجليد العائم الذي يتبلور في أحشائه فصل من مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضعه المحافظون الجدد والقاضي بإعادة رسم حدود دول المنطقة على أسس طائفية وعرقية ودينية ومناطقية بهدف صناعة ما بين 54 و 56 دولة جديدة متنازعة مما يفتح أبواب المنطقة على مصراعيها للإستعمار ولتأمين الكيان الصهيوني. التعثر الذي واجهته مخططات الفوضى الخلاقة في بلاد الشام بعد التدخل العسكري الروسي، وإنحسار أو تقلص نفوذ ما يسمى في الغرب بتنظيمات الإسلام السياسي، جعل القوى الأجنبية التي تريد إعادة هيكلة المنطقة تنقل ثقلها نحو الشمال الأفريقي في إنتظار تطورات المستقبل وعلى أمل ان تكلل مشاريعها بفرص نجاح أفضل. الحرب في بداياتها كتب نبيل نايلي الباحث في الفكر الإستراتيجي، بجامعة باريس: "صرح رئيس الحكومة التونسية، الحبيب الصيد إن معركة بن قردان التي ربحتها تونس كانت درسا قاسيا جدا للإرهابيين، وسيكون لها انعكاس سيء جدا على الحالمين بإنشاء إمارة داعشية في بن قردان". حالة الانتشاء ب"النصر المؤزر" التي رافقت تصدي الجيش التونسي الباسل للعملية الارهابية التي استهدفت مدينة بن قردان التونسية الحدودية مع ليبيا، وإن كانت مطلوبة ومحمودة شعبيا، دعما لوحدة وطنية في مواجهة الخطر الداهم، يجب، وبعجالة شديدة، أن يصحو منها "صانعو القرار" والقائمون على البلاد، لتحل محلها حالة استنفار وتأهب قصوى، استعدادا للمهام الجسام التي تنتظرنا في الأيام القادمة لحظة استعادة التنظيم والماسكين بلوحة التحكم فيه، توازنهم وفق قراءة جديدة للوضع التونسي من حيث جاهزية قوات الجيش والمؤسسات الإستخبارية والأمنية، وتعاطي الأهالي. كلا، لا يجانب رئيس الوزراء التونسي، السيد الحبيب الصيد، الصواب حين أعلن: "أن تونس ربحت هذه المعركة رغم الخسائر الكبيرة ولكن الحرب طويلة. "نعم ستكون المعركة طويلة وتستغرق من الوقت والجهد والتضحيات الجسام، بقدر العمر الذي سيمنح للجماعات المتطرفة في مشرق ومغرب هذا الوطن، وتحقيق أو تسفيه الغايات التي من أجلها أخرجوه من قمقمه! من اعتزام اختراق الحدود إلى العمق التونسي، وإقامة إمارة "إسلامية" لكيان أرادوه عابرا لحدود سايكس بيكو القديمة يهشون بهم على مصالحهم الإستراتيجية، وللقارات ما دام لهم فيه المآرب الأخرى.. كيان سلموه امكانيات وموارد عسكرية ولوجستية منعوها عن الدول والجيوش المراد تحطيمها، وسمحوا له حتى الآن بافتتاح أكثر من 20 فرعا في مختلف مناطق الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، فضلا عن الآلاف من "إنغماسييه" و"خلاياه النائمة" و"فرق إسناده" و"ذئابه المنفردة"، من وقود حطب "الجيل الرابع من الحروب" الذين تمرسوا بخبرة القتال والذبح في سوريا وجندوا عقائديا وبرمجوا ذهنيا ليصبحوا أدوات ل"إسقاط حكومات الكفر والطاغوت" في المغرب الإسلامي، بعد أن استكملوا مهمات التدمير شرقا! يعيد الأصيل الوكيل أخيرا وعبر نفس الطريق التي كان ولا يزال القاسي والداني يعرف من يؤمنه منذ مغادرة تونس باتجاه ليبيا وسوريا وكل بؤر التوتر، من "الفتاوى الشرعية" تحت الطلب، فالتواطؤ السياسي وعلى لسان برلمانيين و"زعماء" سياسيين، إلى تأمين بطاقات السفر، ورحلات "مواعدة حور العين"! يعادون اليوم إلى ليبيا لاستكمال رسم خرائط الجنرال الأمريكي "رالف بيترز، ذات "حدود الدم"، معززين بالعتاد والدعم اللوجستي وتحيينات المواقع العسكرية يمدهم بها، من نعقد معه الأحلاف الاستخباراتية والعسكرية ومن ننتظر مؤازرته في مسرح عبث شيزوفريني، هؤلاء الذين يعودون لنا غزاة في ثوب "رجال إطفاء"!. إن الإصرار على تحويل ليبيا إلى الدولة الفاشلة، وهم من تركوا مستودعات أسلحتها مشرعة لمن هب ودب، وتفكيكهم منهجيا لمؤسسات الدولة الليبية، المؤسسة تلو الأخرى، في استنساخ للنموذج العراقي، وسماحهم للميليشيات المسلحة بالتكاثر كالفطر السام، بغية الإستيلاء على مقدرات ليبيا بعد إغراقها في الفوضى، وإنهاك جميع الأطراف، من خلال إدارة الحروب والمآزق المستدامة، إدارتها لا حلها، يعلم جيدا مضاعفات ذلك على الإستقرار الإقليمي في غرب هذا الوطن المستباح، سياسيا وعسكريا وأمنيا!. تماما كما قدر حجم ومضاعفات أولى العمليات التجريبية، وجس النبض في مدينة بن قردان. البيئة الحاضنة من وفر البيئة الحاضنة لتنظيم داعش في الرقة، والموصل وسيناء ودرنة، من أمريكيين وغربيين وأتراك و"ممولين عرب"، لا نستثني ولا نفاضل، ومن يعرضون علينا خدماتهم، في مقايضة القسمة الضيرى، غير معنيين تماما باستقرار تونس والمغرب العربي، ولو تصدوا فعلا لتنظيم داعش لكنا رأينا نجاحاتهم في العراق الذي دمر أو في سوريا التي بصدد التدمير!. بإمكانات الجيش الوطني، المحدودة، وبعقيدته الصلبة، أظهر بواسل القوات المسلحة كفاءة عالية في التصدي لمسلحي التنظيم الذين استهدفوا بن قردان، وبجبهة داخلية سفهت ما كان يسوق له بعض "خبراء" الأزمات، من أن الجنوبالتونسي، الذي خذل بعضهم انتخابيا، يشكل "الخاصرة الرخوة"، و"مشروع حاضنة" لهكذا جماعات، استطاعت بن قردان أن تكسب جولة من حرب ضروس لا تزال في بداياتها، لذلك وجب التحسب والفطنة والإستشراف الجيد لما سيقدم عليه التنظيم من لاحق الجولات!. ارتدادات تسونامي عملية بن قردان الإرهابية المستمرة، والخسائر الجسيمة في الأرواح والعتاد التي تكبّدها التنظيم، ستعقبها عمليات ومحاولات اختراق سواء من بن قردان أو غيرها، خصوصا أن القائمين على التنظيم يسعون إلى الانتقال إلى فروع جديدة. آن الأوان لمراجعة عميقة وفك الارتباط بهذه الأحلاف والمعاهدات التي أبرمت في ظل حكومات "الإنفصام الثوري"، وحكومات "جائزة نوبل للسلام" باستحقاقات التزكية المسمومة، إلى التحالف الدولي ل"مكافحة الإرهاب"، وانخراط في ما سمي زورا التحالف لمكافحة الإرهاب، ليتسنى لنا اعتماد استراتيجية وطنية لا وصاية فيها لأصحاب الأجندات الخارجية التي لا يهمها كثيرا أمن تونس واستقرارها ما دام مخطط إفشال دول المغرب العربي وإغراقها في "فوضاهم الخلاقة" هو الهدف. لنستمر في إصرارنا على معارضة تدخل الولاياتالمتحدة وحلف شمال الأطلسي العسكري في ليبيا، وبشدة، لأن عواقب ذلك هي نفس عواقب تدخلهم في المشرق العربي، حيث سنقف، بمجرد تدويل قضايانا، عاجزين تائهين على رقعة شطرنج لعبة الأمم الكبرى، بما يعنيه من مزيد من التدمير الممنهج، والحيلولة دون أبسط حل سياسي، تماشيا مع إستراتيجية هنري كيسينغر، القاضية ب"هزيمة الطرفين"! أو التدخل ولكن بالقدر الذي يعزز الحرب الأهلية على ألا يغير ديناميكيتها، إمعانا في تدمير ليبيا كما دمر العراق وتفكك سوريا، وتحطيما لما تبقّى من جيوش العرب، تمهيدا لإعادة رسم خرائط سايكس بيكو الجديدة، بأرخبيلات المذهبية وبانتستونات الطائفية.. المناخ الأنسب لاستمرار الكيان الصهيوني. لكم في فك شفرة ورسائل توصيف وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني للوضع في ليبيا التي قال إن "عدد مسلحي فرعها يقدر في الوقت الراهن ب 5 آلاف". جينتيلوني الذي شدد على أن التنظيم "بدأ في ترسيخ أقدامه في ليبيا"، محذرا من أن مسلحيه "يتمتعون بالقدرة على تنفيذ عمليات توغل خطيرة في الغرب كما في الشرق"، ليخلص إلى أن بلاده "لن تنجر إلى حملات عسكرية عديمة الجدوى بل وحتى خطيرة على أمن إيطاليا القومي في "بلد به أكثر من 200 ألف مسلح ينتمون إلى جماعات وجيوش متعددة". لندرك جيدا حجم وقدرات وطبيعة العدو الذي نحارب ومن يقف وراءه. "الباقي والمتمدد"، بإذن ومؤازرة من يقفون وراءه. ولنعول على إمكاناتنا الذاتية والإقليمية مع أشقائنا المعنيين بمحاربة هذه الجماعات، والمكتوين بنيرانها، لتكوين وبعجالة هياكل عسكرية وأمنية واستخباراتية مشتركة تتولى التصدي فعليا لأدوات حروب الجيل الرابع دون أجندات خارجية، أمريكية كانت أم فرنسية، لا يعنيها غير مقدرات هذه الأمة الثكلى.. حينها وحينها فقط يمكننا أن ننتشي ونعلن أننا جديرين بوصف "الإستثناء". تكرار المؤامرة يوم 9 مارس 2016 وقبل 48 ساعة من تصريحات الرئيس الأمريكي أوباما التي إعترف فيها بخطأ تدخل حلف الناتو في ليبيا والتي تضمنت كذلك رسائل ملغومة لعدد من الأطراف العربية، كتب المحلل والكاتب عبد الباري عطوان تعليقا على إشادة وزيرة خارجية واشنطن السابقة ومرشحة الحزب الديمقراطي الأمريكي للرئاسة بعملية تدمير ليبيا: "بعد ما يقرب من الخمس سنوات من التدخل العسكري الغربي الذي أطاح بنظام الحكم في ليبيا، وتزايد حالة الفوضى وعدم الاهتمام الدولي، بدأت احتمالات تكرار هذا التدخل برا وبحرا وجوا تتصاعد، خاصة بعد تعزز وجود "الدولة الاسلامية" في مناطق عديدة فيها، والهجوم الذي شنته احد خلاياها على مدينة بن قردان الحدودية التونسية. الدول الغربية التي شاركت في هذا التدخل العسكري بقيادة الولاياتالمتحدة ما زالت تعيش حالة من الإنكار، وترفض الاعتراف بالنتائج الكارثية التي ترتبت على تدخلها هذا، واذا جرى مواجهتها بالحقائق فإنها تحاول التهرب، والتقليل من حجم الدمار والضحايا معا. هيلاري كلينتون التي كانت وزيرة خارجية بلادها اثناء هذا التدخل، احد الأمثلة في هذا الصدد، ففي تصريحات أدلت بها إلى محطة ""فوكس نيوز" على هامش حملتها الانتخابية قالت، ونحن ننقل هنا حرفيا "لو لم يحصل التدخل العسكري من قبل حلف الناتو وطائراته لتحولت ليبيا إلى سوريا أخرى"، وأضافت مبررة لهذا التدخل "على رغم الصعوبات الحالية في ليبيا فهي ليست سوريا بالنظر إلى حجم العنف وعدد الضحايا". كلينتون تقارن السيئ بالأسوأ، وهذا أسلوب غير علمي وغير أخلاقي، لان هذه المقارنة غير صحيحة أولا، وحتى لو كانت صحيحة، فان ما يحدث في سوريا وليبيا ودول عربية أخرى بفعل التدخل الغربي من تفتيت وقتل ودمار تتحمل مسؤوليته الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في أوروبا والشرق الأوسط. الوضع في ليبيا ربما يكون أسوأ بكثير من نظيره في سوريا، بالنظر إلى معايير عديدة أبرزها عدد السكان وحجم الدمار، وأعداد النازحين، والوضع الراهن على الأرض، والمساحة الجغرافية، وحجم الضحايا، وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال محاولة التقليل من حجم الكارثة السورية ماديا وبشريا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا. تدخل حلف الناتو في ليبيا كان مقدمة، او تمرين، للتدخل لاحقا في سوريا، وكانت كلينتون ليس على اطلاع على السيناريوهات التي جرى وضعها في العلب الامريكية السوداء فقط، وانما اشرفت ايضا بنفسها على تسويقها عربيا ودوليا، حتى انها باركت تصفية الزعيم الليبي معمر القذافي دمويا، وباركت جائزة مالية أعلن عنها مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الليبي في حينها لمن يقتله، وفوجئنا أنها وهي التي تمثل "العالم الحر" و"قيمه الديمقراطية" والقضائية، كانت تبتسم وهي واقفة إلى جانبه في بنغازي ولم تعترض مطلقا على هذا العمل الهمجي الذي يتناقض مع كل قيم العدالة. في سوريا ما زالت هناك حكومة، وأجهزة أمنية، وجيش رسمي، ومؤسسات دولة، ولكن في ليبيا لا يوجد أي شيء على الإطلاق من هذا القبيل، حيث الفوضى الدموية وهيمنة الميليشيات المسلحة وصراعاتها، حتى أن ثلث الشعب الليبي، إن لم يكن أكثر، هجر البلاد إلى دول الجوار، أي مصر وتونس، بحثا عن الاستقرار والطبابة والتعليم ولقمة العيش، وكل الاحتياجات الضرورية الأخرى، وهو الذي كانت بلاده تعتبر واحدة من أغنى دول أفريقيا والشرق الأوسط. حتى هذه اللحظة لم تقل لنا هيلاري كلينتون، ولا حكومتها، اعداد الليبيين القتلى من جراء القصف الصاروخي لطائرات حلف الناتو لما يقرب من الثلاثة اشهر، كما انها لم تقدم لنا اي تقديرات لحجم الدمار، او مئات المليارات التي جرى نهبها من عوائد النفط الليبية من قبل الذين نصبهم حلف الناتو حكاما لليبيا بعد تغييره للنظام، واعدام رئيسه بطريقة بشعة وغير انسانية او حضارية، وعرض جثمانه لأيام عديدة حتى تعفن في حاوية للخضار إشباعا للنزعات الانتقامية الثأرية، وبعد الاعتداء عليه، أي الجثمان، جنسيا، مما يتناقض مع كل قيم تعاليم الشرعية الإسلامية، من قبل أناس قالوا أنهم ثاروا في ليبيا من اجل تطبيقها، ورفع راية الإسلام. أمريكا الديمقراطية الحضارية التي تخوض هيلاري كلينتون حملة انتخابية شرسة للوصول إلى سدة الحكم فيها، ما زالت تحقق في حادثة اغتيال السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز الذي قتل في هجوم "لأنصار الشريعة"، وقتلت واعتقلت كل من جرى اتهامهم بالتورط فيها، ولكنها لم تهتم مطلقا بالضحايا الليبيين السابقين واللاحقين لتدخلها العسكري، وستستمر في النهج نفسه في التدخل الثاني الذي تعد العدة له حاليا، وكانت اول ارهاصاته الغارة الجوية على مدينة سبراطة، وادت الى مقتل 50 شخصا قيل انهم كانوا في قاعدة تدريب لتنظيم "الدولة الإسلامية"، ولم نسمع حتى الآن عن نتائج أي تحقيق يؤكد هذه الحقيقة، او ما اذا كان هناك مدنيون بين الضحايا. سوريا وليبيا واليمن، وقبلهما العراق والصومال وفلسطين تدفع جميعا أثمان السياسات الأمريكية في المنطقة، وما تتمخض عنها من احتلالات وغزوات، وتدخلات عسكرية مباشرة، او من خلال الحلفاء، وتهيئة الحاضنات للجماعات الإرهابية المتشددة". أسلحة وتسهيلات للإرهابيين مصادر رصد أوروبية ربطت بين هجوم 7 مارس على تونس والجماعات المصنفة غربيا بالإسلام السياسي مشيرة إلى الرد العنيف الذي صدر من تنظيم فجر ليبيا المحسوب على جماعة الإخوان بعد إتهامات السلطات التونسية لأطراف ليبية بتصدير الإرهاب والفوضى. وهكذا مثلا اتهمت الحكومة الموازية في ليبيا غير المعترف بها دوليا والتي تسيطر على معظم غرب البلاد انطلاقا من طرابلس وتضم مليشيات "جهادية"، تونس بالتضليل لتحميلها ليبيا مسؤولية تنامي خطر الإرهاب. وقال علي ابوزعكوك وزير خارجية حكومة طرابلس غير الشرعية في تصريحات نشرتها وسائل إعلام ليبية يوم الخميس 10 مارس "إن تحميل بعض السياسيين ووسائل الإعلام في تونس ليبيا مسؤولية ما يجري هو تضليل للرأي العام عن جوهر الأزمة التي تعاني منها المنطقة برمتها". وأضاف إن حكومة الإنقاذ الليبية "الحكومة غير المعترف بها دوليا" دعت الحكومة التونسية أكثر من مرة إلى التنسيق الأمني معها لتفادي تمدد جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية لكن تونس تجاهلت تلك الدعوات. وأقر ارهابيون تمكنت القوات التونسية من القبض عليهم خلال المواجهات الأخيرة بأنهم تسللوا من ليبيا بعد تدربوا في معسكرات هناك وأن هدف هجماتهم على بن قردان كان اقامة امارة اسلامية. وركزت تونس منظومة دفاعية متكاملة على حدودها مع ليبيا تشمل ساتر ترابي ومنظومة مراقبة إلكترونية وحرارية لقطع الطريق أمام الجهاديين، لكن الهجمات الأخيرة على بن قردان عززت مقولة أن تلك الإجراءات غير كافية. ويعتقد أن تصريحات أبوزعكوك وهي ليست التصريحات العدائية الأولى التي يطلقها ضد تونس تأتي على خلفية احتضان تونس لاجتماعات الفرقاء الليبيين الذين اتفقوا في الصخيرات المغربية على تشكيل حكومة وحدة وطنية لإنهاء الأزمة وتوحيد الجهود في مقاومة الجماعات المتطرفة وعلى رأسها الدولة الإسلامية. من جهة أخرى تحدثت تقارير صحفية نقلا عن مصادر مسؤولة عن تخطيط "أطراف في طرابلس" لخلق حالة من الفوضى في تونس ودول الجوار الليبي. ونقلت صحيفة الصباح اليومية التونسية عن مصدر سياسي مغاربي قوله "تم الكشف عن تسليم جهات مشبوهة في ليبيا جوازات سفر ليبية رسمية لعدد من الجهاديين بغرض التسلل لدول الجوار". وأضاف بحسب الصحيفة التونسية "نحصل على معلومات إستخبارية تفيد بأن أطرافا معروفة في طرابلس سلمت عددا كبيرا من جوازات سفر رسمية لجهاديين ليبيين وتونسيين وسودانيين ومصريين وأفارقه، بهدف استعمالها للتسلل إلى مصر والجزائر وتونس". واشار المصدر إلى أنه رغم تشديد المراقبة الأمنية والعسكرية على الحدود مع ليبيا إلا أن تحديد العناصر الجهادية التي تحمل جواز سفر رسمي للتنقل به في دول الجوار أمر "صعب جدا". مصادر رصد أوروبية في العاصمة الألمانية برلين ذكرت أنه ومنذ صيف سنة 2015 تم رصد عمليات إسقاط جوي واسعة لمعدات عسكرية فوق مناطق مختلفة من ليبيا حيث تسود المليشيات المسلحة المحسوبة على حركات الإسلام السياسي المتحالفة عمليا مع تنظيمي داعش والقاعدة وأن جزء من الأسلحة التي تم إسقاطها أمريكية الصنع ومن ضمنها صواريخ ستنغر أرض جو، كما أن سفنا أجنبية رصدت وهي تنقل مسلحين وأسلحة من شرق المتوسط إلى ليبيا. عمر نجيب [email protected]