ظهر بعض المسؤولين التونسيين وكأنهم غير متوقعين لهجوم كبير من تنظيم داعش يأتيهم من الجارة الجنوبية ليبيا، رغم أن مؤشرات كثيرة كانت تحذرهم من أن الهجوم قد يكون وشيكا وواسعا. وكان أبرز مؤشر هو الغارة الأمريكية على مدينة صبراتة الليبية القريبة من الحدود التونسية، والتي كشفت تقارير مختلفة أنها استهدفت اجتماعا موسعا لداعش كان يخطط لهجمات كبيرة في تونس. ولا يستبعد خبراء ومحللون أن تكون تونس قد اطمأنت إلى أن هذه الغارة قد أفشلت الهجوم الذي كانت داعش تخطط له، وظلت تتعامل مع الوضع على أسس توقع عمليات جزئية من التنظيم المتشدد كتلك التي وقعت قبل أيام في بن قردان نفسها وخلفت مقتل خمسة متشددين. وكشفت تسريبات إعلامية تونسية عن حصول الاستخبارات التونسية في دجنبر الماضي، على معلومات دقيقة حول هجوم متوقع لداعش على بن قردان تخطط فيه للسيطرة عليها وتحويلها إلى إمارة تابعة لها شبيهة بسرت الليبية. وتساءل الخبراء عن ضآلة حجم الاستعدادات العسكرية في المدينة الاستراتيجية في ظل هذه المعلومات التي لم تعلق عليها السلطات التونسية، رغم أن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ورئيس الوزراء الحبيب الصيد أشارا إلى أن الهجوم كان هدفه إقامة "إمارة داعشية" في بن قردان، وهي المعلومة الرئيسية في الوثيقة المسربة. وفي ما يبدو دليلا على أن السلطات التونسية لم تكن تقدر حجم التحديات القادمة من ليبيا أن المجموعة المهاجمة خزنت ما تحتاجه من أسلحة وبعضها متطور على فترات زمنية، وتمكنت من توفير عنصر الإسناد البشري سواء من داخل المدينة أو من مسلحين متدربين في ليبيا تم تهريبهم على دفعات صغيرة قبل أن تقرر الهجوم. لكن جاهزية عناصر الجيش وقوات الأمن أفشلت الهجوم ونجحت في التقليل من الخسائر، وأنقذت الطبقة السياسية التي يبدو أن الخلافات والصراع على الكراسي جعلاها غير مدركة للتحديات الأمنية المحيطة بها خاصة في ظل عدم استقرار ليبيا. ويقول الخبير الاستراتيجي والأمني العميد علي الزرمديني "صحيح أن الإرهابيين استفادوا من عنصر المباغتة، ولكن سرعة تحرك القوات العسكرية والأمنية، وفاعلية انتشارها، واعتمادها أسلوب الهجوم وليس الدفاع، يُثبت أن تلك القوات كانت تتوقع هجمات إرهابية". مضيفا أن الدلائل على ذلك الاستعداد كثيرة، وخاصة منها التنسيق الذي وصفه ب"المحكم" بين الوحدات العسكرية والأمنية، بحيث لم يتم تسجيل سقوط ضحايا بشرية بنيران صديقة.